انتحار الروبوت

انتحار الروبوت

حسن مدن

سنكرر العبارة القائلة “صدّق أو لا تصدّق” ونحن نقرأ خبر “انتحار” روبوت في كوريا الجنوبية. لا مزاح هنا. الخبر الرسمي المذاع يتحدث عن حالة انتحار بالفعل. مَن منا كان يتوقع أن نبلغ يومًا نقرأ فيه خبراً كهذا. اعتدنا قراءة ومشاهدة ما يتصل بالروبوتات وكفاءتها في إنجاز مهام مُعقدة كان الإنسان وحده من ينجزها. وشاعت، ولا تزال، مخاوف من أن تؤدي هذه الروبوتات إلى الاستغناء عن عقل الإنسان وربما يديه أيضاً، طالما أصبحت هذه الروبوتات قادرة على أن تحلّ مكانه، فلماذا لا يرتاح الإنسان وينصرف إلى أمور أخرى مُسليّة يقضي بها أوقات فراغه، التي ستكون فائضة؟

الحديث دار، ويدور، أيضًا عن أن هذه الروبوتات التي ابتكرها عقل الإنسان وصنعها بيديه يمكن أن تتغلب عليه وتشكل خطرًا عليه أيضًا. كل هذا قرأنا عنه وسمعنا لكن لم يخطر في البال أن نقرأ خبراً في منتهى الجدية والصرامة عن “انتحار” الروبوت.

جرى الاهتمام بتفاصيل الواقعة حين نقل عن شهود عيان أن الروبوت، قبيل “انتحاره”، شوهد وهو يدور حول نفسه كما لو أن خطبًا ما قد أصابه، ونكاد نقرأ ما يشبه النعي لهذا الروبوت لا يختلف، في جوهره، عن النعي الذي يقال بعد وفاة الإنسان. مسؤول في البلدية الواقعة في وسط كوريا الجنوبية التي كان الروبوت “يعمل” فيها قال متأسيًا عليه: “لقد كان رسميًا جزءًا من مجلس المدينة وكان واحدًا منا”، موضحًا أنه، أي الروبوت، كان يعمل من الساعة 9 صباحًا حتى 6 مساء، وكانت لديه بطاقة خدمة عامة خاصة به.

في كوريا الجنوبية “لا يمزحون بشأن حياة الروبوتات، ويأخذون الأمر على محمل الجد”. هكذا قال المسؤول البلدي. وليست البلدية المعنيّة وحدها من نعى الروبوت وتأسى على “رحيله” منتحرًا. الصحف المحلية بدورها تناولت الموضوع أيضاً، وتساءلت إحداها على الصفحة الأولى “لماذا تصرف هذا الموظف الحكومي المجتهد بهذه الطريقة؟”، أو ما إذا كان “العمل شاقًا للغاية بالنسبة للروبوت”. لم يكن هذا مجرد “كلام على ورق” كما يُقال، فالبلدية أعلنت فتحها تحقيقًا إثر إلقاء الروبوت بنفسه من أعلى الدرج، لدرجة تجعلنا نغبط الروبوت “المرحوم” على كل هذا الاهتمام الذي ناله، والذي يتمنى ملايين البشر لو نالوا القليل منه في حال أصابهم مكروه.

صحيح أن الروبوت الذي “أنهى” حياته كان يساعد منذ عام تقريبًا سكان مدينة غومي على القيام بمهام إدارية، كما قال إعلان “نعيه”، لكن ما أكثر البشر الذين خدموا ناسهم وأوطانهم بإخلاص وتفانٍ عقودًا متتالية، وليس أقلّ من سنة فقط، ولم يجد خبر رحيلهم سطرًا واحدًا في الصحف أو وكالات الأنباء.

المصدر: الخليج

Related Posts

شراكة بين مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار و”هيوماين” لتعزيز ريادة السعودية في الذكاء الاصطناعي قبيل انطلاق FII9

AI بالعربي – متابعات في خطوة تؤكد تصاعد مكانة المملكة العربية السعودية في مجال الذكاء الاصطناعي، وقّعت مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار (FII Institute) اتفاقية شراكة إستراتيجية مع شركة “هيوماين”، التابعة…

جيل Z بين الواقع والذكاء الاصطناعي: دراسة تكشف أزمة الثقة في التواصل المهني

AI بالعربي – متابعات أظهرت دراسة حديثة أن نصف موظفي جيل Z تقريبًا باتوا يعتمدون على الذكاء الاصطناعي في التفاعل مع زملائهم، ويخشون خوض المحادثات المباشرة دون مساعدة من أدوات…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات

الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

  • أكتوبر 12, 2025
  • 187 views
الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

  • أكتوبر 1, 2025
  • 276 views
حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

  • سبتمبر 29, 2025
  • 286 views
الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

  • سبتمبر 26, 2025
  • 228 views
تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

  • سبتمبر 24, 2025
  • 259 views
كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

  • سبتمبر 18, 2025
  • 190 views
الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف