Facebook X Instagram TikTok

هل الجيوش البشرية التقليدية أصبحت قديمة في عصر الذكاء الاصطناعي؟

0

هل الجيوش البشرية التقليدية أصبحت قديمة في عصر الذكاء الاصطناعي؟

AI بالعربي – متابعات

بات الذكاء الاصطناعي اليوم عنصرًا محورًاي في ساحة المعركة، بعدما تجاوز دوره التقليدي كأداة مساعدة ليصبح جزءًا حاسمًا في صناعة القرار العسكري وتنسيق العمليات. فبفضل قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة خارقة، يمنح الذكاء الاصطناعي الجيوش ميزة تفاضلية تتمثل في التنبؤ والرد الفوري، مما يغير قواعد اللعبة في ميادين القتال الحديثة. وأمام هذا التقدم، يبقى السؤال قائمًا: من يجب أن يتحمل المسؤولية عندما تقرر الآلة أن تقتل؟

1- ما دور الذكاء الاصطناعي في ساحة المعركة؟

يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تحديث العمليات العسكرية، خاصة في مجالات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع “ISR”. فهو يحلل البيانات الواردة من أجهزة الاستشعار والطائرات المُسيرة والصور الجوية بسرعة فائقة، مما يمنح القادة القدرة على كشف الأهداف والتهديدات في وقت قياسي. مثال ذلك، مشروع “مايفن” التابع لوزارة الدفاع الأميركية، الذي يحلل تسجيلات الفيديو المجمعة عبر الطائرات المُسيرة، ما يتيح اكتشاف التهديدات وإنجاز ثلاثة أضعاف العمل المعتاد في نفس الوقت، مما يضاعف فعالية غرف العمليات الاستخباراتية.

في مجال تحديد الأهداف واتخاذ القرارات الهجومية، يعمل الذكاء الاصطناعي على دمج المعلومات من الوحدات الميدانية وتحليلها لحظياً لتقديم توصيات فورية بشأن التحركات العسكرية. وتُعد تجربة الجيش الإسرائيلي مثالاً بارزاً، حيث طور نظام “غوسبل” (The Gospel) لتوليد قوائم أهداف بسرعة ودقة فائقة، مع تقليل الأضرار الجانبية. وفي عام 2025، تطور هذا النظام ليعتمد على خدمات “مايكروسوفت أزور” لتنسيق الضربات بشكل شبه أوتوماتيكي تحت إشراف بشري.

أما المركبات غير المأهولة والروبوتات القتالية، فقد أصبحت جزءًا أساسيًا من التكتيكات الحديثة، حيث باتت قادرة على تنفيذ مهام قتالية واستطلاعية بشكل مستقل أو شبه مستقل، ما يقلل الخسائر البشرية ويزيد كفاءة العمليات.

وأظهرت أمثلة حديثة انتقال هذه التقنيات إلى الميدان، حيث أرسل الجيش الأميركي في 2024 كلبًا ربوتيًا إلى الشرق الأوسط لاختباره ميدانيًا، وكان مزودًا بقدرات ذكاء اصطناعي للرصد والتصويب، وكانت الصين قد عرضت نموذجاً مشابهاً خلال مناورات عسكرية في كمبوديا. إضافة إلى، المسيرات الانتحارية المزودة بالخوارزميات مثل “كارغو-2” التركي، ومشروع “سكاي بورغ” الأميركي لدمج مقاتلات ذاتية القيادة بجانب الطيار البشري.

وفيما يتعلق بـالدعم اللوجستي والصيانة التنبؤية، يسهم الذكاء الاصطناعي في ضمان جاهزية الجيوش عبر التنبؤ بالأعطال قبل وقوعها وتحسين سلاسل الإمداد، بحيث تصل الذخائر والوقود للجنود في الوقت المناسب وبأقل تكلفة زمنية ومادية، بل وتمكين تصنيع قطع تحت الطلب في الخطوط الأمامية. و زُودت المدمرة الأميركية “يو إس إس فيتزغيرالد” “USS Fitzgerald” بنظام ذكاء اصطناعي يرصد الأعطال قبل وقوعها، بينما استعان الجيش الأميركي بمنصة من تطوير “بالانتير تكنولوجيز” “Palantir Technologies” لتوقع احتياجات الصيانة وتوزيع الموارد بدقة خلال المعارك. كما اختبر مشروع “فليتوِركس” “FLEETWERX” في مايو 2025 طابعات ثلاثية الأبعاد متنقلة لإنتاج قطع الغيار ميدانياً، بدعم من الذكاء الاصطناعي، مما يزيد مرونة الدعم اللوجستي.

2- من يملك قرار الضغط على الزناد في الحروب المستقبلية؟

في تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” في أبريل 2025 بعنوان “خطر على حقوق الإنسان: أنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل وصنع القرار الرقمي”، “A Hazard to Human Rights: Autonomous Weapons Systems and Digital Decision-Making”، حذرت المنظمة من التوجه المتسارع نحو تطوير أنظمة قتالية تُحدد وتهاجم الأهداف بشكل مستقل استنادًا إلى بيانات الحساسات، دون أي مراجعة أو موافقة بشرية.

وجاء في التقرير: “الآلة- لا الإنسان- هي من تُحدد الآن متى وأين وبأي قوة يتم استخدام السلاح”، محذرًا من ظهور منظومات قاتلة تتخذ قرارات حياة أو موت بدون تحكم بشري فعلي، وهو ما يثير إشكاليات أخلاقية وقانونية وأمنية عميقة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

هذه المخاوف ليست نظرية، إذ تؤكد الوقائع الميدانية تراجع العنصر البشري في بعض السياقات.

ففي حرب أوكرانيا، نشر الجيش الروسي مئات من الطائرات المُسيرة الانتحارية المبرمجة لتحديد أهدافها ومهاجمتها تلقائياً دون الحاجة لتدخل بشري لحظي. في المقابل، طورت أوكرانيا مسيرات تعتمد جزئياً على الذكاء الاصطناعي، بحسب وكالة أنباء “رويترز”.

أما في قطاع غزة، فقد استخدم الجيش الإسرائيلي خوارزميات متقدمة لتوليد آلاف الأهداف تلقائيًا، من مقاتلين ومباني ومنشآت. هذا النمط من العمل الذي تعتمد فيه الخوارزميات على جمع وتحليل الكم الهائل من البيانات في وقت قياسي، يعكس بوضوح أن عامل التحكم البشري بدأ ينحسر فعلياً في بعض السيناريوهات القتالية، خاصة في السياقات التي تتطلب استجابة سريعة يتعذر على البشر مجاراتها.

3- كيف يحمي الذكاء الاصطناعي الشبكات العسكرية من الهجمات السيبرانية؟

تلجأ الجيوش الحديثة إلى الذكاء الاصطناعي لحماية شبكاتها من الهجمات السيبرانية، مستفيدة من البيانات الوفيرة باعتبارها “ذخيرة” رقمية، بحسب ما ذكره مركز تحليل السياسات الأوروبية “CEPA”.

وتعتمد أنظمة الدفاع السيبراني المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تحليل سجلات الشبكة ونقرات المستخدمين وتقارير التهديدات العالمية لرسم خط النشاط الطبيعي في الشبكة. وعند رصد سلوك شاذ أو محاولة اختراق، يطلق النظام إنذاراً فورياً بل ويمكنه عزل الجهاز المشتبه بتعرضه للاختراق تلقائياً قبل انتشار الضرر.

هذه الاستجابة الاستباقية تعتمد على سرعة المعالجة الفائقة للذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال طورت قيادة الجيش الأميركي للأمن السيبراني منصة ذكاء اصطناعي تُدعى “بانوبتيك جنكشن” “Panoptic Junction” تتيح مراقبة مستمرة للشبكات ورصد البرمجيات الخبيثة والأنشطة المعادية بسرعة تتجاوز بكثير قدرة المحللين البشر، مع تقديم توصيات فورية لـتحصين الدفاعات الإلكترونية، وفقاً لموقع “ديفينس سكوب” “DefenseScoop” الإخباري.

وهكذا أصبحت البيانات سلاحًا ذو حدين في ساحة الحرب السيبرانية، فهي تزود الخوارزميات الدفاعية بالذخيرة اللازمة لكشف التهديدات مبكرًا وصدها قبل أن تُلحق الضرر بالشبكات العسكرية.

4- من يقود سباق تسليح الذكاء الاصطناعي؟

يتسارع سباق تسلح الذكاء الاصطناعي بين القوى الكبرى، بقيادة الولايات المتحدة والصين، وتسعى دول أخرى للحاق به. ويختلف هذا السباق عن التسلح التقليدي، إذ يركز على من يهيمن على القرار والمعلومات في ساحة المعركة، وليس فقط على الأسلحة أو منصات القتال الذكية، ما يغير جوهر القوة العسكرية في الحروب المقبلة.

برزت الصين مؤخرًا كمتحدٍ بارز للريادة الأميركية في الذكاء الاصطناعي العسكري، مستثمرة مليارات الدولارات في مشاريع تشمل المركبات ذاتية القيادة والروبوتات والتخطيط الاستراتيجي. ووفق مجلة “بوبيلار ميكانكس” وتقارير استخباراتية غربية، قد تمتلك بكين بحلول 2026 أسلحة ذكاء اصطناعي مستقلة بالكامل، ما يعني أننا على أعتاب عصر جديد من التسليح المؤتمت تقوده بكين بخطى سريعة. وأعلنت القيادة الصينية جاهزيتها لمواجهة واشنطن في “أي نوع آخر من الحروب”، مع تسارع تطوير قدراتها في “الحرب المعرفية” أو “الحرب المؤتمتة”. وأظهرت ورقة بحثية نجاح نموذج ذكاء اصطناعي صيني في إعداد خطط معارك خلال ثوانٍ، ما أطلق جرس إنذار لدى الغرب.

في الجانب الآخر، أدركت الولايات المتحدة أنها بحاجة لتحركات جريئة للحفاظ على تفوقها في مجال الذكاء الاصطناعي العسكري. إحدى المحطات المفصلية جاءت في فبراير 2024، حين غيرت شركة “جوجل” موقفها ورفعت رسمياً تعهدها بعدم استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الأسلحة، ما عكس تحولاً عميقاً في موقف وادي السيليكون من التعاون العسكري، وإدراكاً متزايداً في واشنطن بأن الشراكة مع عمالقة التقنية أصبحت ضرورة استراتيجية.

وفي أغسطس 2023، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن مبادرة “ريبليكاتور” “Replicator”، الهادفة لنشر آلاف الأنظمة ذاتية التشغيل خلال فترة لا تتجاوز عامين. ووصفت نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس المبادرة بأنها وسيلة لإغراق ساحة المعركة بمركبات ومُسيرات ذكية ومنخفضة التكلفة لمعادلة التفوق العددي الصيني. ومنذ 2024، بدأت الولايات المتحدة في تسريع إنتاج أسراب من الطائرات المُسيرة والسفن والغواصات الروبوتية.

كذلك، تدعم البنتاغون مشاريع مثل منصة “ثندر فور” المطورة بالشراكة مع “جوجل” و”مايكروسوفت” و”سكيل إيه آي”، لأتمتة التخطيط العسكري وتسريع المحاكاة واتخاذ القرار في مسرح المعركة. كما تُسرع تنفيذ مشروع القيادة والتحكم المشتركة “JADC2” لربط جميع القوات الأميركية بشبكة ذكاء اصطناعي موحدة تسمح بتنسيق لحظي بين مختلف القطاعات العسكرية.

أما روسيا، فرغم التحديات الاقتصادية، فهي تركز على تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي في الطائرات المُسيرة والأسلحة ذاتية التشغيل، وتسعى لتعطيل التفوق الغربي عبر خوارزميات تشويش على الطائرات المسيرة للخصم. وبشكل عام، لا تزال روسيا متخلفة عن الولايات المتحدة والصين من حيث استثمارات الذكاء الاصطناعي العسكري وحجم الإنجازات، وإن كانت تجربتها القتالية الفعلية في أوكرانيا منحتها كنزاً من البيانات والدروس في كيفية دمج هذه التقنيات بالحرب الحقيقية.

وفي الشرق الأوسط، تبرز إسرائيل كمطور رائد للدرونات الهجومية وأنظمة الاستهداف الذكي، حيث أسست “مصنع الذكاء الاصطناعي” لتحديث منظومتها العسكرية. وبرز نظام “غوسبل” الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتوليد أهداف هجومية في غزة.

على صعيد أوروبا، أطلق الاتحاد الأوروبي في 2025 مبادرة “إعادة التسلح الذكي” لتعزيز قدراته الدفاعية بالذكاء الاصطناعي، فيما تخطط شركة “هيلسينغ” الألمانية لنشر مُسيرات بحرية مزودة بذكاء اصطناعي، ويجري “الناتو” اختبار خوارزميات تنبؤية لرصد بوادر النزاعات.

5- تحولًا جذريًا للجيوش البشرية التقليدية

لا تعد الجيوش البشرية “قديمة” في عصر الذكاء الاصطناعي، لكنها تشهد تحولاً جذرياً مع انتشار الروبوتات والأنظمة ذاتية التشغيل في ساحات القتال. وباتت المسيرات الهجومية والذخائر الجوالة تنتشر إلى جانب الجنود، وتُستخدم لأتمتة الاستطلاع وتحليل ساحة المعركة كما في حرب أوكرانيا. في المقابل، يُزود الجنود بأنظمة واقع معزز واتصالات آنية مع الذكاء الاصطناعي لتلقي توصيات تكتيكية مباشرة.

هذا التكامل بين الإنسان والآلة ظهر في عدة صراعات، أبرزها اعتماد الجيش الإسرائيلي على منصة ذكاء اصطناعي في تحليل كم هائل من معلومات الاستطلاع وتحديد الأهداف أثناء الضربة الأولى على إيران يوم 13 يونيو 2025، ما ضاعف فعالية رصد الخصوم بشكل غير مسبوق. ومع ذلك، يبقى الإشراف البشري أساسياً في اتخاذ القرارات القاتلة.

وفي النزاع بين إسرائيل وإيران أيضًا برزت التكنولوجيا العسكرية المتقدمة كسلاح فعال لكنها لم تُلغِ دور المقاتلين البشر، فقد شنت إسرائيل ضربات جوية باستخدام مقاتلات شبح ومسيرات متقدمة ضد أهداف إيرانية، فيما أعلنت طهران إسقاط مسيرة من طراز “هرمز-900” “Hermes-900″، ما يعكس بوضوح استمرار التكامل بين الإنسان والآلة في الحروب الحديثة.

اترك رد

Your email address will not be published.