كيف يمكن للخيال العلمي الجديد أن يساعدنا في تحسين الذكاء الاصطناعي؟
NICK HILDEN
على مدى العقد الماضي، كانت مجموعة تسمى Future of Life Institute تعمل على تعزيز رفاهية الإنسان في المحادثات العامة حول الأسلحة النووية، وتغير المناخ، والذكاء الاصطناعي والتهديدات المتطورة الأخرى. تهدف هذه المنظمة غير الربحية إلى توجيه التطور التكنولوجي بعيداً عن الرؤى الكابوسية التي تطارد وسائل الإعلام بشكل متكرر. ولكن عندما يتعلق الأمر بالمناقشات حول الذكاء الاصطناعي، كان على فريقها مواجهة عدو واحد مستمر بشكل خاص: The Terminator.
تقول “إميليا جافورسكي”، مديرة برنامج المستقبل في المعهد: “عندما بدأنا نتحدث عن مخاطر الذكاء الاصطناعي لأول مرة، كان كل مقال يصدر عن عملنا يتضمن صورة لـTerminator”. من الصعب تبديد شبح سلسلة أفلام The Terminator، الذي يصور روبوتًا قويًا ومعاديًا يقوده منطق لا يرحم. إذا طلبت من الناس تخيل ذكاء اصطناعي قوي، فإنهم يميلون إلى التفكير في النموذج الخيالي لآلة ذات “روح مكيافيلية”، حتى وإن كانت الأنظمة الفعلية للذكاء الاصطناعي تفتقر بطبيعتها إلى أي نية خبيثة أو نية بشرية على الإطلاق”.
مع إدراكهم للتأثير الذي تملكه السرديات الشعبية على تصوراتنا الجماعية، يرغب عدد متزايد من خبراء الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب الآن في استغلال الخيال للمساعدة في تصور مستقبل لا تدمر فيه الخوارزميات الكوكب. يجادل هؤلاء بأن الفنون والعلوم الإنسانية يجب أن تؤدي دورًا لضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي الأهداف البشرية. لهذا الغرض، تدعو “نينا بيغوش”، باحثة في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة كاليفورنيا، إلى إنشاء مجال جديد تسميه “العلوم الإنسانية الاصطناعية”. في كتابها المقبل “العلوم الإنسانية الاصطناعية.. منظور خيالي عن اللغة في الذكاء الاصطناعي”، تؤكد أن “مسؤولية صنع هذه التقنيات كبيرة جدًا بحيث لا يمكن للتقنيين تحملها وحدهم”. وتشرح أن العلوم الإنسانية الاصطناعية ستدمج بين العلوم والفنون لاستغلال الخيال والفلسفة في استكشاف الإمكانيات الخيرة للذكاء الاصطناعي.
تقول “كاثرين كلارك”، المؤرخة الثقافية بجامعة لندن، التي درست تقاطع الأدب والذكاء الاصطناعي: “يجب أن تكون العلوم الإنسانية جزءًا من المحادثة، وإلا فإن هذا العالم الجديد سيتقدم دون مساهمتنا”.
تشكل وسائل الترفيه بشكل كبير تصورات الناس عن الذكاء الاصطناعي، كما يظهر في دراسة حديثة للرأي العام أجراها باحثون في جامعة تكساس في أوستن. ومع ذلك، فإن هذه التصورات تتجاهل في الغالب الإمكانيات التكنولوجية الإيجابية لصالح تصوير مخاوفنا الأسوأ. تقول “بيغوش”: “نحتاج إلى أعمال خيالية تأخذ الآلات كما هي وتوضح ما يمكن أن تكون عليه ذكاؤها وإبداعها”. ولأن الخيال “غير ملزم بعكس التطورات التكنولوجية الفعلية”، فإنه يمكن أن يكون “مساحة عامة للتجربة والتأمل”.
الأمر المهم هو أنه تبين أن انطباعاتنا السلبية عن الذكاء الاصطناعي، التي يغذيها الترفيه، يمكن أن تؤثر بدورها في كيفية أداء التكنولوجيا في العالم الحقيقي؛ فالقصص التي نرويها لأنفسنا عن الذكاء الاصطناعي تهيئنا لاستخدامه بطرق معينة. وفقًا لدراسة حديثة أجراها باحثون في مختبر وسائط معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، فإن التصورات المسبقة بأن روبوت الدردشة الذكي سيجيب مثل آلة متلاعبة، تشكل حلقة تغذية راجعة عدائية بحيث يتصرف الروبوت كما هو متوقع. يمكن أن تتحقق المخاوف الداخلية للمستخدم، مما يضيف مكونات عدائية إلى الخوارزمية. لذا، قد يكون الأمر أنه إذا كان الخيال يدربنا على توقع الأسوأ من الذكاء الاصطناعي، فهذا بالضبط ما سنحصل عليه.
ولكن إذا تعاملنا مع نماذج الذكاء الاصطناعي بدقة، فإنها ستستجيب بالمثل. قامت “كلارك”، إلى جانب “موراي شاناهان” من كلية إمبريال لندن Google DeepMind، مؤخرًا، بمحاولة لتحديد ما إذا كان يمكن تدريب نموذج ذكاء اصطناعي لتوليد نصوص بجودة بشرية. قدموا بداية قصة لروبوت الدردشة واستخدموا تنبيهات ذات تفاصيل وتعقيدات مختلفة وطلبوا منه إكمال السرد. أظهرت نتائجهم الأولية، أن القصص التي كتبها الذكاء الاصطناعي باستخدام تنبيهات بدائية كانت مخيبة للآمال، بينما أدت التنبيهات الأكثر أناقة وإبداعًا إلى نصوص أدبية أكثر جودة. وهذا يشير إلى أن ما نقدمه للذكاء الاصطناعي التوليدي يُعاد إلينا.
إذا كانت هذه الأنماط صحيحة بالنسبة للأشكال الأكثر ذكاءً من الذكاء الاصطناعي، فإننا نحتاج إلى غرس ضوابط أخلاقية فيها قبل تشغيلها. وصف “نيك بوستروم”، المتنبئ بنهاية العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بجامعة أكسفورد، هذه الحاجة بأنها “فلسفة مع موعد نهائي”.
لجذب المزيد من الفنانين والمفكرين إلى تلك المناقشة، قام Future of Life Institute برعاية مبادرات متعددة تربط بين كتاب الخيال والمبدعين الآخرين مع التقنيين. تقول “جافورسكي”: “لا يمكنك تقليل المخاطر التي لا تستطيع تخيلها. كما لا يمكنك بناء مستقبل إيجابي باستخدام التكنولوجيا والتوجه نحوه إذا لم تكن تتخيله”. على سبيل المثال، يجمع مسابقة بناء العالم التابعة للمعهد فرقًا متعددة التخصصات لتصميم تصورات لمستقبلات الذكاء الاصطناعي الودية. تشمل تلك التصورات المستقبلية عالمًا يدير فيه ذكاء اصطناعي مركزي توزيع السلع بشكل عادل. ويقترح سيناريو آخر نظامًا من الأمم الرقمية التي تخلو من الحدود الجغرافية. وفي سيناريو ثالث، تدعو برامج الحوكمة الاصطناعية إلى السلام. وفي سيناريو رابع، يساعد الذكاء الاصطناعي في تحقيق مجتمع أكثر شمولية.
تقول “جافورسكي” إن مجرد تخيل مثل هذه العوالم، حيث لم يعد النمو والابتكار يعتمدان على العمل البشري التقليدي، يسمح لكتّاب الخيال والمفكرين الآخرين بطرح أسئلة مثيرة: “كيف يبدو المعنى؟ كيف يبدو الطموح؟ كيف نعيد التفكير في الغرض البشري والوكالة في عالم من الوفرة المشتركة؟”.
انضم Future of Life Institute أيضًا إلى منظمة تُدعى Hollywood, Health & Society، بالإضافة إلى منظمات أخرى، لتشكيل the Blue Sky Scriptwriting Contest، التي تمنح جوائز للكتّاب الذين يبتكرون نصوصًا تلفزيونية تُصور تطبيقات عادلة ومنصفة للذكاء الاصطناعي.
تقول “كيت لانغرال فولب”، مديرة برنامج Hollywood, Health & Society: “لقد رأينا جميعًا الكثير من المستقبلات الديستوبية وما بعد نهاية العالم في الترفيه الشعبي. هناك عدد قليل جدًا من التصورات لمستقبل أكثر خضرة وأمانًا وعدلاً”. أقيمت المسابقة الأولى في عام 2022، وتم منح الجوائز العام الماضي. في تلك المسابقة، كانت المشاركة الفائزة تدور في مدينة يخدم فيها الذكاء الاصطناعي احتياجات جميع السكان بالتساوي، الذين يهتز عالمهم عندما تحدث جريمة قتل مرة واحدة في مدينتهم الفاضلة التكنولوجية المحتملة. في سيناريو آخر، يدعم مستشارون يعتمدون على الذكاء الاصطناعي ومجهزون بالحكمة الأصلية مجتمعًا أكثر استدامة. ويحكي سيناريو آخر عن كوكب أرض نقل فيه الذكاء الاصطناعي كل التصنيع والبنية التحتية الثقيلة إلى خارج الكوكب، مما أدى إلى تجديد النظم الإيكولوجية الأرضية في الأسفل.
ولإلهام هذه الأفكار بشكل أكبر، يعمل Future of Life Institute على إنتاج دورة مجانية ومفتوحة للجمهور بعنوان “بناء العالم” لتدريب المشاركين على الأمل بدلاً من الكآبة عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي. وتقول “جافورسكي” إنه بمجرد أن يتمكن الشخص من الخروج من حلقة الكآبة، قد يكون من الصعب معرفة أين يوجه الجهود لتطوير الذكاء الاصطناعي الإيجابي. لمعالجة هذا الأمر، يقوم المعهد بتطوير خرائط سيناريو تفصيلية تقترح أين يمكن أن تقودنا المسارات ونقاط القرار المختلفة لهذه التكنولوجيا على المدى الطويل. الهدف هو تقديم هذه السيناريوهات للأشخاص المبدعين والفنانين الذين سيقومون بعد ذلك بتطوير هذه القصص، مستكشفين التداخل بين التكنولوجيا والإبداع، ومقدمين لمطوري الذكاء الاصطناعي أفكارًا حول أين قد تأخذنا مختلف المسارات.
تقول “جافورسكي” إن هذه اللحظة تحتاج بشدة إلى “قوة السرد والعلوم الإنسانية” لتوجيه الناس بعيدًا عن مشاهد المدمر (The Terminator) نحو مستقبل يكونون فيه متحمسين للعيش جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي في سلام وسعادة.
يقول “بات باتارانوتابورن”، الباحث في مختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والمؤلف المشارك في دراسة حول التصورات المسبقة لمستخدمي الذكاء الاصطناعي: “نحن بحاجة إلى ابتكار قصة جديدة. لماذا نتخيل دائمًا الخيال العلمي كديستوبيا؟ لماذا لا يمكننا تخيل خيال علمي يمنحنا الأمل؟”.
المصدر: Scientific American