
تحليل التحيزات الثقافية في النماذج اللغوية.. هل اللغة بريئة؟
AI بالعربي – خاص
تبدو اللغة في ظاهرها وسيطًا محايدًا للتعبير والتواصل، لكنها في الواقع تحمل في بنيتها ومفرداتها طبقات معقدة من الثقافة، السلطة، والانحياز.
ومع تصاعد استخدام النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) مثل GPT وClaude وLLaMA في إنتاج المحتوى، تزداد المخاوف من أن هذه النماذج لا تعيد فقط ما تعلّمته، بل تُعيد أيضًا إنتاج تحيزات ثقافية متأصلة في البيانات التي درّبت عليها. فهل يمكن للغة أن تكون بريئة في بيئة غير محايدة؟
كيف تنشأ التحيزات الثقافية داخل النماذج اللغوية؟
النماذج اللغوية تتعلّم من النصوص التي يتم جمعها من الإنترنت، الكتب، الصحافة، والموسوعات، وهي مصادر تعكس ثقافات مجتمعاتها.
في هذه المصادر، تُبنى الصور النمطية حول العِرق، الدين، النوع الاجتماعي، الجغرافيا، والهوية. وعندما تتعلّم النماذج من هذه النصوص، فإنها ترث – دون قصد – انحيازات مجتمعية، مثل ربط مهن معينة بجنس محدد، أو إظهار دول أو شعوب بطريقة سلبية، أو إغفال سرديات ثقافية كاملة لصالح رواية مهيمنة.
التحيز لا يظهر فقط في المفردات، بل في تكرار أنماط معينة من التفسير والسرد والتقييم.
التحيز كأثر غير مرئي في نتائج النماذج
الخطورة في التحيزات الثقافية لا تكمن فقط في وجودها، بل في كونها غير مرئية للمستخدم العادي، إذ تقدم النماذج إجابات سلسة ومُقنعة تُوهم بالحياد.
لكن عند التحليل العميق، يظهر أن ترتيب المفردات، اختيار الأمثلة، توصيف الأشخاص أو الأماكن، وحتى اقتراح الحلول، قد يُعزّز وجهة نظر دون أخرى.
على سبيل المثال، قد تصف الأنظمة التعليمية الغربية بأنها “متطورة” بينما تُصوَّر الأنظمة في الجنوب العالمي على أنها “تحتاج إلى دعم”، رغم تعقيد السياقات الحقيقية.
هل يمكن تجنّب التحيز أم فقط الحد منه؟
الاعتراف بوجود التحيز هو الخطوة الأولى، لكن التعامل معه يتطلب جهودًا متكاملة تبدأ من مرحلة جمع البيانات، مرورًا بطريقة التدريب، وحتى خوارزميات التصفية والمراجعة.
إحدى الطرق المتبعة هي اعتماد ما يُعرف بـ”التحقق المتعدد الثقافات”، حيث تُقيّم مخرجات النموذج بناءً على رؤى مختلفة من مستخدمين يمثلون تنوعًا ثقافيًا واسعًا.
كما تُستخدم تقنيات لإعادة التوازن داخل النموذج، مثل تقليل الأوزان المرتبطة بسرديات مهيمنة وزيادة تمثيل الروايات الهامشية.
ومع ذلك، لا يمكن الحديث عن نموذج “خالٍ من التحيز” بشكل مطلق، بل عن نموذج “أكثر وعيًا” وتحكمًا في مخرجاته.
آثار التحيزات على الهوية والثقافة
التحيز في النماذج اللغوية لا يقتصر على الجانب التقني، بل ينعكس على تشكيل التصورات والوعي الثقافي للمستخدمين، خاصة إذا كانوا من مجتمعات غير ممثَّلة بشكل كافٍ في بيانات التدريب.
قد يُعيد الذكاء الاصطناعي إنتاج نفس الأنماط الاستعمارية التي همّشت لغات وثقافات لعقود، من خلال تقديم المعرفة بشكل أحادي اللغة أو المنظور.
ويصبح الخطر أكبر حين يُستخدم الذكاء الاصطناعي في التعليم، الإعلام، أو صنع القرار، حيث تتحول التحيزات من ظاهرة خفية إلى سياسة فعلية في صياغة العالم.
نحو نماذج أكثر تنوعًا وشمولًا
الطريق نحو نماذج لغوية أكثر عدالة يمرّ عبر تضمين لغات وثقافات متعددة، والتعاون مع خبراء اجتماعيين ومجتمعات محلية في تطوير البيانات والخوارزميات.
التنوع في فرق التطوير، والانفتاح على مراجعة المخرجات من خارج المركزيات التقنية، يُشكّل خط الدفاع الأول ضد التحيزات غير المقصودة.
ولا يكفي تضمين الكلمات، بل يجب تمثيل المفاهيم، السرديات، وأشكال التفكير المختلفة، لتصبح اللغة في الذكاء الاصطناعي أداة تحرير، لا إعادة إنتاج للهيمنة.
اقرأ أيضًا: “الأنظمة التكيفية الفورية”.. ذكاء يصحح نفسه أثناء التشغيل – AI بالعربي | إيه آي بالعربي