الفن والذكاء الاصطناعي يصطدمان بنزاع قانوني تاريخي

26

ظهرت قضية قانونية تاريخية هذا الأسبوع تؤذن ببدء معركة بين الفنانين البشريين وشركات الذكاء الاصطناعي حول قيمة الإبداع البشري.
قدمت شركة جيتي إيميجيز للوسائط المرئية، الإثنين، دعوى لحقوق التأليف والنشر ضد شركة ستابيليتي إيه أي المصنعة لأداة مجانية لإنشاء الصور، ما أدى إلى تصعيد الجدل العالمي حول حيازة الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي.
إن هذه القضية هي الأولى من نوعها وستشكل سابقة لكيفية تعامل النظام القانوني في المملكة المتحدة، وهو أحد أكثر النظم القانونية تقييدا في العالم من حيث قانون حقوق النشر، مع الشركات التي تبني الذكاء الاصطناعي الإنشائي – الذكاء الاصطناعي الذي يمكنه إنشاء صور ونصوص فريدة.
تقدمت شركة جيتي، التي تحتفظ بأكثر من 135 مليون صورة محمية بحقوق الطبع والنشر في أرشيفها وتوفر مواد مرئية لعديد من أكبر المؤسسات الإعلامية في العالم، بدعواها في المحكمة العليا في المملكة المتحدة.
يأتي هذا الادعاء بعد أن أصدرت شركة أوبن إيه أي في كاليفورنيا أداة في كانون الثاني (يناير) 2021، تسمى دول-إي، يمكنها إنشاء صور واقعية وجميلة بناء على تعليمات نصية بسيطة فقط.
تدعي شركة جيتي أن” ستابيليتي إيه آي”، التي تم تقييمها أخيرا بمليار دولار، قد قامت “بنسخ ومعالجة ملايين الصور المحمية بموجب حقوق النشر بشكل غير قانوني (…) لمنفعتها التجارية مسببة أضرارا لمنشئي المحتوى”.
على الرغم من أن” جيتي” حظرت الصور التي يتم إنشاؤها بوساطة الذكاء الاصطناعي من منصتها، فقد رخصت مجموعات بيانات الصور الخاصة بها لعديد من شركات الذكاء الاصطناعي الأخرى لتدريب أنظمتها.
قالت الشركة، “ستابيليتي إيه أي لم تطلب أي ترخيص من هذا القبيل من شركة جيتي إيميجيز، بدلا من ذلك، نعتقد أنها اختارت تجاهل خيارات الترخيص القابلة للتطبيق والحماية القانونية طويلة الأمد سعيا وراء مصالحها التجارية المستقلة”.
قالت “ستابيليتي إيه آي” إنها أخذت هذه الأمور على محمل الجد وأضافت، “إننا نراجع الوثائق وسنرد وفقا لذلك”.
قالت ساندرا واتشتر، أستاذة التكنولوجيا والتنظيم في معهد أكسفورد للإنترنت، إن هذه القضية التاريخية ستراقب من كثب من قبل شركات عالمية مثل أوبن إيه أي وجوجل.
أضافت، “إنها ستحدد نوع نماذج الأعمال التي يمكنها المضي قدما. فإذا كان من المقبول استخدام البيانات، يمكن للشركات الأخرى أيضا استخدامها لأغراضها الخاصة. وإذا لم يحدث ذلك، فستحتاج إلى إيجاد استراتيجية جديدة”.
يتم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي من نص إلى صورة باستخدام مليارات الصور المأخوذة من الإنترنت – بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع التجارة الإلكترونية والمدونات وأرشيفات الصور المخزنة. تقوم مجموعات بيانات التدريب بتعليم الخوارزميات، للتعرف على الأشياء والمفاهيم والأساليب الفنية مثل التنقيط أو فن عصر النهضة مثلا، وكذلك ربط أوصاف النصوص بالمواد المرئية.
مثلا، دول-إي 2، أحد أكثر الأدوات تقدما التي أنشأتها شركة أوبن إيه آي، تم تدريبها على 650 مليون صورة وتعليقاتها الوصفية. الشركة، التي أصدرت نظام تشات جي بي تي للذكاء الاصطناعي في كانون الأول (ديسمبر)، تتودد إليها “مايكروسوفت” لاستثمار عشرة مليارات دولار، حيث يبلغ تقييمها 29 مليار دولار.
تم تدريب منتج ستيبل ديفيوجن من شركة ستابيليتي إيه أي على 2.3 مليار صورة من موقع تابع لطرف ثالث قام بسحب صوره التدريبية من الويب، من ضمنها أرشيفات صور لديها حقوق طبع ونشر مثل “جيتي” و”شتر ستوك”. في صميم النقاش القانوني، ما إذا كان هذا الاستخدام الواسع النطاق للصور التي تم إنشاؤها بوساطة البشر ينبغي اعتباره استثناء بموجب قوانين حقوق النشر الحالية.
قالت إيستل ديركلي، بروفيسورة قانون الملكية الفكرية في جامعة نوتنجهام، المتخصصة في الاستخدام العادل لمجموعات البيانات، “في النهاية، تنسخ شركات الذكاء الاصطناعي الأعمال بأكملها من أجل القيام بشيء آخر بها – فقد لا يمكن التعرف على العمل في المخرج النهائي لكنه لا يزال مطلوبا في مجمله”.
قالت، “إنها كقضية موقع نابستر في 1999، ظهرت مرة أخرى بشكل مفاجئ في شكل الذكاء الاصطناعي وبيانات التدريب”. مشيرة إلى موقع مشاركة الملفات الشهير من نظير إلى نظير مع 80 مليون مستخدم الذي انهار بموجب مطالبات حقوق الطبع والنشر من الموسيقيين.
إن الدعاوى القضائية تتراكم في أماكن أخرى لهذه الصناعة.
في هذا الأسبوع، رفع ثلاثة فنانين دعوى جماعية في الولايات المتحدة ضد “ستابيليتي إيه آي” وشركتين أخريين وهما ميدجيرني وديفيانت آرت لاستخدامهما ستيبل ديفيوجن، بعد أن اكتشف الفنانون أن أعمالهم الفنية قد تم استخدامها لتدريب نظاميهما للذكاء الاصطناعي.
قال محامون يمثلون الفنانين إن هذه المنتجات تشكل تهديدا وجوديا للمبدعين ومصممي الجرافيك.
قال جوزيف سافيري، وهو محام يمثل الفنانين في الدعوى الجماعية الأمريكية، “يجد الفنانون الذين ابتكروا العمل الذي يتم استخدامه كبيانات تدريبية أنفسهم الآن في وضع يمكن لهذه الشركات أن تأخذ ما تم إنشاؤه، وتحقق الدخل منه، ثم يتم بيعه في منافسة مباشرة مع المبدعين”.
قال متحدث باسم “ستابيليتي إيه آي” إن المزاعم تمثل سوء فهم لكيفية عمل تقنية الذكاء الاصطناعي الإنشائي والقانون المحيط بحقوق النشر، “وأنها تهدف إلى الدفاع عن نفسها. لم ترد” ميدجيرن” و”ديفيانت آرت” على طلبات التعليق.
ترفع شركة سافيري القانونية أيضا دعوى ضد موقع جيت هب، وهو موقع استضافة، ومالكه “مايكروسوفت” و”أوبن إيه آي”، للطعن في شرعية أداته “كوبيلوت”، وهي أداة تكتب رموزا، والمنتج ذات الصلة “كوديكس” التابع لأوبن إيه آي، مدعية أنهم انتهكوا تراخيص المصدر المفتوح. قال موقع جيت هب إنه “يبتكر بمسؤولية” في تطويره لمنتج كوبيلوت.
في العام الماضي، تحدث المصورون والناشرون والموسيقيون في المملكة المتحدة أيضا عما يعدونه تهديدا وجوديا لسبل عيشهم، ردا على مقترحات حكومة المملكة المتحدة لتخفيف قوانين الملكية الفكرية. ويمثل الانتقاد التوتر بين رغبة المملكة المتحدة في محاكمة شركات التكنولوجيا ومسؤوليتها عن حماية صناعاتها الإبداعية التي تبلغ قيمتها 115.9 مليار جنيه استرليني.
قالت جمعية المصورين في تقريرها إلى الحكومة إن رفع حماية حقوق التأليف والنشر للصور الفنية لتدريب الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون له “عواقب ضارة ودائمة وغير مقصودة” على المبدعين من البشر. وأضافت أن ذلك سيؤدي إلى “دوامة هبوط يتم فيها تثبيط المساعي البشرية على خلفية المليارات من الأعمال التي تم إنشاؤها بوساطة الذكاء الاصطناعي”.
في الأسبوع الماضي، خلص تقرير لمجلس اللوردات إلى أن التغييرات التي اقترحتها الحكومة لتوفير مزيد من المرونة لشركات التكنولوجيا مضللة، محذرا من أنها “تأخذ في الحسبان بشكل غير كاف الضرر المحتمل للصناعات الإبداعية. إن تطوير الذكاء الاصطناعي أمر مهم، لكن لا ينبغي متابعته بأي ثمن”.
في نهاية المطاف، يمكن أن تحدد نتيجة قضية “جيتي إيميجيز” في المملكة المتحدة النغمة لكيفية تفسير الأنظمة الأخرى، بما في ذلك داخل الاتحاد الأوروبي، للقانون.
قالت البروفيسورة ديركلي، “إنه أمر هائل من حيث التداعيات، لأنك تقرر هامش مناورة شركات الذكاء الاصطناعي الإنشائي لمواصلة ما تقوم به”.

اترك رد

Your email address will not be published.