باحث ياباني يدعو إلى التعايش مع الذكاء الاصطناعي كشريك متكافئ لتجنّب مخاطره
باحث ياباني يدعو إلى التعايش مع الذكاء الاصطناعي كشريك متكافئ لتجنّب مخاطره
AI بالعربي – متابعات
ينقسم تصوّر مخاطر الذكاء الاصطناعي إلى مدرستين أولاهما تتبنّى سيناريو فيلم “ترمينيتر”، وفيه تهيمن فيها الروبوتات على العالم وتقضي على البشرية، أما الثانية فيه أكثر تفاؤلًا وتفترض إمكان بناء علاقة تعاون مع الآلة باعتبارها زميلاً قيّمًا. واعتبر باحث ياباني في مجال التقنية، خلال مقال رأي نشره في “بلومبرغ” أن ضمان السلامة العالمية في عصر الذكاء الاصطناعي يبدأ بإعادة بناء هذه العلاقة، سعيًا لبناء شراكة سليمة.
في 2023 وتحت وقع الصدمة التي أثارها إطلاق نموذج “تشات جي بي تي”، ارتفعت أصوات في وادي السيليكون تحذر من التهديدات الوجودية لأدوات الذكاء الاصطناعي المتقدّمة. قاد إيلون ماسك مجموعة من الخبراء والتنفيذيين في دعوة إلى وقف تطوير هذه الأنظمة مؤقتاً لستة أشهر إلى حين التوصّل إلى آليات فعّالة لضبط مخاطرها.
زوايا مختلفة
رغم كلّ هذا التخوف من المخاطر الكارثية للذكاء الاصطناعي، لم تتباطأ في وتيرة تطويره. فقد هيمن في السنوات الماضية دعاة تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي على المشهد، وطغوا إلى حدّ كبير على الأصوات المحذرة، فيما انخرطت الشركات والدول في سباق محموم لبلوغ مرحلة الذكاء الاصطناعي الخارق، متجاهلة الدعوات السابقة لمنح الأولوية لمسألة السلامة، ما أحدث إرباكًا وسط الجمهور بشكل عام.
لكن ربما كنا ننظر إلى المسألة من زاوية خاطئة. هيروشي ياماكوا، أحد أبرز الباحثين في الذكاء الاصطناعي والأستاذ في جامعة طوكيو الذي يجري بحوثًا حول هذه التقنية منذ ثلاثة عقود، رأى أن الطريق الأكثر واقعية نحو مستقبل آمن ومستدام يكمن في “تعايش بين الإنسان والذكاء الاصطناعي والازدهار معاً والحماية المتبادلة والتصدي لمخاطر الكوارث”. ويا له من حلم وردي.
ضرب ياماكوا على وتر حساس إذ دعا، برغم إقراره بالمخاطر التي حذّر منها خبراء في عام 2023، إلى مسار عملي يضمن التعايش مع الآلات فائقة الذكاء، خصوصاً فيما لم يعد أحد مستعداً لوقف التطوير خشية التخلّف في السباق.
بمعنى آخر، إذا لم نعد قادرين على منع الذكاء الاصطناعي من التفوّق علينا، فقد يكون من الأفضل أن ننضم إليه كشريك متكافئ. وهنا تكمن الحساسية: فالبشر لا يزالون يتمسّكون بقناعة تفوّقهم، ويرفضون فكرة المساواة مع الآلة.
أثار تصريح ياماكوا اهتمامًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية اليابانية، ووقّع عليه حتى الآن عشرات الباحثين، بينهم عدد من أبرز الخبراء المتخصصين بسلامة الذكاء الاصطناعي خارج اليابان. وفي مقابلة مع صحيفة “نيكي آسيا”، أشار إلى أن الفوارق الثقافية في آسيا تتيح رؤية الآلات كشركاء محتملين، لا كخصوم. ففي حين تخيلت الولايات المتحدة شخصيات مستلهمة من الذكاء الاصطناعي مثل “ترمينيتر”، ابتكر اليابانيون رفاقًا ودودين مثل “أسترو بوي”، و”دورايمون”.
زملاء وليس أسياد
بعيداً عن تأثير الثقافة الشعبية، هناك ما يدعم فعلاً فكرة التقبّل الثقافي للذكاء الاصطناعي. ففي استطلاع عالمي أجرته شركة “إبسوس” في يونيو، أبدى 25% فقط من اليابانيين قلقهم من المنتجات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وهي النسبة الأدنى بين جميع الدول، مقابل 64% من الأميركيين.
يُستبعد أن تلقى تصريحات ياماكوا آذاناً صاغية، كما حدث مع تحذيرات كثيرة سبقتها بخصوص الذكاء الاصطناعي، إذ يسير التطوير قدماً بقوة دفع ذاتية فيما يحتدم الجدل بشأن ما إذا كانت الآلات قد تصل فعلاً إلى مستوى يهدّد بـ”انقراض الحضارة”. يجوز القول إن تركيز البعض في القطاع على سيناريوهات مستقبلية مستوحاة من الخيال العلمي، يهدف أحياناً إلى صرف الأنظار عن الأضرار الآنية والملموسة، من فقدان الوظائف، إلى انتهاك حقوق الملكية، مروراً بتقويض الالتزامات المناخية.
مع ذلك، تأتي دعوة ياماكوا في توقيت مهم لإعادة إحياء نقاش طال إهماله في السنوات الماضية حول أمان الذكاء الاصطناعي. فلا يمكن لهذا الجدل أن يستمر معتمداً فقط على تحذيرات تثير الاستعجاب يتبعها غياب تنظيمي. فباستثناء أوروبا، اختارت معظم الدول التخفيف من القيود التنظيمية خوفاً من التخلف عن الركب، لكن صناع القرار لا يملكون ترف غض النظر إلى أن يفوت الأوان.
وتؤكد هذه الدعوة أيضاً الحاجة إلى توسيع نطاق أبحاث السلامة، بما يتجاوز الشركات المطوّرة التي تسعى إلى تسويق هذه الأدوات، كما حدث في عصر منصات التواصل الاجتماعي، التي لم تكن تملك حوافز كافية لمشاركة نتائجها مع العامة. لهذا ينبغي أن تضطلع الحكومات والجامعات بدور أكبر وتمنح أولوية للتحليلات المستقلة حول المخاطر واسعة النطاق المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
في خضمّ السباق المحموم الذي يخوضه قطاع التقنية العالمي لتطوير أنظمة حاسوبية تتفوّق على الذكاء البشري، لم يتضح بعد ما إذا كان بلوغ هذه المرحلة ممكناً فعلاً. لكن تحويل فكرة إنشاء ذكاء اصطناعي بقدرات خارقة إلى هدف بحدّ ذاته، أدّى إلى موجات من التهويل والخوف، كثيراً ما جاءت بنتائج عكسية. ربما يكون مجدياً أن نبدأ باعتبار هذه الآلات زملاء وأن نتوقف من التخوف من أن تكون أسيادًا.