التناول الثقافي لتقنية التراث الذكية.. كيف نعيش تجارب الماضي الغامرة في متاحف تُعاصِرُنا؟

9

AI بالعربي – خاص

يتعرَّض زُوَّار المتاحف للكثير من القصص القديمة وحكايا التراث، وهذا يتناسب مع الأمزجة الزَّائرة، لا سيَّما وأنَّ مثل هذه الأماكن تجربة لترويج الثقافة. لكن في وقت قلَّ فيه الاطلاع وربما انحسر فيه شغف الزَّائرون نحو تجربة سردية نمطية، تأتي أدوار متتابعة وكثيفة للتقنية الذكية لتغيير مذاق الحسِّ الثقافي بلمسات يتبلور معها العرض التاريخي.

في آخر أعداد مجلة اليونيسكو هذا العام يستعرض المحررون والكُتَّاب تجارب ثقافية غامرة بطعم الذكاء الاصطناعي. العدد (أكتوبر – ديسمبر 2024)، يشمل عدد من الموضوعات الشيِّقة، المُعنونة بـ “المتاحف تعيد ابتكار نفسها”، وفيها يبدو إعادة تقديم شخصية التراث والثقافة على الزوّار الذين يعيشون الحضارة المتطوِّرة، والتي أركَست بعض الأذواق بسوء التعرُّض، فبات الاطلاع بين ثقيل ورتيب.

مرحبًا بكم في عالم الما بعد

يعتبر متحف الاكتشاف الأسترالي (MOD) في أديليد نموذجًا مميزًا للمؤسسات الثقافية التي تسعى إلى استقطاب الشباب وجعلهم جزءًا فاعلًا من عملية استكشاف المستقبل. منذ افتتاحه في عام 2018، وضع المتحف استراتيجية واضحة تقوم على دمج الشباب في برامجه، مستخدمًا التكنولوجيا الرقمية والمعارض الغامرة لإثارة اهتمام الفئة العمرية بين 15-25 عامًا، التي عادة ما يكون من الصعب جذبها. بفضل هذه الجهود، نجح المتحف في تحقيق معدلات زيارة مميزة وحصد جوائز مرموقة عن إبداعه وابتكاره.

خلال المقال “مرحبًا بكم في عالم الما بعد” داخل عدد أكتوبر – ديسمبر 2024، يبدو أنَّه لا يكتفي المتحف بجذب الشباب كزوّار، بل يحرص على إشراكهم كفاعلين ومساهمين في تصميم برامجه ومعارضه. من خلال مبادرات مثل “منتدى ثيمات المستقبل” واجتماعات لجان الشباب، يوفر المتحف منصة للشباب للتعبير عن آرائهم حول القضايا المعاصرة مثل التغير المناخي والعدالة الاجتماعية. كما يتيح معرض “معطّل BROKEN” فرصة للمشاركين لتخيل حلول مبتكرة للتحديات العالمية، بالاعتماد على خبراء من مجالات مختلفة كعلماء المستقبل، والفنانين، وممثلي الشعوب الأصلية.

يسعى المتحف إلى تعزيز شعور الشباب بالقدرة على مواجهة التحديات المعقدة عبر تبني نهج إيجابي في معالجة قضايا مثل تغير المناخ والصحة العقلية والذكاء الاصطناعي. يهدف هذا النهج إلى تمكين الزوار من مغادرة المتحف محملين بالأمل والأدوات اللازمة للتعامل مع المستقبل. ومن خلال تقديم معارض تتناول موضوعات استشرافية وطرح أسئلة جريئة، يصبح المتحف نموذجًا لمؤسسات تسعى إلى إشراك المواطنين في صياغة رؤى مستنيرة لمستقبل أفضل.

قدرات الذكاء الاصطناعي في المتاحف

داخل تقرير بعنوان “المتحف بمثابة معبد الإيمان بالمستقبل” يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل حالة القطع الأثرية والتنبؤ بتدهورها، ما يساهم في ترميمها بطرق مبتكرة تحافظ على حالتها الأصلية. كما يعزز تجربة الزوار من خلال تخصيص محتوى المعروضات بناءً على اهتماماتهم، مع توفير تقنيات مثل الإرشادات الذكية متعددة اللغات ومنصات الواقع الافتراضي التي تتيح استكشاف المتاحف عن بعد.

تحليل البيانات ودعم التعليم

خلال المقال، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الزوار لتحسين تخطيط المعارض المستقبلية. كما يساهم في تطوير برامج تعليمية تفاعلية وشروحات ذكية تعزز تجربة التعلم. بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم تقنيات التعلم الآلي لتتبع أصول القطع الأثرية، ما يدعم جهود مكافحة الاتجار غير المشروع والحفاظ على التراث الثقافي في مواجهة التغيرات البيئية.

خلق تجارب غامرة وإحياء الماضي

يستعرض مقال كتبته هانا ماك. جيفرن، وهي صحفية من لندن بالمملكة المتحدة تعتمد المتاحف اليوم على تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي لإعادة بناء التاريخ وجعل الزوار يعيشون الماضي كما لو كانوا جزءًا منه. مثال على ذلك معرض “10 حكايات عن أعمال منهوبة” الذي يستخدم خوذات الواقع الافتراضي لنقل الزوار إلى مواقع تاريخية شهدت أحداثًا معقدة مثل الغزو النابليوني أو سرقة قطع أثرية خلال الحرب العالمية الثانية. يمكن للذكاء الاصطناعي من خلال التوأم الرقمي والقياس التصويري أن يحوّل الصور إلى نماذج ثلاثية الأبعاد مفصلة تعزز تفاعل الجمهور مع القطع التاريخية وتجعلهم أكثر إدراكًا لمعانيها الثقافية والاجتماعية.

توسيع نطاق العرض وتحفيز الإبداع

بحسب المقال الذي يجمل عنوان ” الماضي كما لو كنت تعيشه” يساعد الذكاء الاصطناعي في التغلب على قيود المساحة المادية للمتاحف عبر منصات افتراضية تعرض النماذج ثلاثية الأبعاد للقطع المخزنة. مشروع “المتاحف في ميتافيرس” في اسكتلندا، على سبيل المثال، يسمح للمستخدمين بالتفاعل مع المجموعات التاريخية وإنشاء محتوى جديد باستخدام الواقع الافتراضي. كما تسهم تقنيات مثل “العدسة” (Lens) التي طورتها ACMI في تمكين الزوار من جمع محتويات افتراضية خلال زيارتهم واستكشافها لاحقًا، مما يجعل الزيارة أكثر استمرارية وشمولية. هذه التطورات تدفع المتاحف إلى دور جديد بوصفها منصات ابتكار ثقافي تدمج التكنولوجيا مع التجربة الإنسانية.

دور التكنولوجيا الرقمية في جذب الشباب للمتاحف في الصين

تلعب التكنولوجيا الرقمية دورًا حيويًا في جذب الشباب للمتاحف في الصين من خلال تقديم تجارب غامرة وتفاعلية تعيد إحياء التراث الثقافي غير المادي. في متحف “تشيجيانغ” للتراث الثقافي، يتم استخدام تقنيات مثل التصوير الرقمي والواقع الافتراضي لإبراز الفنون المسرحية والمهارات التقليدية والأساطير القديمة بطرق مبتكرة. تعرض الوسائط الرقمية العمليات التصنيعية بدقة عبر جدران تفاعلية ثلاثية الأبعاد، مما يجعل الزوار يشعرون بأنهم جزء من التراث. يستعرض المقال ” في الصّين، عرض التّراث الحيّ” ما توفِّره العروض التفاعلية المُستَوْحاة من أساطير مثل “الثعبان الأبيض” و”الفراشات العاشقة” بيئات افتراضية غامرة تجذب الشباب عبر دمج التكنولوجيا بالفن التقليدي، مما يخلق تجربة ثقافية غنية وجذابة.

يلعب الذكاء الاصطناعي بأدواته الماهرة، دورًا حيويًا في أن يزيل غُبار النسيان والإهمال للتراثيات والحضارات القديمة بأفكار تتجدد كل يوم؛ ليحيا التراث ما تجددت وسائل إبرازه التي تعيد المذاق الأصيل لتاريخ أمم خلت تطلُّ بآثارها على حاضرنا المُعاصر ومستقبلنا القادم.

اترك رد

Your email address will not be published.