الذكاء العاطفي والثقافي في عصر الذكاء الاصطناعي

20

AI بالعربي – متابعات

في ظل التقدم السريع للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يواجه العالم تحديات جديدة تتطلب إعادة تقييم القيم الإنسانية الأساسية. يبرز الذكاء العاطفي والثقافي كعناصر ضرورية لضمان التفاعل الفعّال بين الأفراد والتكنولوجيا، حيث يساعدان في تعزيز التواصل الفعّال والتفاهم بين مختلف الثقافات. إن الذكاء العاطفي يمكن الأفراد من إدارة عواطفهم وعواطف الآخرين بطرق إيجابية، مما يسهم في تقليل التوتر وبناء علاقات متينة. بينما يعزز الذكاء الثقافي القدرة على التكيف مع بيئات متنوعة وفهم الفروق الثقافية. في عصر يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي، يصبح التوازن بين هذه الجوانب الإنسانية والتكنولوجيا أمرًا حيويًا لضمان استدامة ونجاح المجتمعات. من خلال فهم وتطوير الذكاء العاطفي والثقافي، يمكننا تحقيق تكامل إيجابي بين الإنسان والتكنولوجيا، مما يسهم في بناء مستقبل أفضل للجميع.

مفهوم الذكاء العاطفي والذكاء الثقافي

الذكاء العاطفي يُعرَّف بأنه القدرة على فهم وإدارة المشاعر، سواء كانت مرتبطة بالفرد نفسه أو بالآخرين، بطريقة تساهم في تقليل التوتر وتعزيز التواصل الفعّال والتعاطف. يُعتبر الذكاء العاطفي عاملاً مهمًا في بناء علاقات قوية وتحقيق النجاح على المستويين الشخصي والمهني. كما يمنح الفرد القدرة على التواصل بوعي مع مشاعره، وتحويل النوايا إلى أفعال ملموسة، واتخاذ قرارات تتماشى مع قيمه وأهدافه.

يتكون الذكاء العاطفي من خمسة عناصر أساسية، التي قدَّمها عالم النفس دانيال جولمان لأول مرة. هذه العناصر تشمل: الوعي الذاتي، الذي يتضمن القدرة على فهم العواطف الشخصية وعواطف الآخرين وتأثيرها على السلوك والتحكم الذاتي الذي يتمثل في إدارة العواطف بمرونة؛ والتحفيز الذاتي الذي يتعلق بقدرة الشخص على تحفيز نفسه دون الاعتماد على محفزات خارجية؛ والمهارات الاجتماعية التي تمكِّن الشخص من التفاعل الفعَّال مع الآخرين؛ والتعاطف الذي يساعد في فهم مشاعر الآخرين والاستجابة بشكل مناسب.

أمَّا الذكاء الثقافي هو قدرة الفرد على التفاعل، والتواصل، والتكيف بنجاح مع ثقافات متنوعة، ويقاس هذا الذكاء بناءً على الدرجة التي يحصل عليها الطالب في مقياس الذكاء الثقافي بأبعاده الأربعة: ما وراء المعرفة، والمعرفة، والدافع، والسلوك.

يشمل هذا المقياس عدة أبعاد، الأول هو ما وراء المعرفة (Meta-Cognitive Cultural Intelligence)، الذي يشير إلى قدرة الفرد على التخطيط أثناء التفاعل مع بيئات ثقافية متنوعة، والوعي الثقافي الناتج عن التعامل مع أفراد من خلفيات مختلفة. البعد الثاني هو المعرفة (Cognitive Cultural Intelligence)، الذي يتعلق بفهم الممارسات والمعايير المشتركة والاختلافات في بيئات ثقافية أخرى. البعد الثالث هو الدافع (Motivational Cultural Intelligence)، الذي يقيس قدرة الفرد على توجيه انتباهه وطاقته نحو التعلم والتفاعل بفاعلية في المواقف التي تتسم بتنوع ثقافي. أما البعد الرابع، فهو السلوك (Behavioral Cultural Intelligence)، الذي يركز على استخدام السلوكيات اللفظية وغير اللفظية المناسبة عند التعامل مع أشخاص من ثقافات مختلفة.

دور الذكاء الاصطناعي في تغيير الديناميكيات البشرية

يؤدي الذكاء الاصطناعي دورًا حيويًا في تغيير الديناميكيات البشرية من خلال إعادة تشكيل كيفية تفاعل الأفراد مع التكنولوجيا ومع بعضهم البعض. يساعد الذكاء الاصطناعي في أتمتة العديد من المهام اليومية، مما يزيد من كفاءة العمل ويوفر الوقت، مما يسمح للأشخاص بالتركيز على المهام الأكثر إبداعية وإنسانية. علاوة على ذلك، يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الاتصال والتواصل بين الأفراد، من خلال تطبيقات مثل المساعدات الافتراضية والبرامج التفاعلية التي تسهل تبادل المعلومات وتعزيز التعاون. وفي النهاية، يعيد الذكاء الاصطناعي تعريف العلاقات الاجتماعية والعملية، مما يجعل التفاعل الإنساني أكثر تعقيدًا وتنوعًا، ويحفز على تطوير مهارات جديدة تتماشى مع المتطلبات التكنولوجية الحديثة.

فبحسب بحث منشور منذ عام 2013، بعنوان:  “Determining Human Dynamics through the Internet of Things,” ، خلال منتدى “المؤتمرات الدولية المشتركة حول ذكاء الويب” ” International Joint Conferences on Web Intelligence (WI) and Intelligent Agent Technologies (IAT)

Determining Human Dynamics through the Internet of Things ” فإنَّ إمكانيات الذكاء الاصطناعي في بناء حلول تعتمد على فهم السلوكيات البشرية، والقدرة على اكتشاف الأنماط من خلال تفاعلاتها مع العالم تتوسع بفضل قدرات إنترنت الأشياء. ويُعرف هذا الإمكان الموصوف، المعروف باسم الديناميكيات البشرية، بأنه يسعى لوصف سلوكيات وأنشطة البشر في الوقت الحقيقي.

أهمية الذكاء العاطفي في بيئات العمل الحديثة

  • تحسين التواصل: يتمتع الموظفون الذين يمتلكون ذكاءً عاطفيًا عاليًا بمهارات متقدمة في التعبير عن أفكارهم بوضوح والاستماع بشكل فعّال. يعزز ذلك التواصل الصادق والمفتوح، مما يسهم في تحسين التعاون وتقليل النزاعات داخل الفرق.
  • القيادة الفعالة: يتمكن القادة ذوو الذكاء العاطفي العالي من تحفيز وإلهام فرقهم، مما يؤدي إلى زيادة التفاعل والإنتاجية بين الموظفين. كما يتمتعون بالقدرة على فهم احتياجات ومخاوف مرؤوسيهم، مما يعزز من ثقافة العمل الإيجابية.
  • حل النزاعات: يتمتع الموظفون ذوو الذكاء العاطفي بقدرة كبيرة على إدارة النزاعات بشكل بنّاء. فهم يتسمون بالتعاطف ويعتمدون على عقلية حل المشكلات، مما يساعدهم في البحث عن حلول تعود بالفائدة على جميع الأطراف المعنية.
  • القدرة على التكيف والمرونة: يمكن الذكاء العاطفي الأفراد من التكيف مع التغيرات والتعافي من النكسات. في بيئة العمل المتغيرة بسرعة، يستطيع الأفراد ذوو الذكاء العاطفي القوي مواجهة عدم اليقين والتحديات بسهولة أكبر.
  • رضا العملاء: يتمتع الموظفون الذين يمتلكون ذكاءً عاطفيًا عاليًا بحساسية أكبر لاحتياجات ومشاعر العملاء. هذا يمكنهم من تقديم خدمة متعاطفة وشخصية، مما يزيد من رضا العملاء وولائهم.

التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري والثقافي

بدا العالم مقتنعًا بضرورة التكامل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري، كون هذا التكامل مفتاحًا لتحقيق مستقبل مزهر. فأصبحت فكرة التعايش والاستفادة لأبعد مدى من نقاط قوة كل منهما. والعمل على تطوير هذه التقنيات بحكمة وأخلاقية، يضمن تحقيق أقصى استفادة ممكنة لجميع أفراد المجتمع.

ويشهد العالم اليوم تقدمًا مذهلاً في مختلف المجالات الحيوية، حيث يتزامن هذا التطور مع توافر كميات هائلة من البيانات التي تعزز فعالية الخوارزميات. وتُعتبر الخوارزميات، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى العالم العربي الشهير أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي عاش في القرن التاسع الميلادي، مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية المتسلسلة التي تستخدم لحل المشكلات والإجابة عن العديد من المسائل. وقد تم تطبيق هذه الخوارزميات في مجالات متعددة، مما جعلها جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية في العصر الحديث.

الذكاء العاطفي والثقافي “محل التجربة البحثية”

في مؤتمر كشف باحثون صينيون في المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي – الذي أُقيم في مركز شانغهاي للمعارض والمؤتمرات العالمي- عن “Guanghua No1″، وهو روبوت بشري عاطفي يعد الأول من نوعه في تقديم المساعدة للمسنين وخدمات الرعاية الصحية. يتميز الروبوت بقدرته على الاستجابة عاطفيًا لأربعة مشاعر رئيسية (السعادة، والغضب، والحزن، والفرح) وبـ45 مفصلًا ذكيًا تتيح له الحركة بشكل مرن والمشي في وضع مستقيم. يتم حاليًا اختبار الروبوت لتحسين دقته وسلامته، خصوصًا في مهام مثل مساعدة كبار السن على النهوض من السرير، مع خطة لإصدار نسخة تجريبية بحلول نهاية العام. ورغم صعوبة محاكاة العمق العاطفي للبشر، فإن التوقعات تشير إلى إمكانية تحقيق مستويات عالية من الذكاء العاطفي في المستقبل بفضل التطوير المستمر وتدريب الروبوتات على بيانات أوسع.

في كتابه “البالغون الرقميون: كيف يغير جيل الإنترنت العالم” Grown up digital: How the Net generation is changing your world”، الصادر في عام “2009” يستعرض دوف تابسكوت تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على جيل الشباب الذي نشأ في عصر التقنية الرقمية. يقدم الكتاب رؤية شاملة حول كيفية تأثير هذا الجيل على المجتمع والاقتصاد والثقافة. ويناقش تابسكوت التغييرات في عادات الشباب وتفضيلاتهم في التواصل والتعلم والعمل، مشيرًا إلى أنهم يتمتعون بقدرة فريدة على الوصول إلى المعلومات بسرعة وسهولة عبر الإنترنت، ويملكون إمكانيات غير مسبوقة للمشاركة والتفاعل مع المحتوى. وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية، يتمكن هذا الجيل من الحفاظ على اتصال دائم مع الأصدقاء والعائلة، ومشاركة الأفكار والمعلومات بسلاسة.

ختامًا، لا يوجد تضارب بين الذكاء العاطفي والثقافي من جهة والذكاء الاصطناعي من جهة أخرى، حيث يمتلك كل منهما ميزاته الفريدة في مجالات المعرفة والتعلم. إن التعايش والتكامل بينهما هو المفتاح لبناء مستقبل مشرق. لذا، يجب علينا الاستفادة من نقاط القوة في كل منهما وتطوير هذه التقنيات بحكمة وأخلاقية، لضمان تحقيق توازن فعّال يعود بالنفع على المجتمع ككل.

اترك رد

Your email address will not be published.