كيف أصبح كرسي طبيب الأسنان عرشًا جديدًا للذكاء الاصطناعي بفضل روبوت ذكي؟

كيف أصبح كرسي طبيب الأسنان عرشًا جديدًا للذكاء الاصطناعي بفضل روبوت ذكي؟

كيف أصبح كرسي طبيب الأسنان عرشًا جديدًا للذكاء الاصطناعي بفضل روبوت ذكي؟

AI بالعربي – متابعات

في صباحٍ ضبابي، وفي داخل مختبرات المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ “Swiss Federal Institute of Technology Zurich – ETH Zurich”، جرى حدث قد يُغيِّر معالم طب الأسنان إلى الأبد.

أول روبوت يتفوق على طبيب الأسنان

لم يكن الحدث مجرد تجربةٍ علميةٍ عابرة؛ بل ولادةُ تقنيةٍ فائقةِ الذكاء تحمل اسم “دنت بوت” DentBot، أول روبوت متخصص في جراحات الأسنان بدقةٍ تتفوق على أداء البشر.

وقد نُشرت نتائج هذا الإنجاز العلمي في النسخة الإلكترونية لشهر مايو “أيار” 2025 من مجلة “نتشر روبوتيكس” Nature Robotics، أبرز المجلات العالمية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والروبوتات الطبية. ومن المتوقع أن تصدر في النسخة الورقية بعدد يونيو “حزيران” 2025.

ميلاد “دنت بوت”: عندما تلتقي الروبوتات بالطب

بدأت القصة بفكرةٍ طموحةٍ طرحها البروفيسور ماركوس شتاينر، أحد أبرز المتخصصين في الروبوتات الطبية؛ حيث تساءل في أحد اجتماعات فريقه: “لماذا لا نمنح الذكاء الاصطناعي فرصةً لمعالجة الضرس بدقةٍ متناهية؟”، وإلى جانبه كانت الدكتورة آنا مولر، اختصاصيةُ تعلُّمِ الآلة، إضافةً إلى الدكتور يانيك فيبر، طبيب الأسنان، والدكتورة صوفيا كوهن، مهندسةُ الميكانيكا. ومعًا، شكّل الباحثون فريقًا رائدًا جمع بين العلوم الطبية والتقنيات الحديثة، لصياغة مستقبلٍ جديدٍ للطب.

تفوق الذكاء الاصطناعي على الخبرة البشرية

في التجارب الأولية، اعتمد الفريق على قاعدةِ بياناتٍ تحتوي على 500 ألف صورةِ أشعةٍ للأسنان، وقاموا بمحاكاة 10 آلاف حالةٍ علاجيةٍ افتراضية، قبل الانتقال إلى التجارب السريرية التي شملت 200 مريضٍ في مستشفى جامعة زيوريخ. وكانت المفاجأة في النتائج: نسبة نجاح عمليات الحشو بلغت 99.2 في المائة، متجاوزةً المتوسط البشري البالغ 94 في المائة.

وهذا التفوق التقني لم يكن محصورًا بالدقة فقط؛ فقد قلَّص “دنت بوت” مدة العملية العلاجية من 35 دقيقة إلى 20 دقيقة، ما يعزز كفاءة العيادات، ويقلل من إجهاد المرضى خلال الجراحة. ورغم أن تكلفة الجهاز قد تصل إلى 250 ألف دولار، فإن غياب الحاجة إلى الراحة أو الإجازات يجعله استثمارًا واعدًا.

بين التفاؤل والتحفظ: كيف استقبل العالم التقنية؟

لاقت هذه القفزة التقنية ترحيبًا حذرًا من الجهات الصحية؛ حيث أعربت منظمة الصحة العالمية عن أملها في أن تُسهم هذه التقنية في تحسين فرص الوصول إلى الرعاية الطبية لصحة الفم، خصوصًا في المناطق النائية والنامية. بالمقابل، حذَّر الاتحاد الأميركي لطب الأسنان من الاعتماد المفرط على الروبوتات، لافتًا إلى محدوديتها في التعامل مع الحالات الطارئة، مثل النزيف والالتهابات.

أما جمعية أطباء الأسنان العربية، فقد عبَّرت عن مخاوفها بقولها: “قد تؤدي هذه التقنية إلى خسارة آلاف الوظائف؛ خصوصًا في الدول النامية، إذا لم يتم دمجها ضمن خطط تدريب وتأهيل للأطباء”.

كما انقسم المرضى أيضًا بين القبول والقلق. وعلَّقت السيدة كيلمان (إحدى المشاركات في التجارب السريرية) قائلة: “العملية كانت سريعة وغير مؤلمة، ولكنني شعرت بقلقٍ غريبٍ من وجود آلةٍ فقط دون طبيبٍ يطمئنني بكلمةٍ أو نظرة”.

مستقبل المهنة: هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء؟

تشير خريطة الطريق إلى أن “دنت بوت” سيحصل على ترخيص الاتحاد الأوروبي في عام 2026، ويبدأ انتشاره التجاري في الرياض ولندن ونيويورك بحلول 2027، مع خططٍ لدمجه بأنظمة تشخيصٍ متقدمة مثل “IBM Watson Health” بحلول عام 2030.

وبينما يفتح “دنت بوت” بابًا واسعًا نحو مستقبلٍ طبيٍّ أكثر دقةً وكفاءة، يطرح تساؤلًا وجوديًّا عميقًا: هل نثق بالذكاء الاصطناعي ليعتني بنا ونحن في أضعف حالاتنا؟ أم أن الطب سيبقى دومًا مهنةً إنسانيةً تحتاج قلبًا قبل التقنية؟

هل نثق بآلةٍ دون مشاعر حين نكون في أشد حالاتنا ضعفًا؟ أم أن مهنة الطب ستبقى – في جوهرها – حرفةً إنسانيةً لا تُختزل في برمجةٍ ومعالجةٍ رقمية؟

ما نعرفه يقينًا هو أن كرسي طبيب الأسنان تغيَّر إلى الأبد… والبقية تأتي.