هل يتسبب الذكاء الاصطناعي في إنهاء عصر جوجل؟
AI بالعربي – متابعات
لطالما اعتبر محرك بحث جوجل مرادفًا للهيمنة المطلقة في عالم البحث عبر الإنترنت، واللاعب الأقوى في هذا المجال، ولكن سيد البحث بلا منازع، يواجه اليوم منافسًا شرسًا، وهو الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يُعيد رسم خريطة التكنولوجيا العالمية.
ففي عصر يتحوّل فيه الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى القوة الدافعة لكل شيء، يعتقد كثيرون أن هذا التطور سيتسبب في نهاية إمبراطورية جوجل في عالم البحث، وهذا الرأي تدعمه تصريحات بارزة من شخصيات رائدة في مجال التكنولوجيا، حيث يرى سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI مالكة ChatGPT، أن الذكاء الاصطناعي يمتلك فرصة حقيقية لإزاحة جوجل جانبًا، في حين يعتقد بيل جيتس أن الذكاء الاصطناعي الناشئ سيتولى مهام البحث المتقدمة، مما يُغني المستخدمين عن زيارة أي موقع آخر.
وإمكانية أن يصبح البحث على جوجل شيئًا من الماضي، هي موضوع لجأت إلى استخدامه جوجل أيضًا منذ أيام، كحجة للدفاع عن نفسها، ضد قرار قضائي يتهمها بإدارة احتكار غير قانوني، حيث رأت إدارة جوجل أن محرّكها قد يتعرض للدمار مع تغيير الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات الجديدة لطريقة البحث عن المعلومات.
في المقابل يرى قسم من المراقبين أنه يجب التواضع عند التنبؤ بما سيحدث مع جوجل، فالتوقعات بزوال المحرّك كانت خاطئة من قبل، وهو ما قد ينطبق على الوضع حاليًا، فصحيح أن الذكاء الاصطناعي سوف يقلب طريقة البحث عن المعلومات رأسًا على عقب، لكن محرّك جوجل قد يكون أحد أكبر المستفيدين من هذا التغيير وليس العكس.
منافسون لم يتمكنوا من إسقاط جوجل
وبحسب تقرير أعدته ” The Washington Post”، فإن العودة إلى التاريخ تُظهر أنه عندما كانت هواتف آيفون، وتطبيقات فيسبوك وتويتر وإنستغرام جديدة نسبيًا، كان من الشائع أن نسمع من رواد وادي السيليكون، أن المستخدمين سيعتمدون على التطبيقات الذكية للوصول إلى مبتغاهم، بدلًا من البحث على جوجل، حيث قال أحد المستثمرين في مجال التكنولوجيا في عام 2010، إن كل ثانية يقضيها الناس على فيسبوك وكل إعلان يرونه هناك، تعني وقتًا وإعلانات أقل على جوجل، ولكن هذا السيناريو لم يحدث، إذ نجحت جوجل في التفوق على من شكّل تهديدًا لهيمنتها.
فصحيح أن الكثير من المستخدمين يلجأون اليوم إلى تيك توك وReddit وفيسبوك وYelp وأمازون وإنستغرام، عندما يريدون معرفة شيء ما أو يبحثون عن منتجات أو نصائح، لكن ما كان خاطئًا تمامًا هو الاعتقاد بأن هذه المصادر ستجعل المستخدمين أقل اعتمادًا على جوجل، حيث إن الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت البحث عبر جوجل أقوى وليس أضعف.
وهذا التوجّه تؤكده الأرقام الرسمية الصادرة عن جوجل، ففي عام 2010، أجرى مستخدمو الإنترنت مليارات عمليات البحث عبر محركها، بينما ارتفع هذا الرقم اليوم إلى تريليونات عمليات البحث.
أما من حيث الإيرادات، فقد جمعت جوجل في 2010 نحو 20 مليار دولار من الإعلانات، معظمها من الإعلانات المرتبطة بعمليات البحث، في حين أنها تسير في عام 2024 بخطى ثابتة نحو تحقيق قرابة 200 مليار دولار من الإعلانات ضمن عمليات البحث.
جوجل أمام خيارين
تقول مستشارة الذكاء الاصطناعي المعتمدة من أوكسفورد هيلدا معلوف، في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن النقاش يزداد حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي التوليدي، يشكل تهديدًا لهيمنة جوجل في مجال البحث عن المعلومات، فهذه التكنولوجيا الجديدة يمكن أن تجذبنا فعلًا بعيدًا عن جوجل بطرق لم تفعلها أي ابتكارات سابقة، ولكن مع إدراك حقيقة أن جوجل لا تقاوم غالبًا التكنولوجيات الجديدة، بل تسعى إلى تبنيها في أعمالها، فإن الخوف من أن يتسبب الذكاء الاصطناعي التوليدي في قتل محرّك البحث الأول في العالم، هو خوف غير مبرر.
وتشرح معلوف أن جوجل أمام خيارين، فإما أن تتحالف مع الذكاء الاصطناعي وتعزز مكانتها في عالم البحث، وإما أن تعتبر هذه التكنولوجيا الجديدة خصمًا شرسًا لها، متوقعة أن يعمد محرّك بحث جوجل إلى جعل الذكاء الاصطناعي أداة حليفة له، في عصر يبحث فيه المستخدمون عن إجابات فورية، خصوصًا أن جوجل تبرع في التكيّف مع العادات الجديدة لمستخدمي الإنترنت، وقد واكبت عملية انتقالهم من أجهزة الكمبيوتر إلى الهواتف الذكية، في وقت راهن الكثيرون على أن الهاتف الذكي، سيقتل جوجل التي كانت ترتكز أعمالها في السابق على أجهزة الكومبيوتر.
لماذا لن تسقط جوجل؟
تؤكد معلوف أن الذكاء الاصطناعي ليس نهاية جوجل، بل هو ترقية طبيعية لها، ولطريقة بحثنا عن المعلومات، فمحّرك البحث في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، لن يعود مجرد أداة لإيجاد المعلومات عبر عرض الروابط، بل سيتطور ليصبح نظامًا ذكيًا يتفاعل ويجري حوارات مع المستخدمين، ليقوم بتحليلها وتقديم إجابات سريعة ودقيقة بناءً على ما تعلمه منهم.
وبحسب معلوف فإن جوجل ليست متفرجًا في سباق الذكاء الاصطناعي، بل استثمرت بشكل مكثف في تطوير أدوات متقدمة، مثل Gemini ومحرك البحث المدمج بالذكاء الاصطناعي، كما أن الهيمنة الواسعة التي تتمتع بها في سوق الإعلانات الرقمية، وشبكة خدماتها المتكاملة، بما في ذلك يوتيوب وخرائط جوجل، تضمن استمرارها في صدارة مشهد البحث الرقمي، مما يجعل تهديدات منافسيها أقل واقعية مما يُروج له، مشيرة إلى أن قول جوجل أمام المحكمة إن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يقضي على محركها للبحث هو محاولة لجذب التعاطف أمام دعاوى قضائية تدعو إلى تقسيمها بتهمة الاحتكار.
خطأ يتكرر عبر الزمن
بدوره يقول المطور التقني فادي حيمور في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن التنبؤات بزوال جوجل كانت مخطئة في الماضي، وستكون مخطئة في الوقت الراهن، وربما يكون من الصواب أن نستنتج ما سيحصل في المستقبل، من الخطوات التي لجأت إليها شركة ألفابت مالكة جوجل، فور ظهور ChatGPT، حيث سارعت الشركة حينها إلى إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي توليدي منافس، يحمل حاليًا اسم Gemini وذلك لعدم ترك الساحة فارغة أمام منافستها الجديدة شركة OpenAI، فألفابت تعلم تمامًا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي هو تكنولوجيا خارقة، ولا يجب السماح لـOpenAI بقطف ثمار هذه التقنية بمفردها، علمًا أن نموذج Gemini لم يكن جاهزًا عند إطلاقه وكان يحمل اسم بارد سابقًا.
ويؤكد حيمور أن وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية، غيّرت كيفية حصولنا على المعلومات، وقضاء أوقاتنا، وحتى طرق إنفاق أموالنا، والآن، يأتي الذكاء الاصطناعي التوليدي، ليُعيد تشكيل هذه العادات مجددًا، مشددًا على أن البحث عن المعلومات على الإنترنت، سيتحول من عملية تقليدية إلى تجربة متطورة جدًا، حيث لن يحتاج المستخدم إلى تصفح عدة صفحات للوصول إلى مبتغاه، بل سيحصل على إجابات مخصصة لاحتياجاته الدقيقة، ولكن ما سيتغير في هذا السياق هو أن الساحة لن تبقى حكرًا على جوجل، إذ ستشهد تنافسًا محمومًا مع محركات بحث جديدة، مثل تلك التي تطورها OpenAI.