الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل ملامح التدريب المهني
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل ملامح التدريب المهني
AI بالعربي – متابعات
في ظل تسارع وتيرة التحول الرقمي عالمياً، لم يعد امتلاك أدوات الذكاء الاصطناعي خيارًا تكميليًا، بل أصبح من الضرورات الأساسية في سوق العمل الحديث.
وفي الوقت الذي تسعى فيه المؤسسات إلى تمكين موظفيها من استغلال هذه التقنيات المتقدمة، تظهر مفارقة لافتة: الذكاء الاصطناعي لم يعد فقط مادة تدريبية، بل تحول إلى مدرّب ذكي بحد ذاته، قادر على إحداث تحوّل جذري في طرق اكتساب المهارات وتطوير الكفاءات المهنية.
ومن خلال إمكانياته الواسعة، بات الذكاء الاصطناعي يتيح فرصًا غير مسبوقة لتسريع عمليات التدريب وتقديم تجارب تفاعلية تتجاوز النماذج التقليدية، انطلاقًا من خطوط الإنتاج إلى مراكز اتخاذ القرار.
الأهم من ذلك، أنه يرسّخ مفهوم “التدريب أثناء العمل”، من خلال تقديم إرشادات فورية وبيئات محاكاة آمنة، مما يسهم في تقليص التكاليف التشغيلية والتقليل من الأخطاء البشرية.
محتوى تدريبي أسرع وأكثر كفاءة
أحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي نقلة نوعية في صناعة المحتوى التدريبي، كما يتضح من تجربة شركة “بي إس إتش للأجهزة المنزلية”، التابعة لمجموعة بوش العالمية، والتي اعتمدت منصة “Synthesia” لتحديث منظومتها التدريبية.
فعوضًا عن الاعتماد على جهات خارجية مكلفة أو استنزاف وقت المدربين في جلسات متكررة، أصبحت الشركة قادرة على إنتاج فيديوهات تدريبية عالية الجودة – تشمل دورات الامتثال والشروحات الفنية – في وقتٍ قياسي.
وتعتمد المنصة على إدخال النصوص واختيار شخصية افتراضية “أفاتار” تتولى تقديم المحتوى، ليتولى الذكاء الاصطناعي بقية المهمة. وقد مكّن هذا التحول الشركة من تحقيق وفورات تصل إلى 70% في تكاليف إنتاج الفيديوهات.
وتؤكد ليندسي برادلي، المسؤولة عن التعلم والتطوير في الشركة، أن المنصة ساهمت في تقليص عدد ساعات التدريب، وساعدت الفرق المختلفة على تحديث المحتوى بسرعة وسلاسة.
الميزة الأبرز تكمن في القدرة على ترجمة المحتوى وتوطينه فورًا لعشرات اللغات دون الحاجة لمتخصصين، مما يتيح وصولًا فوريًا وسلسًا للموظفين في مختلف أنحاء العالم بلغاتهم الأصلية.
أما فيكتور ريباربيلي، الرئيس التنفيذي لشركة “Synthesia”، فيشير إلى أن تدريب الموظفين بات الاستخدام الأكثر شيوعًا للمنصة، مشيرًا إلى تطوير مقاطع فيديو تفاعلية من نوع “اختر مسارك”، التي تتكيف مع مستوى المتعلم، وتقدم محتوى متقدمًا أو مبسطًا حسب الحاجة.

واقع افتراضي… تدريب واقعي
في بعض التخصصات، لا تكفي المشاهدة أو المحاضرات وحدها، بل تتطلب ممارسات واقعية، وهو ما يتيحه الذكاء الاصطناعي من خلال بيئات محاكاة متقدمة.
ففي المجال الطبي، طور باحثو معهد نيوجيرسي للتكنولوجيا نظامًا تدريبيًا للجراحة بالمنظار، يستخدم أدوات حقيقية ويعتمد على الذكاء الاصطناعي كمقيّم رئيسي يرصد الأخطاء ويقدم تغذية راجعة فورية.
وأظهرت الدراسات أن أداء هذا النظام يوازي، بل ويتفوق أحيانًا، على تقييمات كبار الجراحين.
ويعلق الدكتور عثمان روشان، أستاذ علوم الكمبيوتر، بأن هذه التقنية تمنح الطلاب فرصًا غير محدودة للتدريب في بيئة آمنة، مما يقلل من الأخطاء الطبية ويعزز المهارات قبل دخول غرفة العمليات.
ولا تقتصر التطبيقات على الطب؛ فشركة “سترايفر” المتخصصة في الواقع الافتراضي، والتي تقدم خدماتها لشركات كبرى مثل وولمارت وأمازون، تستخدم الذكاء الاصطناعي لتوفير تدريبات غامرة للعاملين في قطاعات مثل التجزئة واللوجستيات.
أحدث تقنياتها تسمح بإجراء حوارات طبيعية مع شخصيات افتراضية، بدلًا من الاعتماد على سيناريوهات معدة سلفًا، مما يجعل التدريب على خدمة العملاء أكثر واقعية وتأثيرًا.
التدريب في الوقت الحقيقي: المستقبل يبدأ الآن
يتجه الذكاء الاصطناعي نحو مرحلة أكثر طموحًا تتمثل في الانتقال من التدريب المسبق إلى التوجيه الفوري أثناء أداء المهام.
فشركة “سترايفر” تتصور مستقبلًا يرتدي فيه موظفو المخازن نظارات ذكية ترشدهم لحظيًا إلى مواقع المنتجات، ما يقلل الحاجة إلى التدريب التقليدي.
ورغم أن هذه الرؤية لا تزال قيد التطوير، إلا أن تجاربها بدأت بالظهور، كما في حالة شركة “برايت إيه آي”، التي طورت نظامًا ذكيًا لمصنّع أغطية مسابح، يمكّن عاملًا واحدًا فقط من تنفيذ عملية معقدة باستخدام جهاز إرشادي مدعوم بالذكاء الاصطناعي.
هذا النظام يوجه العامل خطوة بخطوة، ويبني نموذجًا ثلاثي الأبعاد، بل ويصدر عرض سعر مباشر للعميل.
ويشير أليكس هوكينسون، المدير التنفيذي للشركة، إلى أن هذه المنهجية لا تسرّع وتيرة العمل فحسب، بل تقلل الأخطاء وتوسع إمكانية التوظيف لتشمل أفرادًا أقل خبرة.

في المحصلة
لم يعد الذكاء الاصطناعي أداة تقنية فحسب، بل أصبح شريكًا فاعلًا في تطوير رأس المال البشري، معيدًا تعريف معايير الكفاءة من خلال تقليل التكاليف، وتوفير تدريبات مخصصة وآمنة، وتقديم دعم لحظي في بيئة العمل.
بهذه المقومات، يقود الذكاء الاصطناعي جيلاً جديدًا من المهنيين نحو أداء أكثر دقة وإنتاجية عالية من اليوم الأول.