هل يخطف الذكاء الاصطناعي وظائفنا كلها؟

هل يخطف الذكاء الاصطناعي وظائفنا كلها؟

هل يخطف الذكاء الاصطناعي وظائفنا كلها؟

د. زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ

صرح أرفيند كريشنا الرئيس التنفيذي لشركة “آي بي أم” إن عملاق التقنية تخلى عن مئات من موظفي الموارد البشرية مقابل عدد أكبر من المبرمجين ومندوبي المبيعات الذين حلوا محلهم للنتائج الإيجابية التي أظهرها الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية.

حين يُذكر استبدال الوظائف والذكاء الاصطناعي في النقاشات العامة، يتبادر إلى الذهن سؤال واحد: هل سيقضي هذا القادم إلينا بكل قوة وظائفنا؟ هذا القلق مشروع، لكنه جوهريا مضلل. يقدم تقرير ماكنزي الأخير عن حالة الذكاء الاصطناعي 2025 نظرة أدق، وربما أكثر إثارة للقلق: الذكاء الاصطناعي لا يخطف كل الوظائف، بل يعيد تشكيل خريطة العمل، فبعض المهن تتراجع، وبعضها تزدهر.

وفقًا للتقرير، لا تستبدل الشركات وظائف تقنية المعلومات من تطوير البرمجيات إلى إدارة البنية التحتية الرقمية بل إنها مرشحة للزيادة. أما الوظائف في المجالات الإدارية والمالية، مثل إدارة المخزون، والموارد البشرية، والمالية الاستراتيجية، فهي من الأكثر عرضة للانخفاض.

لا يعكس هذا التفاوت في الوظائف التي تستبدل والوظائف التي تنمو اختلافًا في طبيعة المهام فقط، بل في مرونة النظام نفسه. مجالات مثل تقنية المعلومات مستعدة للتفاعل مع الذكاء الاصطناعي، بل وتستفيد منه لتوسيع قدراتها. الذكاء الاصطناعي هنا لا يحل محل الموظف، بل يعززه. بينما في مجالات مثل المالية، حيث العمليات متكررة وقابلة للأتمتة، يصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً مباشرًا.

المثير أن التقرير يُظهر أن غالبية الوظائف التي تستبدل لن يغير في حجم القوى العاملة الكلي تغييرا كبيرا خلال السنوات الثلاث القادمة. لا يعني ذلك غياب التأثير، بل يعني أن التأثير هيكلي. بعض الفرق ستتقلص، وأخرى ستنمو، وسيُعاد توزيع الأدوار توزيعا متفاوتا.

من المنظور الكلي ستحرك عملية الاستبدال حلقة مزدوجة: من جهة، حلقة نمو في وظائف التقنية، حيث يزيد الطلب على مطوري الذكاء الاصطناعي، ومهندسي البيانات، ومهندسي البرمجيات؛ ومن جهة أخرى، حلقة انكماش في الوظائف ذات المهام القابلة للترميز.

المقلق أن معظم المؤسسات، وفقًا للتقرير، لم تخطط لعمليات الاستبدال جيدا. فلا تزال المؤسسات مفتقرة إلى الجاهزية لهذا التحول الجذري. فعدد الموظفين الذين خضعوا لإعادة تأهيل فعلي لا يزال محدودًا، في حين تشير نصف الشركات إلى أنها ستواجه قريبًا نقصًا في مجالات مهمة أبرزها خبراء علوم البيانات. هذا البطء في الاستجابة لا يهدد فقط بكبح فرص الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، بل قد يؤدي إلى اتساع الفجوة بين الوظائف الصاعدة والمهن المتلاشية، ويزيد من منسوب القلق واللايقين في سوق العمل.

هل الخوف من أن يستبدل الذكاء الاصطناعي وظائفنا مبالغ فيه؟ ربما. لكن تجاهل تأثيره على التوظيف ليس خيارًا. الذكاء الاصطناعي لا يقتل الوظائف عشوائيا، بل يعيد رسم خريطة الطلب على القوى العاملة، ويطلب منا أن نعيد التفكير في من نُعِدّهم للمستقبل من حيث مهاراتهم ومن حيث بيئتهم الوظيفية.

المصدر: الرياض

Related Posts

الرياض تحتضن “المنتدى السعودي للثورة الصناعية الرابعة” بمشاركة عالمية واسعة

AI بالعربي – متابعات تستضيف العاصمة الرياض أعمال المنتدى السعودي الثالث للثورة الصناعية الرابعة 2025، الذي ينظمه مركز الثورة الصناعية الرابعة في السعودية بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، ومدينة الملك…

دراسة أوروبية تكشف: “Gemini” من جوجل الأكثر تضليلًا بين نماذج الذكاء الاصطناعي

AI بالعربي – متابعات كشفت دراسة حديثة أجراها اتحاد البث الأوروبي (EBU) بالتعاون مع هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن 45% من إجابات برامج الذكاء الاصطناعي الكبرى تضمنت معلومات كاذبة أو…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات

الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

  • أكتوبر 12, 2025
  • 185 views
الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

  • أكتوبر 1, 2025
  • 274 views
حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

  • سبتمبر 29, 2025
  • 284 views
الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

  • سبتمبر 26, 2025
  • 225 views
تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

  • سبتمبر 24, 2025
  • 252 views
كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

  • سبتمبر 18, 2025
  • 187 views
الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف