الموارد البشرية والذكاء الاصطناعي

8

فدوى البواردي

قد يبدو للوهلة الأولى أن الذكاء الاصطناعي يتعارض مع الموارد البشرية، وأن الذكاء الاصطناعي قد يستبدل البشر بالآلات الذكية في الوظائف مستقبلا، ولكن هذا المفهوم غير صحيح، وسوف نخوض ببعض التفاصيل حول هذا اللبس الشائع للتوضيح.

يقوم الذكاء الاصطناعي بتوفير أنظمة ذكية تساعد الموظفين في أعمالهم، من خلال إجراء الأعمال اليدوية المتكررة والمنهكة التي قد يقوم بها بعضهم مثل تحليل البيانات وعرضها ذاتيا أو التنبؤ بالبيانات المستقبلية يدويا. وحين تُستخدم تلك الأنظمة الذكية، يصبح تركيز العامل البشري هو في الإشراف على سير العمل وعلى الجودة والدقة في المدخلات ونتائج المخرجات وأيضا في التخطيط لتحسين الأداء وإدارة المخاطر، حيث تستلزم الحاجة، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد والمال، ويعود بنتائج ناجحة وأكثر دقة وسرعة للمنظمة.

كما وأن فرق عمل الموارد البشرية تكتسب من خلال تلك الأنظمة الذكية قدرا أكبر من الإدراك والكفاءة، وذلك لأن تلك الأنظمة الذكية يمكنها تحليل أداء وسلوك الموظفين، واستنباط نقاط القوة الحالية والمستقبلية بشكل دقيق، وكيفية الاستفادة من تلك الخبرات والقدرات البشرية في الوظائف والمهام المناسبة وهو ما يعرف بمصطلح Profiling، وكذلك كيفية تطوير تلك المهارات المختلفة، والمساعدة الآلية في اقتراح خطط تدريبية سنوية مناسبة للموظفين، مما يترتب عليه فرص نجاح أكبر للمنظمة ومنسوبيها على المدى القريب والبعيد، وأيضا خفض معدل تناقص الموظفين سنويا.

ومن استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال الموارد البشرية هو “المقابلة الشخصية الذكية” عن طريق البحث الآلي عن الكفاءات البشرية في مواقع الوظائف المهنية، حيث تتم القراءة الآلية لبيانات المتقدمين الأساسية كالتعليم والخبرات الوظيفية ومن ثم جمعها وتنظيمها في صيغة موحدة يمكن من خلالها التحليل الذكي الدقيق للمهارات والخبرات والشهادات للمتقدمين والمتواجدين في تلك المواقع. وكذلك لاحقا أثناء المقابلات الشخصية للمرشحين، يتم تسجيل آلي للمقابلة واحتساب نقاط بشكل الكتروني من خلال تحليل إجابات هؤلاء المتقدمين عن الأسئلة المطروحة لهم أثناء المقابلة. وذلك يساعد بحد كبير على التخلص من العديد من السلبيات مثل الوقت المستنزف في البحث عن المهارات المطلوبة والاختيار الأولي الدقيق للعشرات من ضمن الآلاف المتقدمين، ووجود الذكاء الاصطناعي يساعد أيضا على التخلص من التحيز أو الآراء الشخصية غير الصائبة أثناء تقييم المتقدمين، وكذلك ضمان الحيادية ومنح الفرص بالتساوي وبشكل عادل لجميع المتقدمين، حيث ينجح من هو أكفأ وأنسب لتلك الوظائف.

وقد قامت العديد من المنظمات والشركات محليا ودوليا بتنفيذ “الإدارة الذكية للموظفين” وفيها تم تشغيل أنظمة ذكية للإجابة عن كافة استفسارات ومتطلبات وخدمات الموظفين الجدد والقدامى على مدار الساعة، وتزوديهم بالمعلومات المطلوبة ذاتيا والمتعلقة بالرواتب أو الإجازات أو الامتيازات أو المهام أو توفر غرف الاجتماعات وغيرها، والقدرة عن الإجابة على العديد من الاستفسارات في ذات الوقت، وكذلك إرسال استطلاعات رأي آلية للموظفين وتحليلها واستنتاج الإيجابيات وما يمكن تحسينه في سير العمل، وعرض تلك التقارير على الإداريين والمسئولين الذين يقومون بدراستها والتحقق من دقتها وجودتها، واتخاذ القرارات الاستراتيجية والتشغيلية المناسبة.

ويوجد سؤال للتفكر…. هل يمكنك تصور عدد المشكلات التي يمكن تلافيها أثناء وجود بعض المحادثات الحادة خلال العمل..؟ الذكاء الاصطناعي يُمكن الموظف من معرفة السيناريو الأنسب للإجابات خلال المحادثات والمناقشات المختلفة، وكيفية تلافي ذكر بعض الجمل أو النقاط غير المجدية والتي قد تسبب المزيد من الاحتداد أثناء تلك الحوارات.

وأخيرا وليس آخرا، يجب تذكر دائما أن الذكاء الاصطناعي هو “مساعد” للإنسان، وليس متخذا للقرار. هو أداة تقوم بعرض البيانات والتحليلات ولكنها لا تفرض الخطوات القادمة. البشر هم من يتخذون تلك القرارات، ومن المهم جدا تذكر ذلك. وهكذا هي التقنية، وُجدت لتكون أداة للمساعدة وليست غاية، وحيث إن إدارات الموارد البشرية تُعد من أحد أكبر متخذي القرار في جميع المنظمات، فبمساعدة الذكاء الاصطناعي، تتمكن الموارد البشرية من اتخاذ تلك القرارات بشكل أسرع وأدق وأكثر حيادية.

اترك رد

Your email address will not be published.