دور الذكاء الاصطناعي في تسليح الجيوش وأتمتة الحروب
AI بالعربي – حاص
أسهمت جهود الباحثين المُتواترة من جانب، خلال العقد الماضي، في إحداث تطورات بارزة في مجال الذكاء الاصطناعي، والتقنيات التكنولوجية المرتبطة به “الحوسبة الكمية”، والبيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، والروبوتات، والأنظمة ذاتية التشغيل، التي أمكننا الوصول بها خلال فترات زمنية قصيرة، إلى مستويات فاقت توقعات الخبراء والمتخصصين.
وحقيقة الأمر أن ذلك التطور المتسارع، قد جاء مدفوعًا بمجموعة من العوامل المحفزة، التي تشمل التطور الهائل في استخدام البرمجيات وكفاءة أدائها، والتوسع في اعتماد قواعد البيانات الضخمة، وكذلك التقدم الملحوظ في تطبيقات التعلم الآلي، وإعداد الخوارزميات، وقد اجتذب ذلك كله الاهتمام من قبل القطاع التجاري، مما أسهم في التوسع في عمليات إنتاج وتطبيق تلك التقنيات، وفتح الباب الاستثمار في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وتزامنًا، مع اختراق الذكاء الاصطناعي لكافة مجالات الحياة، فإن المجال العسكري يأتي في مقدمة تلك المجالات، ومن المتوقع أن تشهد إحداث نقلة نوعية كبيرة، في استخدام الحلول المعرفية والأتمتة، لتعزيز القدرات والاستراتيجيات العسكرية، على المستويين التكتيكي والتشغيلي، وقد حذر “جيمس جونسون” الأستاذ بجامعة ليستر في بريطانيا، والمتخصص في الدراسات الأمنية، في دراسة بعنوان “الذكاء الاصطناعي وحرب المستقبل: الآثار المترتبة على الأمن الدولي”، والتي نُشرت في العدد “35” من مجلة “Defence & Security Analyses”، في أبريل 2019، حذر من التهديدات الأمنية العالمية التي ينطوي عليها، استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وانعكاساته على إعادة ترتيب موازين القوى.
ويناقش “جونسون” في دراسته المنافسة الجيوسياسية، بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، ومدى تأثرها بالسباق الحالي للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري:
تشير الدراسة في بدايتها إلى الدور الواسع، الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي، في تعزيز القدرات العسكرية التقليدية والمتطورة، سواءً من الناحية التشغيلية، أو على المستوى التكتيكي، حيث إنه يلعب دورًا يفوق دور كونه “سلاحًا” في حد ذاته، فعلى المستوى التشغيلي، يعزز الذكاء الاصطناعي من القدرات العسكرية، وذلك من خلال: إمكانات الاستشعار عن بعد، الإدراك اللحظي للمتغيرات، المناورة، اتخاذ القرار تحت ضغط.
أما على المستوى الاستراتيجي التكتيكي، في صنع القرار العسكري، فستتمكن أنظمة القيادة المعززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من تجنب العديد من أوجه القصور الملازمة لعملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية التقليدية، حيث تكتسب القدرة على اتخاذ القرار السريع بل والتلقائي، بناءً على المعلومات المعززة الأمر الذي يُجنّبها الأخطاء البشرية، ويُكسبها ميزةً تنافسيةً مقارنةً بأنظمة اتخاذ القرار التقليدية.
وبناءً عليه، فإن إدماج الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، سيؤدي إلى إدخال متغير جديد في المعادلة العسكرية، ولن تتساوى فيه الجيوش التي تستخدم تلك التكنولوجيا الجديدة مع غيرها، ومن ثَم سيحدث مجموعة من الآثار الاستراتيجية، التي من المحتمل أن تزعزع الاستقرار الأمني إلى حدٍ كبير، مما يؤثر على ديناميكيات الصراع، والتصعيد العسكري في المستقبل.
ولتأكيد وجهة النظر السابقة، أضاف كاتب الدراسة، أن التهديدات الأمنية المحتملة، والمترتبة على التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، تشمل الأمن بمفهومه الواسع، الذي يتضمن الأمن الرقمي مثل: التصيد المُوجّه، اختلاق الخطاب المعروف بالتصنيع الصوتي، انتحال الهوية، التسلل الآلي، التطفل على البيانات، الأمن المادي مثل الهجمات المنفذة من أسراب الطائرات بدون طيار، وأخيرًا الأمن السياسي مثل عمليات: المراقبة، الخداع، الإكراه.
مستقبل الحروب:
وفي حين تم توصيف تكنولوجيا الروبوتات ونظم الأسلحة ذاتية التشغيل، إلى جانب ابتكارات أخرى، على أنها تمثل “الثورة الثالثة في الحروب”، وفي سياقٍ آخر على أنها أحد مخرجات “الثورة الصناعية الرابعة”، فإن إدماج الذكاء الاصطناعي معها، من المتوقع أن يُحدث آثارًا تحولية، في مستقبل الحروب والتوازن العسكري عالميًّا، فهو سيضيف إليها تقنيات تُعزز من قدراتها، مثل الإدراك البصري والتعرف على الصوت والوجه، وكذلك استخدام الخوارزميات في صنع القرار، لتنفيذ مجموعة من العمليات الجوية والبرية والبحرية، بشكلٍ مستقلٍ عن الإشراف والتدخل البشري.
وبناءً عليه، ستتمكن تلك الأنظمة المعززة، من التوسع في مجموعة المهام مثل: الاستطلاع، دقة تنفيذ الضربات، اختراق الدفاعات الجوية المتطورة متعددة المستويات، مما يؤثر على كفاءة قيامها بوظيفة الردع، كما ستقدم تلك الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي للدول، خيارات إضافية غير متماثلة، خاصة في المجال البحري، لإبراز القوة العسكرية داخل المناطق المتنازع عليها، وغير المسموح باختراقها، بالإضافة إلى مجموعة من المهام المحددة، التي يمكن القيام بها والتي تشمل: زراعة ونزع الألغام، ونشر وجمع البيانات من شبكات الاستشعار البحرية المضادة للغواصات، ومهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، وشن الحروب الإلكترونية، والعمليات غير القتالية مثل: مكافحة الإرهاب، الدفاع عن الحدود، الدعم التوجيهي للصواريخ، وذلك لدقة عمليات الاستهداف.
والتوسع حاليًّا كبير، في استخدام أنظمة الأسلحة المعززة بالذكاء الاصطناعي، والتي تقوم بتنفيذ مهامها بالكامل، دون تدخل بشري مثل إسقاط ذخيرة الهجوم “LAMS”، على الأهداف سواءً رادارات العدو أو السفن أو الدبابات، وذلك بناءً على معايير الاستهداف المبرمجة مسبقًا، حيث يتم تدمير الهدف تلقائيًّا، عند اكتشاف أجهزة الاستشعار، لرادارات الدفاع الجوي للعدو.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك النوع من الأنظمة، هي أنظمة الطائرات بدون طيار الإسرائيلية “Harop”، إلا أن هناك سعيًا حثيثًا من جانب عدد كبير من الدول، لتطوير أنظمة كاملة من الأسلحة ذاتية التشغيل مثل: الصين، ألمانيا، الهند، إسرائيل، كوريا الشمالية، روسيا، بريطانيا.
وتشير الدراسة، إلى أن إدماج الذكاء الاصطناعي في نظم الأسلحة ذاتية التشغيل والروبوتات، سيؤدي إلى التوسع في استخدامها في مجالي الدفاع والهجوم، مما سيؤدي إلى الحد من قدرات، أنظمة الردع الحالية المتعددة المستويات.
وعلى الجانب الآخر، فإن إدماج التكنولوجيا نفسها في أنظمة الإنذار المبكر، وإن كان سيؤدي إلى تقليل وقت عملية اتخاذ القرار، وإتاحة إمكانية المواجهة المباشرة والتلقائية مع أي هجوم؛ إلا أنه سيؤثر على استقرار الأمن العالمي، وذلك بتقليص فرص تسوية الأزمات بوسائل أخرى سلمية وغيرها، والتوجه نحو التصعيد المباشر، الأمر الذي قد يتطور إلى مستوى الحرب النووية.
وإلى جانب الأنظمة العسكرية التقليدية، فقد أشار التقرير إلى أن تعزيز المجال السيبراني، بالذكاء الاصطناعي سيُعزز من قدراتها، سواءً من حيث الدفاع أو الهجوم، فمن حيث الهجوم سيسهم الذكاء الاصطناعي، في صعوبة تحديد منفذي الهجمات السيبرانية أو التنبؤ بها، وكذلك في دقة تحديد الأهداف المراد الهجوم عليها.
أما من حيث الدفاع السيبراني، فقد يعزز الذكاء الاصطناعي، من تقليل مخاطر الهجمات السيبرانية، من خلال تحسين عمليات مراقبة الشبكات، وتحديد التهديدات بسرعة وبالتالي الدفاع تلقائيًا عنها.
وفي إطار زيادة التداخل، بين المجالين المادي والافتراضي، فإن الهجمات السيبرانية المعززة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، سيتضاعف تأثيرها في المجالين معًا، بشكلٍ يصعبُ معه تحديد الآثار المترتبة عليه، والتي تمثل “Black Box”، وكذلك اتساع المدى المستهدف من جانب تلك الهجمات، كما أنه يحفز الهجمات التي تستهدف التحكم، في أنظمة الروبوتات والأسلحة ذاتية التشغيل، وهو ما يمكن تسميته بـ”برمجيات التسليح”.
تهديدات الأمن العالمي:
حدد الباحث في دراسته، أسباب تهديد الأنظمة المعززة بالذكاء الاصطناعي للأمن العالمي، والتي تتمثل فيما يلي:
أولًا: سيادة حالة من اليقين، بالقدرات الكاملة لتلك الأنظمة، في ظل عدم معرفة معدلات الخطأ الواردة بها، حيث إنها لم تخضع بعد للاختبارات الجادة، مما قد يترتب عليه تهديدات خطيرة غير محسوبة العواقب.
ثانيًا: الدفع نحو التصعيد بشكل مباشر، نتيجة للثقة المطلقة في القدرات العسكرية، المعززة بالذكاء الاصطناعي على المواجهة وردع الأعداء، ومن ثَم تجنب الوسائل السلمية في حل الأزمات، بل قد يدفع ذلك الدول في الضرب الاستباقي لتحقيق الردع.
ثالثًا: إمكانية التوسع في الاعتماد عليها نتيجة انخفاض التكلفة، واستخداماتها التجارية، وثنائية ذلك الاستخدام من جانب الفاعلين، سواءً من الدول وغير الدول، وهو ما يضيف المزيد من التعقيد في البيئة الأمنية، من حيث صعوبة تحديد وتوقع الهجمات، وتعد هجمات أسراب الطائرات بدون طيار من أبرز الأمثلة على ذلك.
رابعًا: التوجه نحو استخدام، الأنظمة المعززة بالذكاء الاصطناعي، بشكل متواتر لاختبار قدرات الآخرين، وتقييم المستوى التقني الذي تم الوصول إليه لتطوير القدرات.
ولمواجهة التهديدات السابقة أشارت الدراسة، إلى الجهود التي تم بذلها من جانب الباحثين، لتطوير تكنولوجيات مواجهة الذكاء الاصطناعي “Counter AI”، إلا أنها مازالت في المراحل الأولية، فضلًا عن كونها مازالت تقتصر على الجهود البحثية، من جانب الأجهزة الأمنية التابعة للدول، وبصفة خاصة الدوائر العسكرية، بخلاف تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الأخرى، التي تشهد طفرات مستمرة، واهتمامًا من جانب، دوائر واسعة عسكرية وتجارية.
وفي حين يواجه ذلك القطاع نموًّا بطيئًا؛ إلا أنه من المتوقع أن يلعب دورًا محوريًّا، في معادلات الأمن القومي والحسابات الاستراتيجية للدول، مما ينعكس على توازن القوى، وعلى هيكل التنافس الاستراتيجي بينها.
سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي:
باتت كلٌ من المحددات الجيوسياسية والتطورات التكنولوجية، عوامل محورية في إعادة تشكيل البيئة الأمنية، مما ينعكس في تحديد شكل وحجم التنافس الاستراتيجي، بين كلٍّ من الولايات المتحدة الأميركية والصين.
وحقيقة الأمر أن من الصعوبة بمكان، تحديد مدى إسهام الذكاء الاصطناعي في بلورة ذلك التنافس، إذ ما تزال الفجوة قائمة بين التطور المتسارع في مستوى الابتكارات المحققة، وبين عملية تحويلها لأوامر تنفيذيّة، ثم إدماجها وفي المنظومة والاستراتيجيات العسكرية، فلا دلائل واضحة لقيام الولايات المتحدة أو الصين بالأمر.
ونَبّهت الدراسة إلى أنه في ظل التنافس بين كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين، على توطين الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن أيٌ منهما مختلفٌ عن الآخر، وأن دمج تلك الابتكارات في المنظومة الاستراتيجية العسكرية، من المتوقع أن يختلف فيما بينها، مما يفاقم من حالة “عدم اليقين” بين الدولتين، مما سيلقي بظلاله على التوازن الاستراتيجي بين الدول، وعلى استقرار الأمن العالمي برمته.
وتتوقع الدراسة أن الصين لها الأسبقية، في خطوة “إدماج الذكاء الاصطناعي”، وذلك ضمن المنظومة والاستراتيجية العسكرية، من خلال تطوير القواعد التقنية وآليات حوكمة الذكاء الاصطناعي، لتعزيز تنافسية ومستوى القدرات العسكرية الصينية، كما أنها ستتبع المنهجية المركزية لجيش التحرير الشعبي الصيني “PLA”، بتضمينها في كل مكان الوحدات والعمليات.
أما عن مكامن القوة الصينية، فقد أشارت الدراسة إلى أنها ستستفيد في هذا السياق، من مجموعة من المزايا لعل من أهمها الطاقة الاستيعابية الكبيرة لأسواقها، وهو ما ُيمَكِّنُها من طرح الابتكارات واختبارها وتطويرها، ثُمَّ الاستفادة منها مدنيًّا وعسكريًّا، كما أن الكثافة السكانية الهائلة مكنت للدولة على إعداد قواعد بيانات ضخمة، وتشير الدراسات إلى أنها تمكنت بحلول العام 2020، من السيطرة على ما يقارب الـ20 من بيانات العالم، وعلى 30% منها بحلول العام 2030، وتعد تلك البيانات الضخمة ثروة هائلة في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، التي تُشَكِّل نواة تطوير تلك الابتكارات.
وفي حين تتمتع الصين، بأفضلية تحقيق ذاك التكامل “المدني العسكري”، فما تزال الولايات المتحدة الأميركية، تواجه عدد من التحديات مع شركات “وادي السيليكون”، حيث أعلنت “شركة جوجل” مؤخرًا، عن إيقافها للتعاون مع “البنتاجون” ضمن مشروع “MAVEN”، للابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، كما أنها لا تزال تتخذ خطوات حذرة في الاعتماد الكامل، وتضمين الذكاء الاصطناعي في كامل المنظومة العسكرية.
في ختام الدراسة، يقارن الباحثون بين توجه كل من الصين وروسيا نحو التضمين والاعتماد الكامل، على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في كل يوم المنظومة العسكرية الخاصة بها، حيث توجد شواهد على إلحاق الصواريخ النووية والباليستية، الخاصة بهما بمعززات الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها قابلة للانطلاق وتدمير الأهداف المحددة مسبقًا في حالة استشعارها وجود أي خطر أو هجوم عليها، الأمرٌ الذي تنطوي عليه آثارٌ تدميرية تمس البشرية جمعاء، إلا أنه في المقابل، فإن الباحثون يرون الولايات المتحدة تسلك منحىً آخر، يراه الكاتب في المقام الأول أخلاقيًّا، لأن إخراج العنصر البشري من المنظومة، قد يضاعف من تداعيات أي أزمة مُستقبلية، مما يُخرجها عن السيطرة فتتصاعد لمستويات لا يمكنهم التحكم فيها.
وخَلُصَت الدراسة، إلى أن التطورات المُتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، التي ستقترن في المدى القريب بانتشارها وعلى التوسع في استخدامها في المجال العسكري، مما سيترتب عليه العديد من التداعيات الأمنية، التي ستنعكس بشكلٍ أو بآخر على زعزعة استقرار الأمن والسلم العالميين، وعلى إطلاق سباق تسلح جديد، إلا أنه في هذه المرة سيكون لامتلاك أسلحة مُعزّزة، بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
وأخيرًا، نَبَّهت الدراسة إلى أنه في ظل غياب القواعد والسياسات، التي تربط تلك التكنولوجيا بالمجال العسكري، فإن أهم التداعيات تتمثل في الأمن العالمي، وفي شيوع حالة عالمية من عدم اليقين، وفي تنامي التهديدات في المجالين المادي الواقعي والافتراضي، بالإضافة إلى إحداث العديد من التحولات، بطبيعة وطُرُق التهديدات الأمنية، بل وفي طرح أشكال جديدة، من التهديدات على الملف الأمني العالمي كَكُل.