جهاز يترجم “الكلام الداخلي” في الدماغ

18

Miryam Naddaf, Nature Magazine

طوّر العلماء زراعات دماغية يمكنها فك شفرة الكلام الداخلي، وذلك بتحديد الكلمات التي نطق بها شخصان في عقولهما دون تحريك شفاههما أو إصدار صوت.

على الرغم من أن التكنولوجيا لا تزال في مراحلها الأولية، التي أظهرت فعاليتها مع عدد قليل من الكلمات فقط وليس العبارات أو الجمل، فإنها قد تمتلك تطبيقات سريرية في المستقبل.

حققت بعض أجهزة واجهة الدماغ – الكمبيوتر (BCI) التي تترجم إشارات الدماغ إلى نص، سرعات تراوحت بين 62 و78 كلمة في الدقيقة. ومع ذلك، تم تدريب هذه التقنيات على فهم الكلام الذي يتم نطقه جزئيًا أو تمثيله بحركات.

الدراسة الأخيرة – التي نُشرت في مجلة Nature Human Behaviour في 13 مايو – هي الأولى التي تفك شفرة الكلمات التي يتم التحدث بها بالكامل داخليًا، من خلال تسجيل الإشارات من الخلايا العصبية الفردية في الدماغ في الوقت الفعلي.

تقول “سيلفيا ماركيزوتي”، مهندسة عصبية في جامعة جنيف بسويسرا: “هذه الدراسة ربما تكون الأكثر تقدمًا حتى الآن في فك شفرة الكلام المتخيل”.

أما “سارة واندلت”، المهندسة العصبية والمؤلفة المشاركة في الدراسة التي كانت في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا في وقت إجراء البحث، فقالت: “هذه التكنولوجيا ستكون مفيدة بشكل خاص للأشخاص الذين لا يملكون أي وسيلة للحركة بعد الآن. على سبيل المثال، يمكننا التفكير في حالة مثل متلازمة الحبسة”.

تقنية قراءة العقل

قام الباحثون بزراعة مصفوفات من الأقطاب الكهربائية الصغيرة في أدمغة شخصين يعانيان من إصابات في الحبل الشوكي. وضعوا الأجهزة في الدرنة الزاوية الفوقية (SMG)، وهي منطقة في الدماغ لم تكن قد استُكشفت سابقًا في واجهات الدماغ – الكمبيوتر المخصصة لفك شفرة الكلام.

يقول “ماركيزوتي” إن تحديد أفضل الأماكن في الدماغ لزراعة واجهات الدماغ – الكمبيوتر، هو أحد التحديات الرئيسية لفك شفرة الكلام الداخلي. قرر المؤلفون قياس نشاط الخلايا العصبية في الدرنة الزاوية الفوقية (SMG) استنادًا إلى دراسات سابقة أظهرت أن هذا الجزء من الدماغ نشط في الكلام الصوتي الخفي، وفي مهام مثل تحديد ما إذا كانت الكلمات تتناغم.

بعد أسبوعين من زراعة مصفوفات الميكروإلكترود في الدرنة الزاوية الفوقية اليسرى للمشاركين، بدأ الباحثون في جمع البيانات. وقاموا بتدريب واجهة الدماغ – الكمبيوتر على ست كلمات (ميدان المعركة، رعاة البقر، البايثون، الملعقة، السباحة والهاتف) وكلمتين لا معنى لهما (نيفزيغ وبينديب). تقول “واندلت”: “كان الهدف هنا هو معرفة ما إذا كان المعنى ضروريًا للتمثيل”.

على مدى ثلاثة أيام، طلب الفريق من كل مشارك تخيل نطق الكلمات المعروضة على شاشة وتكرار هذه العملية عدة مرات لكل كلمة. ثم قامت واجهة الدماغ – الكمبيوتر بدمج قياسات نشاط دماغ المشاركين مع نموذج حاسوبي للتنبؤ بكلامهم الداخلي في الوقت الفعلي.

بالنسبة للمشارك الأول، استطاعت واجهة الدماغ – الكمبيوتر التقاط إشارات عصبية مميزة لجميع الكلمات وتمكنت من تحديدها بدقة 79%. ولكن، كانت دقة فك الشفرة 23% فقط للمشارك الثاني، الذي أظهر تمثيلاً تفضيليًا لكلمتي “ملعقة” و”سباحة” وكان لديه عدد أقل من الخلايا العصبية التي كانت نشطة بشكل فريد لكل كلمة. تقول “واندلت”: “من الممكن أن تكون المناطق الفرعية المختلفة في الدرنة الزاوية الفوقية مشاركة أكثر أو أقل في العملية”.

يعتقد “كريستيان هيرف”، عالم الأعصاب الحسابي في جامعة ماستريخت في هولندا، أن هذه النتائج قد تسلط الضوء على الطرق المختلفة التي يعالج بها الأشخاص الكلام الداخلي. وتضيف “ماركيزوتي”: “أظهرت الدراسات السابقة أن هناك قدرات مختلفة في أداء المهمة المتخيلة وأيضًا قدرات مختلفة في التحكم بواجهة الدماغ – الكمبيوتر”.

وجد المؤلفون أيضًا أن 82-85% من الخلايا العصبية التي كانت نشطة أثناء الكلام الداخلي، كانت نشطة أيضًا عندما نطق المشاركون الكلمات بصوت عالٍ. ولكن بعض الخلايا العصبية كانت نشطة فقط أثناء الكلام الداخلي، أو استجابت بشكل مختلف لكلمات محددة في المهام المختلفة.

 

الخطوات التالية

على الرغم من أن الدراسة تمثل تقدمًا كبيرًا في فك شفرة الكلام الداخلي، فإن التطبيقات السريرية لا تزال بعيدة المنال، ولا تزال هناك العديد من الأسئلة دون إجابة.

يقول “هيرف”: “المشكلة مع الكلام الداخلي هي أننا لا نعرف ما الذي يحدث وكيف تتم معالجته”. على سبيل المثال، لم يتمكن الباحثون من تحديد ما إذا كان الدماغ يمثل الكلام الداخلي صوتيًا (حسب الصوت) أو دلاليًا (حسب المعنى). ويضيف “هيرف”: ” أعتقد أن ما نحتاج إليه هو مفردات أكبر للتجارب”.

تتساءل “ماركيزوتي” أيضًا عما إذا كان بالإمكان تعميم التكنولوجيا على الأشخاص الذين فقدوا القدرة على الكلام، نظرًا لأن المشاركين في الدراسة قادرون على الكلام ولديهم مناطق دماغية سليمة مسؤولة عن الكلام. تقول: “هذا واحد من الأمور التي أعتقد أنه يمكن معالجتها في المستقبل”.

الخطوة التالية للفريق ستكون اختبار ما إذا كان بإمكان واجهة الدماغ – الكمبيوتر التمييز بين حروف الأبجدية. يقول “واندلت”: “ربما يمكننا أن نحصل على جهاز تهجئة للكلام الداخلي، من شأنه أن يساعد المرضى على تهجئة الكلمات”.

 

المصدر: Scientific American

 

اترك رد

Your email address will not be published.