الذكاء الاصطناعي ربما ينهي عقلية الإجهاد لدى المبدعين

16

AI بالعربي – متابعات

ربما تعد مهنة التدريس أكثر المهن التي وقعت في إرباك شديد مع تقدم الذكاء الاصطناعي التوليدي على الواجهة، إذ تحتم على رواد المهنة إعادة النظر بصورة كاملة في طريقة التدريس وما يجب تدريسه فعلياً، بخاصة في المجلات، مثل التصميم والعمارة، مما يتطلب إعداد خطة عملية طويلة وجهداً شاقاً بالنظر إلى مستقبل غير مؤكد مليء بالقدرات والتطورات السريعة غير المتوقعة من قبل حتى كبرى شركاء الذكاء الاصطناعي.

ونحن على مشارف تحول كبير تبدو إعادة النظر في ما يجب تدريسه وكيفية تدريسه عملية متغيرة على طول طريق واعد، فكل تطور جديد مبتكر سيتطلب، حتماً، العودة إلى الخطة وتعديلها في ضوء المستجدات التكنولوجية، فمن دون فهم واضح لتأثير التقنيات الجديدة سيظل هذا الجدل عقيماً.

ما لا يجب تدريسه

وهنا يتفق أعضاء الهيئات التدريسية على أن التوافق على ما لا يجب تدريسه ربما يكون أقل صعوبة بعد تاريخ طويل من المتناقضات في هذا المجال، إذ يجب التوقف عن تدريس بعض الأشياء التي تبدو ثابتة في مدارس التصميم والعمارة، للمضي قدماً في إنهاء حالة الجمود المؤسساتي والثقافي.

وفي حين راهنت المدارس على مناهجها بسبب قدرتها على إنتاج مصممين عظماء، يأتي الذكاء الاصطناعي، اليوم، ليغير تلك الحسابات مقدماً حججاً جديدة لتطهير بعض الممارسات الأكثر تصلباً في ثقافة التصميم.

وفي هذا السياق، يرى إريك سيزل Eric J. Cesal مصمم ومعلم في جامعات ومعاهد عدة في مجال إعادة الإعمار والتصميم المستدام، أن ما كان بالأمس بمثابة تناقض مزعج قد يصبح غداً عائقاً حقيقياً، مما يعرض قدرتنا على تدريب المهندسين المعماريين الشباب وقدرتهم على مواصلة المهنة للخطر، وأن هناك أشياء تقليدية مستوطنة في العملية التعليمية يجب التخلص منها اليوم، بفضل الدافع والوسائل التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، منها عقلية الالتزام المحموم.

ثقافة الإجهاد

ويرى سيزل أن ثقافة الإهمال الذاتي والإرهاق في مدرسة التصميم لا تزال مشكلة قائمة وربما يصعب حلها، على رغم جهود عديد من مدرسي التصميم للحد منها، وهنا يعد إجهاد المصممين في دوامة السهر الطويل والعمل والإنتاج المستمر مأساة كبرى مع وجود الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يسرع عملية تصور وإنتاج التصاميم بصورة كبيرة.

وتعكس طريقة ذلك النوع من التعليم شكلاً من المازوشية، إذ ترتكز على تبني عقلية الالتزام المحموم بالاستمرار بالتكرار وتحسين العمل، وبأن هناك حلاً آخر أفضل قد يكون قاب قوسين أو أدنى، ومن هنا يبدو السهر طوال الليل وكأنه تعبير منطقي عن هذا الالتزام.

لكن الحقيقة أن هذا كان المبرر فحسب، أما السبب فهو أن اختبار الفكرة وإثباتها وإظهارها يستغرق وقتاً أطول بكثير من الحصول على الفكرة، إذ إن الدماغ البشري قادر على استلهام فكرة ما في أقل من ثانية، لكن اختبار الفكرة وإثباتها وإظهارها يتطلب تنفيذها على صورة كثير من الرسومات والنماذج، وبإمكاننا أن نعتبر هذا الكلام معقولاً بشرط واحد أن نتجاهل الآثار المترتبة على المدى البعيد.

تراجع القدرات الإبداعية

فبينما نسهر ليالي عدة متتالية لاختبار وإثبات فكرة واحدة، تتراجع قدراتنا الإبداعية بصورة مطردة، مما يعرض أفكارنا اللاحقة للخطر، والحقيقة أنه لا يمكن المبالغة في أهمية النوم للإبداع، إذ تظهر الأبحاث باستمرار أن الدماغ الذي يحظى بقسط وافر من الراحة يكون أكثر قدرة على توليد أفكار جديدة وحل المشكلات المعقدة والتفكير النقدي.

وفي المنافسة مع الآلات يشكل الحرمان من النوم عيباً تكتيكياً. وإذا كان الإبداع هو الحصن الداخلي لقلعة التصميم المعماري، فيجب علينا الدفاع عنه بأي ثمن من خلال الدفاع عن النوم والتوقف عن العمل طوال الليل، ولكن يسأل الطلاب هنا: كيف سننجز العمل إذاً؟

ويأتي جواب سيزل أنه “في مستقبل الذكاء الاصطناعي قد يبدو يوم طالب الهندسة المعمارية مشابهاً إلى حد كبير ليوم كاتب معاصر، بالنسبة إلى الكاتب المبدع، غالباً ما يتدفق الإلهام والإنتاج كفعل واحد”.

بين الكتابة والتصميم

باختصار، لديك فكرة؟ إذاً اكتبها ثم كررها، وراجعها ونقحها لاحقاً. فغالب الكتاب يلتزمون جدولاً زمنياً منضبطاً مصمماً خصيصاً لتحقيق أقصى قدر من الإبداع، مدركين أن العقل البشري لا يمكنه خوض عملية الإبداع إلى هذا الحد، ولفترة طويلة من دون الحصول على حاجاته من المدخلات مثل النوم والتمارين الرياضية والطعام.

والأمثلة كثيرة، على سبيل المثال يستيقظ هاروكي موراكامي في الرابعة صباحاً ولا يعمل إلا أكثر من خمس أو ست ساعات في اليوم. وفي فترة ما بعد الظهر يمارس الجري أو الكتابة أو يستمع إلى الموسيقى.

وحتى مايا أنجلو كانت تتبع الممارسة ذاتها، إذ تكتب فقط من السابعة صباحاً حتى الثانية ظهراً، ملتزمة تركيزها على نفسها إلى الحد الذي جعلها تبحث عن فندق وتستأجر غرفة صغيرة متواضعة تحوي سريراً فحسب. وبمجرد أن تغادر مكتبها كل يوم في الثانية ظهراً تعيش حياة طبيعية تتمثل في أداء المهام وتناول العشاء مع زوجها والحصول على قسط جيد من النوم ليلاً. ولا يمكن لأحد أن يجادل بأن موراكامي وأنجلو شخصان غير مبدعين أو غير ناجحين.

ولأن الرواية العظيمة لا تقل تعقيداً في بنيتها عن البناء العظيم، فيمكننا بسهولة تخيل طالب الهندسة المعمارية يعمل فترة ست ساعات فقط في اليوم مخصصة بأكملها للإبداع الخالص بينما تتولى الآلات الإنتاج، فمع تسارع استحواذ الذكاء الاصطناعي على الجوانب الميكانيكية الروتينية للتصميم، يجب على البشر تركيز جهودهم على تلك الأشياء التي يستطيع الإنسان القيام بها فحسب، لذا على الطلاب أن ينفذوا تصميماتهم ويبذلوا قصارى جهدهم ثم يغادروا الاستوديو في ساعة معقولة، والعودة إلى المنزل أو الخروج لمقابلة أشخاص في أعمارهم نفسها، ويفضل من تخصصات أخرى، وممارسة هواية، أو الانضمام إلى ناد أو فريق رياضي.

ويختم سيزل “الحياة هي المادة التي تتكون منها الهندسة المعمارية، والحب والخسارة والمخاطرة والفشل هي المحركات التي تحفز وتغذي أي إبداع حقيقي، والنوم هو الزيت الذي يبقي هذه المحركات في حالة عمل، لذا فلنحصل على قسط وافر من النوم وندع الآلات تتولى أمر السهر والعمل طوال الليل”.

اترك رد

Your email address will not be published.