جدل متصاعد حول ضرورة الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى

AI بالعربي – متابعات

تطرح الكاتبة في فاينانشال تايمز، سارة أوكونر، سؤالًا فلسفيًا يتجاوز التقنية إلى جوهر الثقة، هل يجب الإفصاح عن استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى، سواء كان نصًا مقروءًا، أو مادة مسموعة، أو حتى أكوادًا برمجية، في وقت أصبح فيه التمييز بين الإنسان والآلة أكثر غموضًا من أي وقت مضى.

تلفت أوكونر إلى أن القارئ قد لا يستطيع اليوم الجزم بما إذا كان النص الذي أمامه كُتب بيد إنسان أم صاغته خوارزمية، ولا توجد وسيلة مؤكدة للتحقق من ذلك، ما يفتح بابًا واسعًا لنقاشات أخلاقية وتنظيمية بدأت تتبلور بالفعل في عدة قطاعات.

تآكل الفاصل بين الإنسان والآلة

مع تسارع تطور نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، لم يعد الأسلوب أو الصياغة دليلًا كافيًا على هوية الكاتب، وأصبح الصوت البشري قابلًا للمحاكاة، واللغة قابلة للاستنساخ، وهو ما دفع بعض المبدعين إلى حلول متطرفة لإثبات بشريتهم، مثل بث مقاطع فيديو توثق عملية الكتابة لحظة بلحظة.

في المقابل، ظهرت حلول تقنية أكثر جدلًا، من بينها جهاز طوره سام ألتمان يحمل اسم The Orb، ويعتمد على مسح العين لإثبات أن المستخدم إنسان فريد، في محاولة لخلق هوية بشرية رقمية في عالم يزداد اصطناعًا.

تشريعات أوروبية وخطوة إلزامية

على المستوى القانوني، يستعد الاتحاد الأوروبي لتطبيق قانون الذكاء الاصطناعي، الذي يفرض بدءًا من العام المقبل تصنيف أنواع محددة من المحتوى المُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي، وإلزام الجهات بالإفصاح عنه بوضوح، في خطوة تهدف إلى تعزيز الشفافية وحماية المستهلك.

لكن النقاش الأكثر حيوية لا يدور في غرف التشريع فقط، بل داخل صناعة ألعاب الفيديو، حيث تحولت الشفافية من مبدأ نظري إلى ممارسة يومية مثيرة للانقسام.

ستيم تفرض الإفصاح وصناعة الألعاب تحت المجهر

في يناير 2024، فرض متجر ستيم، أكبر منصة رقمية لألعاب الكمبيوتر، على المطورين الإفصاح عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في تطوير ألعابهم، مع توضيح طبيعة هذا الاستخدام. وبحسب الخبير المخضرم في صناعة الألعاب إيتشيرو لامب، كشفت نحو ألف لعبة عن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بحلول أبريل من العام نفسه.

هذا الرقم قفز لاحقًا ليصل إلى أكثر من 11 ألف لعبة، أي ما يقارب 9% من إجمالي مكتبة ستيم، وهو نمو يعكس مدى تغلغل الذكاء الاصطناعي في عملية التطوير.

استخدامات واسعة من البرمجة إلى الأصوات

تكشف بيانات الإفصاح أن المطورين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في مهام متعددة، تبدأ بالمساعدة في كتابة الأكواد والمواد التسويقية، ولا تنتهي عند توليد العناصر البصرية، والقوام، والموسيقى الخلفية، وأصوات الشخصيات عبر تقنيات تحويل النص إلى كلام.

هذا الاتساع في الاستخدام طرح سؤالًا جديدًا، هل من المنطقي تصنيف كل هذه الحالات تحت لافتة واحدة تحمل اسم “استخدام الذكاء الاصطناعي”.

اعتراضات من داخل الصناعة

واجهت فكرة التصنيف انتقادات متزايدة من قادة القطاع. فقد كتب تيم سويني، الرئيس التنفيذي لشركة إيبك جيمز المطورة للعبة فورتنايت، على منصة X أن تصنيف الذكاء الاصطناعي في متاجر الألعاب غير منطقي، لأن هذه التقنيات ستُستخدم عمليًا في كل مراحل الإنتاج.

يشير معارضو التصنيف أيضًا إلى صعوبة التحقق من صدق الإفصاحات، ما يحول الشفافية إلى عبء أخلاقي يتحمله الملتزمون فقط، بينما يتجاهله آخرون دون عواقب.

جمهور منقسم ومخاوف متراكمة

لا يتفق اللاعبون ولا المستهلكون عمومًا على موقف موحد من الذكاء الاصطناعي. فبينما لا يرى البعض مشكلة في استخدامه، يرفضه آخرون بشدة. يربط بعض المعترضين بين الذكاء الاصطناعي وتراجع الجودة أو قلة الجهد، بينما يركز آخرون على قضايا حقوق الملكية، وطريقة تدريب النماذج على أعمال بشرية دون إذن.

تتصاعد المخاوف أيضًا من فقدان الوظائف، سواء بين المطورين، أو الفنانين، أو مؤدي الأصوات، في ظل اعتماد متزايد على الأتمتة.

استطلاعات تكشف فجوة عمرية

تعكس نتائج استطلاعات الرأي هذا الانقسام بوضوح. فقد أظهر استطلاع لمؤسسة بيو أن 49% من الأميركيين سيقل إعجابهم بعمل فني إذا علموا أنه من إنتاج الذكاء الاصطناعي، مقابل 48% قالوا إن رأيهم لن يتغير.

اللافت أن الفئة العمرية الأصغر أبدت موقفًا أكثر سلبية، إذ قال 66% من البالغين دون الثلاثين إن إعجابهم سيتراجع، مقارنة بـ 36% فقط بين من تجاوزوا 65 عامًا، وهو ما يقلب الصورة النمطية حول تقبل الأجيال للتقنيات الجديدة.

الشفافية كحل نظري جذاب

في عالم ينقسم فيه الجمهور بين لا مبالٍ ومتحفظ، تبدو الشفافية حلًا منطقيًا من حيث المبدأ. فكما يقرأ البعض ملصقات الطعام لتجنب مكونات معينة، يمكن للمهتمين بمصدر المحتوى الاطلاع على التصنيفات، بينما يتجاهلها الآخرون دون ضرر.

كما تخلق الشفافية سوقًا واضحة للمبدعين البشر، إذ تتيح لمن يفضل المحتوى البشري أن يميزه ويدعمه، بدل أن يذوب وسط سيل من الإنتاج الآلي غير المعلن.

لماذا ليست المهمة بهذه البساطة؟

رغم جاذبية الفكرة، تشير تجربة ألعاب الفيديو إلى تعقيد الواقع. يقول إيتشيرو لامب إن استخدام الذكاء الاصطناعي ليس خيارًا ثنائيًا، فهناك فرق شاسع بين مطور أنشأ كل رسوم لعبته عبر Midjourney، وآخر استعان بـ ChatGPT لحل خطأ برمجي.

يتساءل لامب عما إذا كان المستهلكون ينظرون إلى هذين الاستخدامين بالطريقة نفسها، وأين يجب رسم الخط الفاصل، خاصة أن هذا الخط قد يتغير مع الزمن ومع تطبيع التقنية.

نحو تصنيف أكثر دقة

يرى لامب أن الجودة والوضوح عنصران حاسمان في هذا الجدل. فالفن المُنشأ بالذكاء الاصطناعي غالبًا ما يكون واضح السمات، بينما يبدو الجمهور أكثر تقبلًا للبرمجة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

ويعتقد أن الحل قد يكمن في تصنيفات أكثر تفصيلًا، تشرح كيف وأين استُخدم الذكاء الاصطناعي، بدل الاكتفاء بملصق عام، بما يسمح لكل فرد بتحديد مستوى القبول الذي يناسبه.

بين الشفافية والمخاطرة

  • Related Posts

    خبراء يحذرون من تنفيذ الذكاء الاصطناعي هجمات إلكترونية ذاتية دون تدخل بشري

    AI بالعربي – متابعات حذّر خبراء في الأمن السيبراني من تسارع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي في مجال الاختراق الرقمي، مؤكدين أن تنفيذ هجمات إلكترونية ذاتية بالكامل لم يعد سيناريو بعيدًا،…

    تحذيرات من طمس الإبداع البشري مع تصاعد استخدام الذكاء الاصطناعي

    AI بالعربي – متابعات سلّطت جولة الصحافة البريطانية، اليوم، الضوء على تنامي القلق العالمي من تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الإبداع البشري، إلى جانب مواقف سياسية دولية مرتبطة بالحرب في أوكرانيا…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    مقالات

    الذكاء الاصطناعي يشكل اقتصاداتنا.. ما النتائج؟

    • نوفمبر 29, 2025
    • 113 views
    الذكاء الاصطناعي يشكل اقتصاداتنا.. ما النتائج؟

    الذكاء الاصطناعي يؤجج حرب التضليل الإعلامي

    • نوفمبر 22, 2025
    • 158 views
    الذكاء الاصطناعي يؤجج حرب التضليل الإعلامي

    الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

    • نوفمبر 10, 2025
    • 243 views
    الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

    في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

    • نوفمبر 8, 2025
    • 248 views
    في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    • أكتوبر 30, 2025
    • 270 views
    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    • أكتوبر 12, 2025
    • 404 views
    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر