قانون الذكاء الاصطناعي في السعودية.. خطوة نحو ريادة تحكيم النزاعات التكنولوجية عالميًا
قانون الذكاء الاصطناعي في السعودية.. خطوة نحو ريادة تحكيم النزاعات التكنولوجية عالميًا
AI بالعربي – متابعات
مع تسارع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي بوتيرة تفوق قدرة الأنظمة القانونية على مواكبتها، طرحت السعودية في أبريل 2025 مسودة “قانون مركز الذكاء الاصطناعي العالمي”، في خطوة تهدف إلى جعل المملكة ليس فقط مركزًا لتشغيل وتخزين بيانات الذكاء الاصطناعي، بل أيضًا منصة قانونية دولية لتسوية النزاعات المرتبطة به. ويستند هذا التوجه إلى الخبرات المتراكمة للمملكة في مجال التحكيم التجاري، إضافة إلى منظومة تشريعية وقضائية جاذبة للاستثمار.
فيما يلي نستعرض أبرز ملامح تشريعات الذكاء الاصطناعي التي تدرسها المملكة، وفرص تحولها إلى مركز تحكيم دولي في النزاعات التكنولوجية.
ما الذي نعرفه عن قانون مركز الذكاء الاصطناعي السعودي؟
بحسب هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، يشتمل النظام على ثلاثة نماذج متقدمة لمراكز البيانات، تشمل “المركز الخاص” الموجه لدول العالم لاستضافة بياناتها وخدماتها، و”المركز الممتد”، و”المركز الافتراضي” الذي يخدم شركات التقنية والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية الكبرى لاستضافة عملائها عالميًا.
ويُسهّل القانون إنشاء مراكز بيانات سيادية تعزز علاقات المملكة الثنائية مع الدول الأجنبية وشركات التكنولوجيا العالمية، مستفيدة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط بين ثلاث قارات. كما يدعم هذا النظام التوجه نحو تقديم حلول رقمية عالمية، ويُهيّئ بيئة تنظيمية جاذبة لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في الاستخدامات السلمية، بما يعزز مكانة المملكة كمركز عالمي في هذا المجال.
إلى أي مدى يمكن للتحكيم التجاري أن يوفر حلاً فعالاً لنزاعات الذكاء الاصطناعي؟
يُعد التحكيم من أكثر الوسائل فاعلية لحل النزاعات المتعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، نظرًا لطبيعة هذه النزاعات التي تتسم بالتعقيد الفني والتشريعي. وتعمل المملكة على دمج خبراتها المتقدمة في مجال التحكيم التجاري مع تطورها السريع في قطاع الذكاء الاصطناعي، ضمن إطار رؤية 2030 الهادفة إلى دعم الاقتصاد الرقمي وتعزيز بيئة الابتكار.
وقد أسس “المركز السعودي للتحكيم التجاري” عام 2016، وأدار منذ ذلك الوقت عشرات القضايا ذات الطابع الإقليمي والدولي. ووفقًا لما أكده الرئيس التنفيذي للمركز، الحامد ميرة، فقد ارتفعت نسبة القضايا التي تعامل معها المركز بنسبة 59% في عام 2024 مقارنة بعام 2023، ويستهدف المركز حاليًا التوسع إلى أسواق رئيسية مثل الصين والهند، إلى جانب تعزيز التكامل مع المنظمات القضائية الدولية، وتطوير الربط الإلكتروني مع منظومة القضاء السعودي.
ما الفرق بين النموذج السعودي ومراكز التحكيم التقليدية؟
بعكس النماذج التقليدية، يفصل النظام السعودي الجديد بين البنية التحتية والمسؤولية القانونية، وهو ما وصفته شركة “Clyde & Co” بأنه “سابقة تنظيمية عالمية”. ويفتح هذا الفصل المجال لتأسيس بيئات قانونية محايدة داخل المملكة تُعرف بـ “السفارات الرقمية”، بما يسمح بتسوية النزاعات في بيئات قانونية خاصة دون تعقيدات سيادية.
وتقدم السعودية بهذا الطرح نموذجًا قانونيًا يتسم بالمرونة والحياد، في وقت تواجه فيه الشركات العالمية تحديات ناتجة عن قوانين مثل اللائحة الأوروبية لحماية البيانات “GDPR”، والقانون الأمريكي “CLOUD Act”. ومن خلال وضوح الإجراءات وسرعة المعالجة، يعزز هذا النموذج من ثقة المستثمرين ويجعل المملكة بيئة أكثر جاذبية لحل النزاعات الرقمية.
هل يمكن أن تنجح السعودية في جذب شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى للتحكيم فيها؟
المعطيات تشير إلى أن الفرصة حقيقية، خاصة مع التطورات التنظيمية التي يشهدها المركز السعودي للتحكيم التجاري، والذي أطلق مؤخرًا قواعد جديدة لتسوية النزاعات التقنية، كما أتاح إجراءات تحكيم إلكترونية كاملة عبر منصة رقمية. ووفقًا لتقرير المركز لعام 2023، فقد ارتفعت طلبات التحكيم بنسبة 295% مقارنة بعام 2020، مما يعكس تنامي الثقة الإقليمية والدولية.
وفي موازاة ذلك، تستثمر المملكة بشكل مكثف في الذكاء الاصطناعي من خلال مبادرات مثل “سدايا” و”هيوماين”، واستضافتها لقمم الذكاء الاصطناعي العالمية، فضلًا عن نجاحها في جذب شركات كبرى مثل “جوجل”، “إنفيديا”، “أمازون” و”سينس تايم”، وهو ما يعزز فرص اختيار المملكة كمقر لتسوية النزاعات المرتبطة بهذه التقنيات.
ما أبرز التحديات التي تواجه هذا الطموح السعودي؟
رغم الإمكانات الكبيرة، إلا أن التحديات لا تزال قائمة. إذ يشكّل غياب إطار دولي موحد لقوانين الذكاء الاصطناعي، إلى جانب ندرة الكفاءات المتخصصة التي تجمع بين المعرفة القانونية والتقنية، عائقين أمام تحقيق تقدم سريع. كما أن التوفيق بين تشجيع الابتكار ووضع الأطر التنظيمية الحاكمة يظل معادلة دقيقة، في ظل تنافس عالمي تقوده قوى كبرى مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين.
وإذا نجحت المملكة في تأسيس محكمة تحكيم متخصصة بقضايا الذكاء الاصطناعي، وتقديم نموذج قانوني مرن وموثوق يحظى بقبول دولي، فقد تتمكن من ترسيخ مكانتها كأحد أبرز اللاعبين في الاقتصاد القانوني الرقمي للعقود المقبلة.