قنبلة الذكاء الاصطناعي الأولى

قنبلة الذكاء الاصطناعي الأولى

د. زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ

عانت وول ستريت الأسبوع الماضي أسوأ انخفاض لها في يوم واحد منذ الجائحة. ما الذي حرك كل ذلك؟ إنما هي جولة جديدة شاملة من التعريفات الجمركية التي أعلن عنها الرئيس ترمب، تستهدف الشركاء التجاريين الرئيسين للولايات المتحدة. يشير الاتحاد الأوروبي والصين، وكلاهما تعرضا لرسوم كبيرة، إلى نيتهم باتخاذ إجراءات مماثلة. لم تخفف رئيسة المفوضية الأوروبية من حدة كلماتها: “إذا استهدفت أحدنا، فقد استهدفتنا جميعًا”.

تعهدت الصين، التي تواجه الآن تعريفة مذهلة بنسبة 34 % بالإضافة إلى ضرائب الاستيراد السابقة، باتخاذ تدابير “لحماية حقوقها ومصالحها الخاصة”. وفي الوقت نفسه، أصرت بريطانيا، التي كانت حذرة من التداعيات الاقتصادية، على أن المفاوضات مع واشنطن ستستمر. كانت الاستجابة العالمية سريعة، فقد انخفضت الأسواق في آسيا وأوروبا، تأثرا بعمليات البيع الأميركية.

هذه الاضطرابات الاقتصادية هي نتيجة مباشرة لنهج إدارة ترمب، وهو ما يهدد بتفكيك نظام التجارة العالمية الذي ساعدت الولايات المتحدة في بنائه. كان الإطار التجاري الحديث قد بدأ العمل عليه بقيادة أميركية انطلاقًا من قانون الاتفاقيات التجارية المتبادلة لعام 1934 الذي سنه الرئيس الأميركي روزفلت. لقد عزز هذا التوجه النمو الاقتصادي لصالح أميركا، وهو ما يضمن حل النزاعات التجارية بالتفاوض، وليس بالتعريفات الجمركية.

ورغم أن المسؤولين نفوا ذلك، يبدو التعسف في التعريفات الجمركية مرتبطًا بالعجز التجاري الأميركي مع بلدان محددة. فقد أكد المكتب التجاري الأميركي المعادلة التي اعتمدت: يقاس المستوى المفترض للحمائية في الدولة بفائضها التجاري مع الولايات المتحدة، مقسومًا على إجمالي صادراتها إلى أميركا.

انتقدت المعادلة كثيرًا بمجرد ظهورها، وبدأت الشكوك تحوم حول المنهجية التي طورت بها، مما جعل عددًا من المحللين يتهمون فريق الرئيس ترمب بالاستعانة بروبوت الذكاء الاصطناعي بدل أن تكون المعادلة نتاج نمذجة اقتصادية صارمة. فهل استعان الرئيس ترمب بفريق إيلون ماسك لإعداد هذه الحسبة؟

تشير التقارير إلى أن المسؤولين ربما اعتمدوا على الذكاء الاصطناعي لتوليد صيغة تعريفية مبسطة تتجاهل الفروق الدقيقة الرئيسة في التجارة الدولية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة قوية لتحليل البيانات، ولكن جودة استنتاجاته تعتمد على المدخلات التي يتلقاها. فقد أغفلت المعادلة مثلًا الخدمات مقابل المنتجات، وهو إغفال صارخ بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تدير فوائض كبيرة في قطاعات مثل التمويل والتقنية والملكية الفكرية. يبدو أن الاتحاد الأوروبي يدير فائضًا تجاريًا هائلًا مع أميركا مثلًا، ولكن بمجرد أخذ الخدمات في الاعتبار سينخفض الفائض انخفاضًا كبيرًا.

إذا كان للذكاء الاصطناعي يد في تشكيل هذه السياسة، فهو تحذير عملي: على الذكاء الاصطناعي أن يساند عملية صنع القرار، لا أن يستبدل التحليل الاقتصادي السليم. وإذا صح استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة، فهو استخدام كارثي يشبه إلى حد كبير استخدام القنبلة النووية لأول مرة.

المصدر: الرياض

Related Posts

روبوتات ذكية تتعلم العمل مثل البشر وتعيد تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي المادي

AI بالعربي – متابعات يشهد العالم طفرة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي المادي، حيث تتجه الأبحاث نحو تطوير روبوتات يمكنها تنفيذ مهام البشر اعتمادًا على رؤية ثلاثية الأبعاد، وتعلم حركي،…

أداة ذكاء اصطناعي تعيد تعريف مستقبل زراعة الأعضاء البشرية بدقة أعلى من الجراحين

AI بالعربي – متابعات طور علماء وأطباء من جامعة “ستانفورد” نموذجًا جديدًا يعتمد على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ الدقيق بوفاة المتبرعين بالأعضاء خلال الفترة الزمنية الحرجة التي تظل فيها الأعضاء صالحة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات

الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

  • نوفمبر 10, 2025
  • 111 views
الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

  • نوفمبر 8, 2025
  • 104 views
في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

“تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

  • أكتوبر 30, 2025
  • 131 views
“تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

  • أكتوبر 12, 2025
  • 285 views
الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

  • أكتوبر 1, 2025
  • 368 views
حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

  • سبتمبر 29, 2025
  • 378 views
الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”