كيف يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير الترفيه؟

9

AI بالعربي – متابعات

صار الترفيه جزءًا أساسيًا من حياتنا، فهو يؤدي دورًا كبيرًا في تعزيز جودة الحياة وصحتنا النفسية. ويساعد على تخفيف التوتر والضغوطات اليومية، مما يمكننا من التفاعل بشكل إيجابي مع محيطنا والعمل بكفاءة أكبر. كما يعزز من قدرتنا على الاسترخاء وتجديد الطاقة، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على الأداء في العمل والحياة الشخصية. فالترفيه – اليوم – يُسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية وتقوية العلاقات بين الأفراد. إذ من خلال الأنشطة الترفيهية المشتركة، يمكننا بناء صداقات جديدة والتواصل بشكل أعمق مع الأصدقاء والعائلة. هذا التفاعل الاجتماعي ليس مفيدًا فقط للمتعة، بل يعزز أيضًا الشعور بالانتماء والدعم الاجتماعي، مما يسهم في تحسين الصحة العامة والرفاهية الشخصية.

ولمَّا كان الترفيه – كما سلف – يسهم في تعزيز الروابط وخلق التفاعل الإيجابي، فإذًا يمكننا القول بأنَّه “صَنْعَة”، يجب تقديمه كخدمة بشكل يقارب التوقعات ويساند الأمزجة المختلفة؛ لهذا يكون اللجوء لمجال الذكاء الاصطناعي ممكنًا، لما يحقق من ثورة في هذا المجال، وما يقدِّمه من خدمات مثل “خدمات الترفيه”، سواء خلال تخصيص التجارب لتلبية اهتمامات الأفراد بدقة أو تنفيذ مُحاكاة لشيء ما، أو تقديم مضامين الأفلام والموسيقى والألعاب. فالمهمِّ أن يتم الاعتماد على تحليل بيانات المستخدمين بشكل أكثر ذكاء “More intelligent“، فيمكِّن المنصات – حينها – من تقديم توصيات مخصصة تجعل من التجربة أكثر تفاعلاً وجاذبية.

على مستوى مسايرة عقول النشء والشباب، يعزز الذكاء الاصطناعي من تطوير محتوى ترفيهي مبتكر، مثل إنشاء سيناريوهات جديدة للأفلام والموسيقى وتصميم ألعاب فيديو ذكية، وعلى مستويات أكثر تقدُّمًا لتعميم المعرفة كالسياحة الذكية الترفيهية المعتمدة على الواقع المعزَّز، باستخدام تقنيات التعلم الآلي وتحليل الصور، ومن ثَمَّ تحسين جودة الإنتاج ورفع مستوى الإبداع والواقعية، مما يسهم في إثراء التجربة الترفيهية.

تاريخ تطوير الذكاء الاصطناعي الترفيهي على مدار عقدين

في بداية الألفية الثالثة، وتحديدًا في عام 2000، شهد الذكاء الاصطناعي قفزات كبيرة في مجال الترفيه، حيث بدأ في توفير أدوات جديدة للفنانين والمنتجين أثرت بشكل ملحوظ على تأليف الموسيقى والأفلام. في مجال ألعاب الفيديو، أصبحت الشخصيات غير القابلة للتحكم من قبل اللاعبين (NPCs) أكثر ذكاءً وتفاعلاً بفضل الخوارزميات المتقدمة للذكاء الاصطناعي، مما عزز من واقعية الألعاب وجعلها أكثر إثارة وتفاعلًا.

في عام 2011، شكّل فوز IBM Watson في لعبة Jeopardy نقطة تحول مهمة في مجال معالجة اللغة الطبيعية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا الإنجاز مهد الطريق لظهور تقنيات جديدة، مثل تقنيات التزييف العميق (deepfake) التي برزت في عام 2014، والتي أتاحت مزيدًا من التطورات والابتكارات في هذا المجال الحيوي والمعقد، مما جعل الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطوير الترفيه والوسائط المتعددة.

في عام 2020، أظهر الذكاء الاصطناعي التوليدي قدرات متقدمة في توليد نصوص شبيهة بالنصوص البشرية، مما فتح آفاقًا إبداعية جديدة في إنتاج المحتوى الرقمي. كما ساهم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز في خلق بيئات افتراضية واقعية وتفاعلات أقرب إلى الطبيعة، مما أضفى على هذه التقنيات طابعًا مبتكرًا وأثرى من تجربة المستخدمين.

الذكاء الاصطناعي وصناعة الترفيه

ربَّما في بداية الأمر يرى كثيرون أنَّ الذكاء الاصطناعي هو مجرد تغيير شكل ومفهوم الحياة الترفيهية وتحقيق مرادات الناس واستيفاء الحاجات المختلفة، إلَّا أننا بمعرِضِ هذا العنوان يتحتَّم علينا أن نفرِّق بين نوعي الذكاء الاصطناعي في صناعة الترفيه أو – لكي نكون نكون بشكل أقرب – تقديم الخدمة الترفيهية الذكية للجمهور المستخدم، والتي تأتي على مجالين أو مفهومين حديثين:

الأول General AI or Strong AI (Artificial Intelligence)، والثاني Narrow AI or Weak AI (Artificial Intelligence).

الذكاء الاصطناعي العام (General AI) هو النوع من الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن فيه التفرقة بين ما يقوم به الإنسان البشري والآلة، حيث يستطيع أداء وظائف معرفية معقدة تشبه ما يقوم به الإنسان.

الذكاء الاصطناعي الضيق أو الضعيف (Narrow AI أو Weak AI)، هو النوع الذي يستطيع أداء مهام محددة جدًا، مثل بعض برامج الألعاب، ولا يمكنه تنفيذ سوى جزء ضئيل مما يستطيع الإنسان القيام به. هذا هو محور صناعة الترفيه، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي، بقدراته التحليلية القوية وباستخدامه للبيانات الضخمة المعالجة مسبقًا، أن يحسّن الأداء بشكل ملحوظ في مجالات محددة للغاية. على سبيل المثال، يتم استخدامه في تطوير ألعاب الفيديو، حيث يقوم بإنشاء شخصيات ذكية تتفاعل مع اللاعب بطرق مبتكرة وتقدم تحديات مخصصة. كما يُستخدم في تحسين تجارب المستخدمين من خلال التوصيات الشخصية في منصات بث الأفلام والموسيقى، حيث يحلل الذكاء الاصطناعي اهتمامات المستخدمين ويوفر محتوى مخصصًا يتناسب مع أذواقهم.

بالإضافة إلى ذلك، يتم توظيف الذكاء الاصطناعي الضيق في إنتاج مؤثرات بصرية وصوتية متقدمة، مما يعزز من جودة الإنتاجات السينمائية والبرامج التلفزيونية. هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يسهم في زيادة الابتكار في صناعة الترفيه، حيث يمكنه تنفيذ مهام محددة بكفاءة عالية، فيسمح بذلك لصانعي المحتوى بالتركيز على جوانب إبداعية أخرى.

نماذج تطوير الذكاء الاصطناعي الترفيهي “عالميًا”

تأتي الولايات المتحدة في الصدارة، إذ تعمل باستمرار على دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في صناعة الترفيه، فقد تم تشكيل فرق عمل متخصصة لدراسة كيفية تطبيق هذه التقنية على مختلف الأنشطة الترفيهية. ورغم معارضة بعض الكتّاب والممثلين في هوليوود، تتوقع الشركات أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى خفض تكاليف الإنتاج وتطوير منتجات جديدة، مع تحسين تجربة العملاء. تشجع التجربة البريطانية على الإبداع، حيث يستخدم صناع الأفلام في المملكة المتحدة الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء رسومات متحركة وتحريك شخصياتها بدقة، بالإضافة إلى تحسين مزامنة الشفاه. تساهم هذه التقنية في توفير وقت وموارد كبيرة مقارنة بالإنتاج التقليدي. وفي عاصمة الجمال فرنسا تمَّ إنشاء صندوق إبداعي لتطوير تنسيقات جديدة للعروض التلفزيونية، مع التركيز على استكشاف إمكانيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. هذا الصندوق يهدف إلى دعم المنتجين والعلامات التجارية لإنشاء تنسيقات مبتكرة تعيد تعريف عملية الإنتاج.

لكن التجربة الآسيوية تأتي بشكل فريد يعمل على دمج القدرات كالصين التي دمجت الذكاء الاصطناعي التوليدي في الألعاب الإلكترونية لتخصيص شخصيات اللعبة وتوليد الحوارات داخلها، مما يعزز من تفاعل اللاعبين ويبني مجتمعات افتراضية قوية. وربما نستنبط من هنا العقلية التجارية لهذا العملاق الذي يرى مستهدفات أكثر اقتصادية وتحقيقًا للأرباح المالية، وخلق سوق صناعية في هذا المجال. بخلاف اليابان التي سعت نحو تطوير مطربين افتراضيين مدعومين بالذكاء الاصطناعي، اللذين يؤديان حفلات موسيقية، ويثيران التفاعل المتبادل، مع المعجبين بشكل يطمس الفجوة بين الواقع والترفيه الرقمي.

نماذج عربية في استخدام تطوير الذكاء الاصطناعي في مجال الترفيه الترفيه

وبالانتقال داخل القارة الآسيوية تنتهز المملكة العربية السعودية في هذا المجال الفرص المتاحة للاستفادة من قدرات (AI)، في إطار تطوير السياحة الترفيهية واستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي داخل البلاد بتطبيق تقنية الواقع الافتراضي في تجارب الحج والعمرة، والتي وفَّرت بيئة محاكاة ثلاثية الأبعاد تتيح للمستخدمين في استكشاف شعائر الحج والعمرة بطرق تفاعلية تيسِّر تجربة الجولات الافتراضية والتعلم عن هذه الشعائر بطريقة تعليمية مبتكرة، والإسهام في تقديم فهم أعمق للتاريخ والثقافة الإسلامية من خلال محاكاة التراث الإسلامي وزيارة المواقع الدينية والتراثية بشكل افتراضي، مما يجعل هذه التجارب أكثر جاذبية وسهولة للزوار. وعملت حكومة المملكة على دعم وتطوير قطاع السياحة عبر ما يعرف بتأسيس المنظومة السياحية الكاملة من خلال دمج الأنظمة والتطبيقات الذكية في عكس الصورة الافتراضية التي تتميز بها مدينة “نيوم الذكية” للمواطنين والسائح خارج المملكة، وتبنِّي تطبيقات الواقع الممتد للسياحة (مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز).

في مصر، تم استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال التراث الأثري من خلال تقنية “الرؤية بالحاسب” (Computer Vision)، التي تعتبر أحد فروع الذكاء الاصطناعي. وتم تطبيق هذه التقنية لتحليل نتائج المسح الضوئي ثلاثي الأبعاد لبعض القطع الأثرية المهمة في المتاحف المصرية، خاصة تلك التي قد تكون بحاجة إلى ترميم أو تفتقر إلى أجزاء معينة. من خلال هذا التحليل، يتم تنفيذ عمليات ترميم افتراضية لتلك القطع، مع البحث عن أفضل الطرق لترميمها واستعادة الأجزاء الناقصة بطريقة دقيقة، مما يعزز من دور الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على التراث الأثري.

مميزات وتحديات اعتماد الذكاء الاصطناعي في تطوير الترفيه

مميزات الذكاء الاصطناعي في الترفيه

أولاً، الذكاء الاصطناعي يتميز بالكفاءة والدقة، حيث يمكنه التعامل مع كميات هائلة من البيانات وتحليلها بسرعة تفوق القدرات البشرية، مما يجعله أداة فعالة في تطوير الترفيه. على سبيل المثال، يمكنه تحسين جودة الصور والفيديو في الأفلام من خلال استخدام تقنيات التعلم الآلي والتزييف العميق، مما يعزز من واقعية المشاهد ويساهم في إبداع أعمال سينمائية متميزة. بالإضافة إلى ذلك، يسهم الذكاء الاصطناعي في خفض التكاليف من خلال تقليل الحاجة إلى عدد كبير من الموظفين في المهام الروتينية، مما يتيح للفرق البشرية التركيز على جوانب إبداعية أكثر تعقيدًا.

تحديات (عوائق) الذكاء الاصطناعي في الترفيه

على الرغم من فوائده الكبيرة، يواجه الذكاء الاصطناعي تحديات عدة في مجال الترفيه. أولاً، هناك مشكلة السيطرة، حيث إن الذكاء الاصطناعي قد يصبح خطيرًا إذا تم استخدامه بشكل غير مسؤول، خاصة في تقنيات مثل تقنية التزييف العميق التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير متوقعة ومدمرة. ثانياً، يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه يفتقر إلى العاطفة، مما يجعله غير قادر على التعامل مع بعض الجوانب الإنسانية الدقيقة التي تتطلب تفكيرًا معقدًا. ثالثًا، هناك خطر تدهور الذكاء الاصطناعي بمرور الوقت إذا لم يتم تحديثه وصيانته بشكل دوري، مما قد يؤدي إلى فشل الأنظمة الترفيهية التي تعتمد عليه.

وختامًا، يظل الترفيه جزءًا أصيلاً في تكوين الحياة البشرية، لا سيَّما وقد صار ضلعًا في مجالات التثقيف واستعراض المعرفة العامة. لكن وجب التنويه والانتباه بأنَّ الدول الأكثر تقدُّمًا لها نظرة تختلف بكثير عن نظرة الدول العربية والنامية، التي سيكون الترفيه أمام ناظري مواطينيها أمرًا غير متحقق بشكل صريح.

اترك رد

Your email address will not be published.