سويسرا تستعد لاعتماد الروبوتات في الفصول الدراسية

37

AI بالعربي – “متابعات”

سرّعت جائحة كوفيد-19 في وتيرة عملية الانتقال إلى التدريس عبر الإنترنت، مما أثار تساؤلات حول دور الروبوتات في الفصول الدراسية. تقدم سويسرا برامجها الخاصة بها في التعلم عبر الروبوتات، ولكن الطريق لا يزال طويلاً قبل أن تحل هذه الروبوتات مكان المدرسين في القيام بمهامهم التعليمية.

“مرحباً بكم جميعاً، أنا ليكسي”، بهذه الكلمات يقوم روبوت يُشبه الإنسان في شكله بتحيّة قاعة فسيحة مزدحمة بالجمهور في جامعة سانت غالن شرق سويسرا. في عام 2019، قامت سابين سوفيرت، أستاذة إدارة الابتكارات التعليمية في جامعة سانت غالن، للمرة الأولى وعلى سبيل التجربة، باستخدام هذا الروبوت في محاضراتها. ويعمل “ليكسي” المجهز بخاصية الذكاء الاصطناعي كروبوت محادثة مع الآخرين ويمكنه تنفيذ مهام مساعدة بسيطة مثل القيام بالبحث عن طريق غوغل. واليوم، تبحث الجامعة عن سبل أخرى يمكن من خلالها استخدام الروبوت بشكل فعال في الفصول الدراسية.

في الفصول الدراسية في مختلف أنحاء سويسرا، بدأ روبوت آخر يشق طريقه في العملية التعليمية ببطء. “تيميو” هو صندوق أبيض صغير مجهّز بعجلات قام المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان بتطويره. وتكمن ميزته الرئيسية في قدرته على القيام بتعليم برمجة الكمبيوتر بطريقة سهلة لأطفال المدارس. ولأن آلية برمجته يسيرة، يمكن للأطفال الحصول من خلاله على نتائج فورية لأعمالهم؛ فعلى سبيل المثال، يستطيعون تعليم الروبوت كيفية الرسم بحسب آليات مبرمجة مسبقاً.

وتُعتبر الروبوتات مثل ” ليكسي” و “تيميو” اليوم في طليعة التحول الرقمي الجاري في الفصول الدراسية ومدارج الجامعات في سويسرا. وفي العديد من المدارس والجامعات، ساهمت جائحة كوفيد-19، إلى جانب التعلم القسري عن بُعد، على تسريع هذا التحول التكنولوجي في العملية التعليمية.

بطبيعة الحال، يثير هذا التحوّل التكنولوجي، العديد من التساؤلات حول مستقبل التعليم: ما هي قدرات وسائل التعليم والتعلم هذه؟ وهل المدارس والجامعات جاهزة لهذا التحول التكنولوجي؟ ثم كيف سيُعيد هذا التحول تحديد مهام المعلمين ورسم مجالها؟

وفقاً لفرانشيسكو موندادا، الرئيس المشارك لمجموعة الروبوتات التعليمية في المركز الوطني للكفاءة في أبحاث الروبوتات، فقد قطعت سويسرا شوطاً كبيراً في مضمار تطوير التعلم باستخدام الروبوتات. وبالفعل، يُعتبر الروبوت “تيميو” أحد نماذج هذه التكنولوجيا المطورة في الكنفدرالية.

مع ذلك، فإن إلقاء نظرة فاحصة على ما يحدث في أماكن أخرى من العالم، يظهر أن سويسرا ليست في الصدارة مقارنة ببعض جيرانها. وتقدّر سوفيرت الباحثة في هذا المجال أن استخدام الروبوتات في آليات التدريس بشكل فعّال، سيستغرق فترة تتراوح ما بين عشرة إلى خمسة عشر عاماً. حالياً، تقوم الروبوتات بتنفيذ مهام محدودة؛ ولذلك، ما يزال المعنيّون بحاجة إلى تطوير هذه التكنولوجيا بشكل أكبر، لتتمكن الروبوتات من القيام بأدوار فاعلة في العملية التعليمية.

في الوقت نفسه، في مجال التعلم عن بعد، ترى سوفرت أن هناك إمكانية أكبر لاستخدام روبوتات المحادثة الذكية، مثل تلك الموجودة بالفعل على المواقع الافتراضية الخاصة بالمصارف وشركات التأمين. ونظراً لتزايد أعداد الفصول الدراسية التي تجري عبر الإنترنت، فإن الروبوتات تعني عدم حضور فعلي للمعلم. ويمكن للروبوتات المجهّزة بتقنية المحادثة أن تساعد في تخفيف عبء العمل عن المعلمين فيما يتعلّق بالمهام العملية والمتكررة والتي تستوجب تقديم التوجيه للطلاب.

سوفيرت مقتنعة أيضا بأن استخدام برنامج “شات بوت” Chatbot للذكاء الاصطناعي كمدرّس خاص ستكون له فوائده بشكل خاص، في مجال تعليم اللغات على سبيل المثال، الذي يستوجب الكثير من الإعادة والتكرار. وأوضحت أن  “المعلمين غارقون اليوم تماماً في العمل، حيث يضم الفصل الواحد ما بين عشرين إلى خمسة وعشرين طالباً”.

العديد من المدارس ليست جاهزة بعدُ

من ناحيته، يشرح موندادا قائلاً: “الروبوت لديه القدرة على إنهاء الشكل التعليمي للفصل الدراسي التقليدي وإثارة الكثير من الاهتمام لدى الطلاب. كما يمكنه خلق ديناميكية جديدة في الفصل”. ونشير هنا إلى أن الأستاذ موندادا يدرّس أيضاً في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، كما يدير أيضاً مركز “LEARN” لعلوم التعلم.

عموما، تُعتبر البلدان الأخرى أكثر تقدماً من حيث الاستخدام الفعلي لهذه التكنولوجيا المتطوّرة. ومنذ عدة سنوات، أدرجت فرنسا الروبوتات كوسيلة تعليمية في بعض الكتب المدرسية المقرّرة، علماً أن مادة علوم الكمبيوتر أضحت إلزامية. كما أصبح الروبوت بمثابة مادة إضافية إلى المنهج كجزء لا يتجزأ من عملية التعلم، وبذلك يستطيع الطفل الانتقال بطريقة سلسة من الكتاب مدرسي إلى الروبوت.

أما في سويسرا، فلا تزال تكلفة هذه التكنولوجيا المتطورة تمثّل تحدّياً لا لبس فيه؛ فكل المدارس لا تستطيع تحمل تكلفة الروبوتات المستخدمة في الفصول الدراسية. كما أن الافتقار إلى التكنولوجيا المتطوّرة والحاجة إلى تدريب المعلمين وعدم كفاية المعدات اللازمة، هي عوامل تُعيق عملية طرح هذه البرامج الروبوتية على صعيد واسع؛ ففي العديد من المدارس مثلاً، غالباً ما تكون إشارة شبكات “الواي فاي” (WiFi) ضعيفة جداً أو لا يمتلك المعلمون أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. ويقول موندادا بهذا الشأن معرباً عن أسفه: “كيف يمكن الإتيان بروبوت مؤنسن، وليس لديك حتى موظّف فني في المدرسة”.

ويدرك القيّمون على “مبادرة سويسرا الرقمية، التي تروّج لسويسرا كمحور للابتكار الرقمي أنه ” وعلى الرغم من أن المدارس قد قطعت أشواطاً كبيرة في إدخال الروبوتات التعليمية إلى برامجها، فمن المؤكد أنه لا تزال هناك إمكانات لم يتم استغلالها على أكمل وجه”.

ومع ذلك، فهناك مجال واحد من التطبيقات الروبوتية، ما تزال سويسرا تحافظ على دور الريادة فيه. لسنوات عديدة، تم اعتماد الروبوتات الصغيرة المسماة “ناو” من قبل المدارس، لتعليم الأطفال المرضى أثناء تواجدهم في المنزل أو في المستشفى، ليتمكنوا من متابعة تحصيلهم العلمي والتفاعل مع الفصل الدراسي. وتشير سوفرت إلى أن “هذا المشروع هو ناجح للغاية، لأنه يُظهر أن الروبوتات التعليمية يمكن أن يكون لها قيمة مضافة فعلية ضخمة”.

الروبوت ليس للعب فقط

ومن وجهة نظر موندادا، فإن أحد أكبر التحديات التي تواجهنا هو الحرص على ألا يلعب الأطفال بالروبوت فحسب، بل وأن يتعلموا منه أيضاً، كما يعتبر بأنه يتوجب على المعلمين أولاً فهم التقنيات الأساسية وراء هذه الأدوات الجديدة بغية استخدامها بكفاءة، حيث “يتمثل التحدي في جعل المعلمين يُلمّون بإمكانات وكيفية استخدام هذه الأداة بطريقة ممتعة”، على حد قوله.

في السياق، يلاحظ موندادا، استمرار وجود فجوة كبيرة بين ما يتوصّل إليه العلم من تقنيات وكيفية تطبيقها في المدارس. ومن خلال مركز التعلم الخاص به في المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، فإنه يعتزم تطوير آليات تدريب المعلمين من أجل مساعدتهم على فهم عمل الروبوتات بشكل أفضل. وقام موندادا بتطوير الروبوت المصغر “تيميو” لهذا الغرض بالذات؛ فهذا الروبوت التعليمي سهل البَرمَجة من قبل المستخدمين ويوفر توطئة سهلة الفهم لكيفية عمل الروبوتات.

المخاطر

لا تُعتبر كل الجوانب المتعلقّة بالروبوتات إيجابية؛ فهناك مخاطر على المستخدمين. ويكمن بعض هذه المخاطر، بحسب رأي الخبراء، في نشوء وتطوّر، روابط عاطفية قوية جداً مع الروبوت المؤنسن من قِبَل الأطفال بصورة خاصة. ويستشهد موندادا بمثال من الجيش الأمريكي؛ فخلال تمارين المحاكاة مع هذا النوع من التقنيات، قام الجنود بإنقاذ الروبوتات بدلاً من إنقاذ حياتهم أو حياة الآخرين. وفي اليابان، حيث يتم دمج الروبوتات في تفاصيل الحياة اليومية، ذهب الناس إلى حد الارتباط بها برابط الزواج.

على الرغم من ذلك، تدعو سوفيرت إلى تعزيز المعرفة بكيفية عمل الروبوتات والمهارات اللازمة لاستخدامها بشكل صحيح، وتعتبر بأن استخدام الروبوتات بطريقة مفيدة ونافعة يبقى أفضل من تجاهل إمكاناتها.

ويتّفق كلا الخبيرين على أن التوجه الطاغي في استخدام الروبوتات التعليمية يسلك بوضوح سبيل الذكاء الاصطناعي، بمعنى أن الروبوتات تمنح الذكاء الاصطناعي وجهاً. وفي هذا الصدد، يتبع مشروع آخر يقوم به المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان نهجاً مثيراً للاهتمام؛ بحيث لا يستخدم تلاميذ المدارس الروبوت كمجرّد وسيلة مساعدة للتعلم، لكنهم يقومون أيضاً بإنشاء محتواه التعليمي بأنفسهم.

إذن، إلى أين تأخذنا هذه الرحلة في نهاية المطاف؟ من الصعب أن نتصور أن الروبوتات ستحل يوماً ما مكان المعلمين، على الأقل في البلدان الأوروبية، كما تقول سوفيرت: “فالإبداع والحماس – هما من صلب وظيفتنا كمعلمين – ولن تتمكن الآلة أبداً من تقديم البديل لذلك”.

اترك رد

Your email address will not be published.