صحافة معززة
صفية الشحي
هذا العام لا يزال يشهد الكثير من المتغيرات السريعة، وأهمها “التحول الرقمي العميق”، مدفوعاً بصدمة “كوفيد -١٩” التي لم يتمكن العالم من تجاوزها حتى اللحظة، وما ينتظرنا على الطرف الآخر من الأزمة قد يفوق توقعاتنا، خاصة كعاملين في مجال الصحافة بمختلف أشكالها، إذ لا يمكننا أن نعتقد بأن “الوضع الطبيعي” سيعود إلى ما كان عليه، خصوصا أن الحواجز المادية بين الواقعي والافتراضي على مستوى هذه الصناعة يكاد يتلاشى، فاتحاً الأبواب على تصورات مستقبلية هي ليست ببعيدة، وأحدها “الذكاء الاصطناعي” الذي سيتحول إلى أحد أهم ممكنات الصحافة المعاصرة اعتماداً على الكفاءة والأتمتة، حسب ما جاء في تقرير “نيكنيومان” عن اتجاهات وتوقعات الصحافة والإعلام والتكنولوجيا لعام 2021
وتتعرض مفاهيم مهنية مثل الموضوعية والنزاهة والحياد لاختبار كبير في عصر يشهد استقطاباً سياسياً واجتماعياً، ترتب عليه إطلاق المزيد من المنصات والمنافذ الإخبارية هذا العام، في مواجهة طوفان من القصص الإخبارية غير الاحترافية، والأخبار المزيفة التي يتم الإعداد لها من قبل جهات متطرفة لخلق المزيد من الفوضى في هذا العالم، ما يجعل الكثير من المؤسسات الإعلامية تراهن على الأدوات الرقمية، مثل “الجيل الخامس من الشبكات”، و”الواجهات الجديدة التفاعلية”، كوسيلة لتقديم تجربة أكثر تخصيصاً، وذات كفاءة إنتاجية أعلى بسبب إمكانية تعزيز الذكاء البشري بالآلات.
نحن نشهد فعلاً ظهور نماذج للعمل الصحفي تتمثل في غرف الأخبار الموزعة، واستخدام الأدوات التعاونية عبر الإنترنت، واستخدام التنسيقات الرقمية لتطوير آلية عمل الفرق الصحفية، وفي المقابل يشكل تبنّي هذه الخطوة في الإنتاج الصحفي تحدياً كبيراً أمام صغار المؤسسات الإعلامية التي يهددها خطر التوقف أو الإغلاق بسبب انسحابها من بركة الابتكار، ما يؤثر بشكل كبير في الصحفيين أنفسهم، كما يقلص الفرص للتعددية وتنوع وجهات النظر المطروحة، ويجعلنا في مواجهة سؤال: هل من الضروري التوجه نحو تحوّل الصحافة إلى عمل تجاري، وما خطورة ذلك على القيم المذكورة سابقاً؟
تفاجئنا مخرجات التقرير السابق التي تؤكد على التوقعات بزيادة وتيرة اندماج الصحفيين في المجتمع بعد مرور الأزمة، وارتفاع الطلب على توظيف المواهب الصحفية ما سيزيد الفوارق بين الأجور، وزيادة الاهتمام بالمعلومات المضللة التي يتم تقديمها عبر مقاطع الفيديو على الشبكة، ومضاعفة القيود على حرية الطرح الصحفي من قبل الحكومات والأحزاب، الإنتاج الصوتي سيمثل نقطة مضيئة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية ما سيزيد التركيز على التدوين الصوتي “البودكاست”، وأخيرا تسارع تبنّي شبكة “الجيل الخامس”، خصوصاً مع ابتكار أجهزة لنقل المحتوى قابلة للارتداء كالنظارات أو الساعات، ما يدفع المؤسسات للتفكير بطرق جديدة لإنتاج ونقل المحتوى الصحفي.