اقتصاد الذكاء.. صراع القرن
AI بالعربي – “متابعات”
أيا كانت النظرة الراهنة إلى وضعية ما أصبح يعرف على نطاق واسع بـ”الذكاء الاصطناعي“، فإن التنافس الغربي عموما مع الصين في هذا المجال يرتفع، ويأخذ منحى استراتيجيا يوما بعد يوم، ولا سيما في ظل الخلافات التجارية التي لا تنتهي بين بكين ومعظم العواصم الغربية. والذكاء الاصطناعي، بات جزءا أصيلا من مسار التطور حول العالم، مع ارتفاع مستوى الاعتماد عليه، وسهولة الوصول إليه، وتراجع تكاليف إنتاجه، خصوصا أن المواد الأولية في هذا الميدان باتت أرخص ومتوافرة على الساحة. فنحن نعيش في فترة استثنائية غير مسبوقة من التاريخ، إذ أصبح لدينا – ولأول مرة على الإطلاق – حلول حقيقية لمعالجة بعض من أكبر المشكلات حول العالم، وحان الوقت لجعل الذكاء الاصطناعي يأخذ دورا رياديا في خدمة الإنسانية وإنقاذ كوكبنا.
ورغم أن البعض يرى أن هذا الميدان يمثل ساحة معركة من القرن الماضي، إلا أن ذلك لا يعني أن حدتها ستتراجع في القرن الحالي، لماذا؟ لأن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي يتزايد بقوة، حيث صار مطلبا حتى لدى الدول الأقل تقدما. بالطبع، الصراع التجاري والاقتصادي عموما بين الصين والولايات المتحدة، ضم هذا الجانب بالفعل، فالصين التي يتوقع لها أن تقفز إلى الدرجة الأولى في غضون عقد من الزمن، على قائمة أكبر الاقتصادات، على الرغم من بعض الشكوك في هذا الأمر، رفعت مستوى إنفاقها على الذكاء الاصطناعي طوال الأعوام القليلة الماضية.
صحيح أنها لا تزال أقل مقارنة بالجانبين الأميركي والغربي عموما، إلا أن الأسس الداعمة لها قوية للغاية، وتبشر بمزيد من التقدم في غضون أعوام العقد الراهن، لماذا؟ لأن الحكومة الصينية تستثمر بصورة متزايدة في هذا المجال، خصوصا على صعيد التأهيل وإعداد الكوادر، وتشجيع الشركات الوطنية التي دخلت هذا المضمار. دون أن ننسى، أن جزءا رئيسا من الخلافات بين الغرب والصين، يعود إلى تداخل الاستثمارات بين القطاعين العام والخاص في هذا البلد. بلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعي في الصين 10.8 مليار دولار في العام الماضي، بينما بلغ عدد الشركات في هذا المجال 800 شركة.
ووصل عدد الشركات الصينية، التي حصلت على تمويل نقدي يتجاوز مليون دولار أو أكثر، إلى 398 شركة، مقابل 2130 شركة في الولايات المتحدة، و890 شركة في الاتحاد الأوروبي. واللافت في هذا الأمر، أنه على الرغم من الاستثمارات الصينية الخارجية الواسعة والمتصاعدة، إلا أن استثمارات البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي خارج حدودها منخفضة جدا، فهي لم تتجاوز 1.9 مليار دولار في شركات تكنولوجيا المعلومات الأميركية، أي ما يمثل 2.4 في المائة من إجمالي استثماراتها، والأمر مشابه فيما يختص بالاستثمارات الصينية المشابهة في الدول الغربية المتقدمة الأخرى.
وهذا ليس غريبا، إذا ما نظرنا إلى الاستراتيجية الصينية في هذا الميدان، فبكين تركز بصورة كبيرة للغاية على ضخ الاستثمارات في الشركات المحلية المختصة بتكنولوجيا المعلومات، وهذا ما يفسر مثلا، تصدر جامعة “تسينجوا” الصينية قائمة الجامعات التي نشرت أبحاثا في مجال الذكاء الاصطناعي في غضون الأعوام الستة الماضية، وحلت بعدها جامعة “كارانجي ميلون” الأميركية في المركز الثاني.
وبعيدا عن مثل هذه التفاصيل، فإن التنافس الاستراتيجي بين واشنطن وبكين، لا بد أن يشمل هذا الجانب المتطور من الصناعة، حتى إن الكونجرس الأميركي يعمل دون توقف على تشجيع الإدارة الأميركية الحالية، كما شجع الإدارات السابقة على أن تولي اهتماما كبيرا لهذا القطاع الذي تتعاظم محوريته يوما بعد يوم، وأن هذا الميدان سيظل ساحة معركة أخرى بين أكبر اقتصادين في العالم، وبالتالي لا بد من تحقيق تقدم أو انتصار فيه، إذا ما أراد أحد الطرفين الوصول إلى الريادة مستقبلا.