وظائف المُستقبل والاستشراف التقني

8

خالد المطرفي

إن إعلان مدينة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بإصدار التقرير بشكل دوري يُعد خطوة فاعلة جدًا من أجل تحسين قدراتنا التقنية، وتطوير مهارات كوادرنا البشرية رقميًا، على غرار ما تفعله الكثير من الدول المتقدمة التي بدأت في إصدار هذا النوع من التقارير منذ عقود طويلة، وأداة عون لراسمي الخطط المستقبلية في مجال التقنية بمملكتنا الحبيبة..

في العام 1995 أثبت غوردون مور أحد مؤسسي “إنتل” أن التغييرات التكنولوجية تتضاعف في عالمنا الكوني كل عامين تقريبًا، وأثبتت النظرية صحتها في ذلك الوقت، وفقًا لخط التطور الزمني الرقمي، وتحولت بفضل ذلك إلى قانون معياري عُرف حينها باسم “قانون مور”. لكن نظرية “قانون مور” بدأت تتفكك فعليًا وبصورة واضحة للعيان خاصة مع بدء فيروس كورونا (COVID-19) في يناير 2020، في ظل حدوث تغيرات كبيرة ومتسارعة في مستوى تطلبنا واحتياجنا وإدراكنا للتقنيات الناشئة والمتقدمة لمواجهة تداعيات الجائحة رقميًا للحفاظ على سلامتنا، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تعاظم اعتماد العالم على “التعلم الآلي” و”الذكاء الاصطناعي” و”إنترنت الأشياء” في كل مجالات الحياة تقريبًا، وظهرت على السطح مفاهيم “العمل عن بُعد” و”التعليم عن بُعد”، وشهدنا نقاشات متعمقة حول أهمية تعزيز فجوة “المهارات الرقمية” مقابل “المهارات التقليدية” لدى الموظفين وانعكاس ذلك على خريطة “الوظائف المستقبلية”، من حيث ظهور وظائف جديدة خلال السنوات العشر المقبلة (2020-2030) واختفاء أخرى.

السؤال المركزي الذي تطرحه الحكومات والمنظمات والجمعيات المهنية غير الربحية عالميًا، هو: كيف نواجه سد فجوة المهارات الرقمية المستقبلية؟ ولاهتمامي الشخصي ببعض تفاصيل هذا الموضوع، استمعتُ مؤخرًا إلى الحلقة الثانية من بودكاست “مرصد الأفكار” في منصة “هارفار بزنس ريفيو” الذي قدمه رئيس تحريرها “حمود المحمود” تحت عنوان “تعرّف على وظائف المستقبل”، وأهم ما تطرق فيه بعد استعراض قائمة من الدراسات والأبحاث المهنية الدولية للوظائف المحتملة في العقد المقبل، هو السرعة الزمنية في التطورات الرقمية، التي سنشهدها في المستقبل القريب، والتي لن تقاس بفعل السنوات بل بالأشهر والأسابيع والأيام وربما بالساعات أيضًا، وهي نقطة في غاية الأهمية علينا الانتباه لها عند التخطيط لمستقبل أجيالنا المقبلة.

من التقارير الاستشارية المهمة جدًا، والذي أنصح الجميع بقراءته كما فعلت في العطلة الأسبوعية ملخص التقرير الدولي الأول للاستشراف التقني، الصادر في مارس الجاري عن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية “كاكست” بعنوان “آفاق التقنيات المستقبلية للمملكة العربية السعودية”، وهو يهدف إلى نقل معرفة الاستشراف التقني إلى الكوادر الوطنية، وتطوير منهجيات استشراف مستقبل التقنيات بشكل يتسق مع السياق الوطني من حيث النظر في أفضل الممارسات العالمية في استشراف المستقبل مع الأخذ في الحسبان توجهات رؤية 2030، وأعد بمشاركة عدد كبير من الخبراء الدوليين والسعوديين. قسم التقرير الصادر عن مركز الاستشراف التقني في المدينة التقنيات إلى عدة مجالات بحسب الجهات الحكومية ذات الصلة، ونظر في الاستراتيجيات القطاعية المعلنة عنها، وأخذها في الحسبان عند تحديد التقنيات المستقبلية المهمة، وإحاطة تلك الجهات بالتقنيات التي قد تؤثر على مستقبلها على المستويين المتوسط والبعيد؛ لمساعدتها في أخذ زمام المبادرة في تطوير هذه التقنيات، والاستعداد لها، وتخفيف المخاطر المتوقعة من ظهورها، من خلال التركيز على سبعة مجالات في التقرير الدوري الأول، هي: “الفضاء والطيران، والبيئة والمياه والزراعة، والطاقة، والمواد والإنتاج، والصحة، والتحول الحضري والخدمات اللوجستية، والتقنيات الرقمية”. برأيي أن أهمية تقرير “كاكست” تكمن في الاستعداد للتقنيات المستقبلية، والاطلاع على أهم التقنيات الواعدة التي يتوقع أن تُشكل العالم –بمشيئة الله- خلال العقود المقبلة، بالإضافة إلى الدور المعرفي الذي يقدمه في رسم السياسات السعودية المستقبلية، من حيث “سياسات وأولويات البحث العلمي، وتطوير رأس المال البشري، وتغيير الأطر التنظيمية المتعلقة ببعض القطاعات، والبدء في بناء شراكات دولية مع الدول المتقدمة في هذه التقنيات، ونقل وتوطين التقنية والاستثمار في الشركات الواعدة في هذه التقنيات”، خاصة أن العالم يشهد تقدمًا غير مسبوق في تطوير التقنيات المتقدمة واستخداماتها، وهو ما أدى إلى نقلة نوعية وثورة في الصناعات المختلفة، وشتى جوانب الحياة، والتجديد في نماذج الأعمال، وتحسين جودة الحياة، ونمو المجتمعات، وهو ما تهدف إلى تحقيقه حكومتنا -ولله الحمد- لذلك فإن إعلان مدينة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بإصدار التقرير بشكل دوري يُعد خطوة فاعلة جدًا من أجل تحسين قدراتنا التقنية، وتطوير مهارات كوادرنا البشرية رقميًا، على غرار ما تفعله الكثير من الدول المتقدمة التي بدأت في إصدار هذا النوع من التقارير منذ عقود طويلة، وأداة عون لراسمي الخطط المستقبلية في مجال التقنية بمملكتنا الحبيبة، وتبياناً لأهمية تكامل أنشطة الجهات الوطنية، ورافعاً لمستوى الوعي لدى غير المتخصصين بمدى تأثير التقنيات على مستقبل العالم عمومًا، والسعودية على وجه الخصوص، لتكون على أهبة الاستعداد لكل ما هو مقبل في المستقبل.. دمتم بخير.

اترك رد

Your email address will not be published.