إعادة تدوير الرأي.. كيف تعيد المنصات تدوير المحتوى القديم باعتباره جديدًا؟

إعادة تدوير الرأي.. كيف تعيد المنصات تدوير المحتوى القديم باعتباره جديدًا؟

إعادة تدوير الرأي.. كيف تعيد المنصات تدوير المحتوى القديم باعتباره جديدًا؟

AI بالعربي – خاص

في زمن التدفق المعلوماتي المستمر، لم تعد قيمة المحتوى تقاس فقط بحداثته، بل بقدرته على البقاء في الواجهة. وهنا تتصدر المنصات الرقمية مشهدًا جديدًا من استراتيجيات البقاء، عنوانه: “إعادة تدوير الرأي”. إذ لم يعد الغرض إنتاج آراء جديدة، بل إعادة تقديم نفس الخطاب بصيغ مختلفة، أو توقيتات مختلفة، وكأن الزمن لا يتغير.

تعتمد هذه الظاهرة على ما يُعرف بالخوارزميات الزمنية أو التفاعلية، حيث تُظهر المنصات للمستخدمين مقالات أو تغريدات أو مقاطع فيديو سبق نشرها، لكنها تُقدَّم مجددًا باعتبارها “محتوى رائجًا” أو “شائعًا الآن”، ما يمنحها طابعًا زائفًا من الحداثة. بهذه الطريقة، يتحول الرأي إلى سلعة قابلة للتدوير، لا تستهلك بالكامل، بل يُعاد عرضها ما دامت قادرة على إثارة التفاعل.

وتُشير دراسات حديثة إلى أن أكثر من 35% من المقالات التي تتصدر نتائج البحث أو شبكات التواصل تعود لمحتوى نُشر سابقًا، لكنه أعيد تحريره بعناوين مختلفة أو ضمن سياق جديد. لا تُعد هذه الظاهرة سرًا، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية النشر نفسها، خاصة في المؤسسات الإعلامية التي تسعى لتقليل التكاليف وزيادة عدد النقرات.

يكمن الخطر في أن هذا التدوير لا يقتصر على التكرار، بل قد يؤدي إلى خلق انطباع زائف بتعدد الآراء، بينما الحقيقة أن الخطاب نفسه يُعاد تلميعه مرارًا. كما أن القارئ العادي قد لا ينتبه لتاريخ النشر الأصلي، مما يخلق فجوة زمنية في إدراك السياق، ويُربك الحكم على الأحداث أو تطوراتها.

في بعض الحالات، يتم تغيير العنوان فقط دون تعديل المضمون، أو يُعاد استخدام المقال كاملاً مع فقرة افتتاحية جديدة تعطي انطباعًا بالتحديث. وقد يُنشر ذات المقال في منصات مختلفة دون ذكر ذلك للقارئ، مما يخلق وهمًا بتعدد المصادر بينما نكون أمام محتوى موحَّد.

لكن لماذا تلجأ المنصات إلى هذه الاستراتيجية؟ ببساطة، لأن المحتوى الأصلي الجيد يستهلك وقتًا وجهدًا وتكلفة، بينما المحتوى المعاد تدويره يمكن أن يحقق أرقام تفاعل مماثلة بتكلفة شبه معدومة. إنها معادلة اقتصادية لا أخلاقية بالضرورة، لكنها فعّالة في بيئة تسودها المنافسة على الانتباه.

مع هذا، لا يخلو المشهد من جوانب إيجابية، إذ يسمح التدوير أحيانًا بإعادة تسليط الضوء على قضايا طُمست بفعل تسارع الأحداث. كما يمنح بعض الآراء فرصة ثانية للانتشار بعد أن ظُلمت سابقًا في خوارزميات الظهور. لكن الفرق يكمن في الشفافية، فحين يُخبر القارئ بأن هذا رأي قديم أعيد نشره، يصبح شريكًا لا ضحية.

تطرح هذه الظاهرة تساؤلات عن مصداقية المشهد الإعلامي الرقمي، وضرورة تطوير أدوات للتمييز بين الجديد فعلاً وما هو معادٌ بذكاء. فهل نعيش زمنًا يُعاد فيه تدوير الرأي كما تُعاد تدوير البلاستيك؟ وما حدود الشرعية المهنية لمثل هذا النهج؟ وهل تبقى الصحافة فعلًا نقديًا أم تتحوّل إلى نظام إعادة توزيع محتوى بلا نهاية؟

اقرأ أيضًا: شركات تسويق الألم.. كيف يُستخدم الحزن الشخصي لكسب المتابعين؟

 

Related Posts

وزير العدل: الذكاء الاصطناعي لن يحلّ محل المحامين والقضاة ودوره سيتركز في تحسين الإجراءات

AI بالعربي – متابعات أكد معالي وزير العدل الدكتور وليد الصمعاني أن استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع العدالة لن يُلغي دور المحامين والقضاة، موضحًا أن القرار النهائي سيظل بيد المحاكم،…

“يان ليكون” يترك “ميتا” ليؤسس شركة ذكاء اصطناعي برؤية مختلفة

AI بالعربي – متابعات يخطو العالم “يان ليكون” خطوة جديدة في مسيرته. قرر ترك منصبه قائدًا لقطاع الذكاء الاصطناعي في شركة “ميتا”. يأتي ذلك بهدف تأسيس شركة متخصصة برؤية مختلفة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات

الذكاء الاصطناعي يؤجج حرب التضليل الإعلامي

  • نوفمبر 22, 2025
  • 49 views
الذكاء الاصطناعي يؤجج حرب التضليل الإعلامي

الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

  • نوفمبر 10, 2025
  • 154 views
الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

  • نوفمبر 8, 2025
  • 154 views
في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

“تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

  • أكتوبر 30, 2025
  • 179 views
“تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

  • أكتوبر 12, 2025
  • 326 views
الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

  • أكتوبر 1, 2025
  • 407 views
حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law