الصناعات النائمة والميتة
د. عصام العمار
تحدثنا سابقا عن الصناعات المتراجعة في ظل التحول الرقمي وكيف أنها تلاقي صعوبة في التكيف مع المتغيرات السريعة ورفض التغيير، وبعضها خسر بحكم زعزعة الصناعة ولم تجد قيمة جديدة للسوق، والبعض تحرر من قبضة المربع الاقتصادي المنكمش. لكننا نرى مفهوما جديدا يحلق في سماء التحول الرقمي، ألا وهو الصناعات النائمة والميتة.
إن هذا المفهوم ينشأ للصناعات التي بدأت فعليا في الانهيار ودخلت في سبات عميق وعليها خسائر متعددة – صناعة نائمة – أو إعلان الوفاة وعدم قابلية الربح فيها نهائيا – صناعة ميتة -، إلا إذا خرجت من عنق الزجاجة الرقمي. إن التقنيات الرقمية مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتعلم الآلة وغيرها تعد أدوات ذات طابع إيجابي، لكنها ذات تأثير عنيف في المهن والحرف التقليدية، وقد تضربها بقوة لتنتج بطالة جديدة لكن بمهارات مستحدثة.
دعونا نتطرق لبعض الصناعات عالميا التي قد يطرأ عليها النوم أو تمنى بالوفاة خلال الأعوام المقبلة. وكل صناعة تستحق مقالا وحدها وشرحا للخروج من هذا النفق المظلم.
ففي صناعة تقنية المعلومات التقليدية، تبيع الشركات القصدير والأسلاك وسيواجه موردو تقنية المعلومات الصغار وصولا إلى شركات البرمجيات الكبيرة التي تبيع حلولا تقنية للمؤسسات الكبيرة صعوبة في ظل انتشار أدوات أصغر وأكثر مرونة وقابلة للتشغيل البيني.
لقد أصبحت تقنية المعلومات الداخلية قادرة الآن على الحوسبة والتخزين والأمن عند الطلب في وكالات السيارات المستقلة وصيانتها، حيث تتطلب السيارات الكهربائية خدمة وصيانة أقل بكثير من السيارات التقليدية ذات الاحتراق الداخلي. ويرضى العملاء بتخصيص طلباتهم من خلال حلول الخدمة الذاتية المتاحة على الإنترنت بدلا من الذهاب إلى الوكالة.
لقد أصبح المصنعون أكثر مرونة في كيفية تقديم المنتجات وتصميم الطلبات واستلامها بأقل تدخل من الوكالة، التي تمثل وسيطا. أما في مهن المحاسبة، سيخفي الذكاء الاصطناعي أهم المهن المحاسبية وصولا إلى وظيفة المستشار الضريبي أو تمويل الشركات، وسيجد العميل أن أفضل نصيحة له يمكن استبدالها بذكاء اصطناعي أكثر ذكاء في الأعوام العشرة المقبلة. وفي صناعة الخدمات المصرفية، ستنتقل إلى العملات المشفرة وواجهات برمجة وتطبيقات مفتوحة. وفي صناعة التعليم العالي، رغم بقاء العلامات الكبرى المرموقة في الوقت الحالي، لكن إلى متى ستظل قيمة تعليم هارفارد التي يتم تقديمها عبر الإنترنت أكثر من جامعة أقل قيمة وتقدم من خلال الإنترنت أيضا؟.
لقد انصهر التعليم عن بعد في بوتقة واحدة واختفى منها التفاعل بين الطلاب أنفسهم وهذا ما لمسناه حقيقة خلال جائحة كورونا. وتشهد شركات صناعة النقل والخدمات اللوجستية زيادة في أحجام البيانات، وهذا يعني أن المؤسسات بحاجة إلى التقنيات الحديثة خصوصا الحوسبة المعرفية بما يؤدي إلى تميز في إدارة الإمدادات والعمليات ومراقبة التكاليف وتحسن تجربة العملاء.
وفي صناعة الصيدلة، سيعمل الطب الشخصي القائم على الحمض النووي الخاص والمتطلبات الطبية المحددة بصورة أفضل للمريض ومقدم الرعاية الأولية. وقد تتدخل تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وحينها يمكننا إجراء إصلاح جذري لمن يقوم بتصنيع الجزيئات المعقدة، ما يقلب صناعة الدواء رأسا على عقب. وقس على ذلك صناعة سيارات الأجرة قبل وصول “أوبر”، وصناعة الفندقة وصراعها المرير مع “أير بي إن بي”. ختاما، تظل النصيحة إلى المستوى المحلي هي دراسة الصناعات التي قد تضرب من قبل العاصفة الرقمية، ما قد يؤدي إلى نومها أو وفاتها ولا يجب استبعاد أي صناعة من صدمة الزعزعة الرقمية.