كيف يساعد الذكاء الاصطناعي على معرفة درجات الحرارة؟
AI بالعربي – متابعات
تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصبح أداة أساسية في تحليل البيانات الضخمة ومعالجة المعلومات المعقدة، مما أسهم بشكل كبير في تحسين دقة توقعات درجات الحرارة. يعتمد الذكاء الاصطناعي على النماذج الحسابية التي تستخدم بيانات من الأقمار الصناعية ومحطات الطقس لتحليل أنماط الطقس بدقة غير مسبوقة. ففي ظل الظروف المناخية المتغيرة التي يشهدها العالم اليوم، أصبح من الضروري الاعتماد على هذه التقنيات المتقدمة لتقديم تنبؤات دقيقة تمكننا من الاستعداد للظواهر الجوية المتطرفة.
ومع تزايد التحديات التي يفرضها التغير المناخي، كتزايد حدة الكوارث الطبيعية التي يمثل ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق واحدًا منها، تحتاج المؤسسات والأنظمة إلى الذكاء الاصطناعي في توفير تنبؤات سريعة ودقيقة تساعد الحكومات والمجتمعات على اتخاذ قرارات مستنيرة. إذ تعتمد هذه التنبؤات على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات المناخية، مما يسهم في تقديم رؤى أعمق حول أنماط الطقس والتغيرات المناخية المتسارعة التي نشهدها اليوم.
جهود السابقين: تطور قياس درجات الحرارة
يُعد العالم الإيطالي جاليليو، في القرن السادس عشر، أول من صمم مقياسًا للحرارة، وعلى الرغم من كون هذا الجهاز كان كبير الحجم ويستغرق وقتًا طويلاً في قياس درجة الحرارة، فإنه مثَّل خطوة كبيرة، أبرزت تقدمًا آنذاك. في القرن الثامن عشر، تحدَّى العالم جابريل فهرنهايت إشكالية الحجم الكبير وصعوبة التنقل؛ ليبتكر مقياس حرارة أصغر حجمًا وأكثر تقدمًا.
المحاولات السالفة لم تكن إشكاليتها في الحجم أو صعوبة إمكانية التنقل من مكان لآخر فقط، الأمر كان يتعلَّق بأنَّ هذا الجهاز غير عملي بشكل كافٍ لقياس درجة الحرارة بشكل دقيق. فظلَّت هذه المشكلة حتى عام 1876 حين تمكَّن العالم الإنجليزي “توماس كليفورد البوت” من الوصول لنموذج أكثر دقة كمقياس لدرجات الحرارة الذي يشبه الأجهزة الحديثة، حيث اعتمد على استخدام مادة “الزئبق” لقياس درجة الحرارة من خلال تمدده، وكان بطول حوالي 15 سم، واعتمد على الفكرة الفيزيائية القائلة بتمدد سائل الزئبق بارتفاع درجة الحرارة، وانكماشه بالانخفاض.
لقد تطورت الأشكال والنماذج حتَّى صارت هناك أجهزة لقياس درجات الحرارة بشكل فعَّل وقوي، تسهم في تحديد درجات الحرارة وإمكانية التنبؤ، وقد اعتمدت عليها الأرصاد الجوية فأصبح فكرة التحديد القبلي لدرجات الحرارة ليست معضلة، لا سيما أن التكنولوجيا تؤدي دورها بشكل ممتاز ومرضٍ حتى الآن.
الذكاء الاصطناعي.. كيف يؤدي AI دوره في ظل قضية تغير المناخ؟
بيت القصيد يبدأ من هنا، فعلى الرغم من التطور التكنولوجي، فإن منحى الذكاء الاصطناعي يختلف بشكل كبير عمَّا وصلت إليه القدرات التقنية وإمكاناتها، التي تظل محصورة بحدود البشر والآلة. ويؤدى الذكاء الاصطناعي (AI) دورًا محوريًا في تصميم استراتيجيات التكيف مع آثار تغير المناخ. فمن خلال استخدام النماذج والتحليلات التنبؤية، يتمكن العلماء من تحديد عوامل ومتغيرات أكثر دقة مما تصنعه الآلة التكنولوجية.
إنّ تحديد مواضع الخطر ووجود السكان، وتقدير قربهم المكاني منها، وتلافي خسائر مستقبلية بأحجام كبيرة، من شأنها أن تُسهم في إعداد خطط تكيفية فعّالة وموجهة. ومثال على ذلك “اعتماد خوارزميات التعلم الآلي على تحليل البيانات المناخية التاريخية لتوقع المناطق التي قد تواجه ارتفاعًا في مستوى سطح البحر أو زيادة في الظواهر الجوية المتطرفة، أو تغيرات في أنماط هطول الأمطار”، وبالتالي توفر هذه التوقعات معلومات حيوية لتطوير بنية تحتية متينة واستراتيجيات مجتمعية تسهم في تقليل تأثيرات تغير المناخ.
أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي AI في معرفة درجات الحرارة
أولاً: النماذج المناخية
النماذج المناخية هي محاكاة رقمية تعتمد على معادلات رياضية معقدة لتوقع التغيرات المناخية المستقبلية من خلال محاكاة التفاعلات بين مكونات النظام المناخي والمؤثرات الخارجية. وتتفاوت هذه النماذج في درجة تعقيدها، حيث تركز النماذج البسيطة على توازن الطاقة على سطح الأرض، بينما تتضمن النماذج الأكثر تعقيدًا، مثل نموذج المناخ العالمي (GCM)، متغيرات تشمل الغلاف الجوي والمحيطات وسطح الأرض، ويتعمق نموذج نظام الأرض (ESM) بدمج دورة الكربون وتطور التربة والغطاء النباتي.
كيف ترصد النماذج المناخية البيانات؟ وما مدى دقتها؟
دقة هذه النماذج تعتمد على تمثيل العمليات المناخية بمعادلات علمية دقيقة، رغم أن بعض العمليات لا تزال غير مؤكدة وتحتاج إلى تقريب. يستفيد العلماء من سجلات المناخ الماضية لتحسين هذه المعادلات، مما يجعل النماذج أدوات فعالة للتنبؤ بالتغيرات المناخية المحتملة بناءً على انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون والعوامل الأخرى، مما يسهم في اتخاذ قرارات أفضل لمواجهة تغير المناخ.
على مدار خمسين عامًا ماضية، شهدت النماذج المناخية تطورًا كبيرًا، مما مكنها من تقديم تنبؤات دقيقة حول تغير المناخ. ورغم أن هذه النماذج تعتمد على أسس علمية قوية وأظهرت قدرتها على تقديم تقديرات موثوقة، فإنها لا تزال تواجه بعض التحديات في محاكاة كل جوانب النظام المناخي بدقة. الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تؤكد أهمية هذه النماذج في فهم المناخ، لكنها تشير إلى وجود بعض القيود مثل تصوير السحب وتفاصيل التغيرات المناخية الإقليمية. على الرغم من هذه القيود، تبقى النماذج أدوات حيوية في توقع الاحترار العالمي وزيادة الثقة في توقعات تغير المناخ المستقبلية.
ثانيًا: برنامج “غراف كاست”
قبيل نهاية العام الماضي، أُعلن عن برنامج “غراف كاست” المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والذي يتميز بسرعته الكبيرة في التنبؤ بالطقس، متفوقًا على النماذج الحكومية التي استثمرت فيها الدول مئات الملايين من الدولارات. يستطيع هذا البرنامج التنبؤ بضغط الهواء ودرجة الحرارة والرطوبة والرياح لمدة تصل إلى 10 أيام مقدمًا. وفي السنوات الأخيرة، حققت شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل غوغل ومايكروسوفت ونفيديا وهواوي، تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، حيث أظهرت دراساتها أن نماذجها تضاهي أو تتفوق على النماذج التقليدية. وأعلن باحثو غوغل، مؤخرًا، أن نموذجهم تفوق على النموذج الأوروبي المعروف بكونه المعيار الذهبي في التنبؤ بالطقس.
كان هذا البرنامج أكثر دقة بنحو 10% من النموذج الأوروبي فيما يتعلق بأكثر من 90% من متغيرات الطقس التي قُيمت، والذي استطاع التنبؤ بأحداث وُصفت بأنَّها أكثر تطرفًا، كالأعاصير والأنهار الجوية، بخلاف موجات الحرارة والبرد.
تحديات نماذج الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بدرجات الحرارة
لا تخلو أي أداة أو آلية في الوجود من تحديات طالما تتعامل مع ظواهر مختلفة ومتنوعة، وهذا ما يراه الخبراء والمتخصصون في درجة أو مدى الحكم على دقة التنبؤات، وذلك على النحو التالي:
- تحيزات موروثة
يرى المتخصصون أنَّ نماذج الذكاء الاصطناعي قد تحمل تحيزات موروثة من البيانات التي تم تدريبها عليها أو من الخوارزميات المستخدمة، مما قد يؤدي إلى تنبؤات غير دقيقة. لذلك، يعد ضمان جودة البيانات عاملاً حاسمًا لنجاح هذه النماذج. ويشمل ذلك استخدام مجموعات بيانات متنوعة وعالية الجودة، إلا أن هذا قد لا يكون ممكنًا في بعض المناطق التي تكون فيها البيانات محدودة أو رديئة الجودة، مما يؤثر سلبًا على دقة التنبؤات.
- محدودية مواكبة التغيرات المناخية
تحدٍ آخر أشار إليه الخبراء، يتعلق بتغير أنماط الطقس باستمرار، مما يستدعي تكيف نماذج الذكاء الاصطناعي مع الظروف المتغيرة. وتحقيق هذا التكيف بنجاح يعد تحديًا كبيرًا، ويتطلب من هذه النماذج قدرة على مواكبة التطورات المستمرة في الظروف المناخية لضمان دقة وموثوقية التنبؤات.
نظرة تفاؤلية
على الرغم من التحديَّات والصعوبات الكثيرة تنتظر الذكاء الاصطناعي في مجال معرفة درجات الحرارة والتنبؤ بها، والتي تشمل رتابة ما قد يتعلَّمه الذكاء الاصطناعي من بيانات قد يقوم بتكرارها دون متابعة بشرية مستمرة، وقيودًا أخرى تحسّبية لحالة الأجواء، يبقى الأمل موجودًا لا سيَّما في ظل جهود علمية مستمرة ومستدامة، تحفِّز جذوة المضيِّ قُدُمًا نحو حماية البشرية على كوكبنا “الأرض”.