الذكاء الاصطناعي في خدمة اقتصاد الحرب

20

د. جمال عبدالرحمن العقاد

في عام 2017، حث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجموعة من طلاب التكنولوجيا الحديثة أثناء اجتماعه بهم بالتركيز على الذكاء الاصطناعي لأن من يتمكن من هذه الأداة سيصبح حاكم العالم في المستقبل، وبينما كانت كلماته تعتبر تحفيزية لطلاب في مقتبل أعمارهم وقتها، إلا أن ما كان يقصده ربما يُرى أثره اليوم في علاقة روسيا مع الغرب بسبب الأزمة القائمة في أوكرانيا.

بعيدا عن الجغرافيا السياسية وما إذا روسيا – التي كانت دائما على أهبة الاستعداد لمواجهة الناتو- قد قررت أخذ المبادرة لإعادة رسم المساحات وتنظيم المسافات بينها وبين الولايات المتحدة التي تقود الغرب وتتطلع لتوسيع هيمنتها في أوروبا، فإن السلوك الروسي يشابه الانبثاق البركاني الهادئ الذي يدفع حممه ببطىء وبلا اكتراث لأي تكاليف أو اعتراضات أو معوقات في طريقه لتحويل أوكرانيا في نهاية المطاف إلى “حَرّة” محايدة، وهذا يحصل وأثناء سلب كل خيارات المواجهة من الغرب، وترك خيار واحد له وهي حرب العقوبات المالية والاقتصادية المشكوكة المخرجات بسبب كونها أحادية الجانب وغير مقرة ومعتمدة من مجلس الأمن.

تجاوزت العقوبات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على روسيا 7000 عقوبة حتى الآن،  وهو رقم مرشح للارتفاع مستقبلا، وسيكون لها انعكاسات سلبية على روسيا حكومة وشعبا اقتصاديا وإن لم تكن ذات فعالية كبيرة، ولكن أيضا سيكون لها انعكاسات صحية من الجانب الآخر لأنها ستجعل روسيا تعيد النظر في اقتصادها وصناعاتها، خاصة أنها تدرك مسبقا ما ستتعرض له، وكل ما يحصل من أحداث وحراك دقيق وعجز غربي يقدم فرضية أن القيادة الروسية قد وظفت الذكاء الاصطناعي وبزخم في خدمة استخدام النظرية الكينزية – التي تبناها الرئيس الأمريكي روزفلت أثناء الحرب العالمية الثانية – ومنذ سنوات لوضع كافة السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن يتعرض له الاقتصاد الروسي الكلي، وماهية الحلول المختلفة والمتعددة التي يمكن أن تقود للنجاح في تنفيذ ما تريده ضمن حالة اقتصاد حرب.

 

في حال العقوبات الاقتصادية كمثال، يعتبر الذكاء الاصطناعي وبحيادية معتمدة على المعلومات، أفضل أداة داعمة لتحليل المعطيات وتقييم الموقف بواسطة خبراء الاقتصاد والسياسة، لتقديم ما يحتاجه متخذ القرار من مشاهدة عينية (وليس فقط أرقام مجردة على الورق) لتأثيرات وسلوكيات العقوبات المختلفة واعتمادا على المرحلة، ومدى فعالية العقوبات أثناء فترة ما أو بعد اجتياز مرحلة ما، واحتماليات أن تستبدل العقوبات بغيرها، وما هي هذه العقوبات الجديدة، وارتدادات العقوبات المعاكسة على الطرف الآخر في الصراع، ووسائل مقترحة للتعاطي والتحايل والمواجهة.

هذا غالبا يفسر صلابة موقف روسيا في تحقيق هدفها، مما يقوي من فرضية استخدامها للذكاء الاصطناعي بإسهام عريض ومتقدم في تطبيقاته أثناء تقييم الموقف وصناعة القرار واتخاذه وتنفيذه، ومغازلة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للغرب قبل أيام بأن روسيا  ليست سوى “لاعب صغير في حرب المعلومات العالمية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة‬ وبريطانيا وأوروبا” رسالة واضحة وإن كانت غير مباشرة لاستخدام الروس لهذه الأداة الخطيرة في الأزمة الحالية التي يواجهها الغرب بعقوبات غالبها على ورق والمصاحبة بحرب إعلامية تعاني من تواضع دقتها وفقر مصداقيتها.

العالم على موعد مع الكثير من الإثارة سواءً في أوكرانيا أو في مواقع أو مواضيع أخرى بسبب توظيف هذه الأداة العلمية في خدمة النظرية وتطبيقاتها، فالذكاء الاصطناعي أداة قوية ومرعبة في دعم تحقيق الأهداف الوجودية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، وسيكون لها دورا هاما في تشكيل النظام الدولي لعقود عدة قادمة، مما يعني أنه سيتعين على الكثير من الدول مضاعفة الجهود والاستثمار في هذا المجال، وإلا سيجدون أنفسهم مجبرين على أن يقبلوا التبعية وربما الاستعمار إليكترونيا.

اترك رد

Your email address will not be published.