تصريح إجباري عن العملاء الأجانب

وتصاعدت حدة العداء التكنولوجي بين أميركا والصين  خلال 2024، فمع بداية الشهر الأول من السنة أعلنت شركة ASML الهولندية، الاستجابتها لقيود أميركية جديدة تمنع بيع بعض أنواع آلات تصنيع الرقائق للشركات الصينية. لينتهي الشهر باقتراح أميركي جديد، يوسّع نطاق الصراع التكنولوجي مع الصين، ويستهدف إجبار الشركات السحابية الأميركية، على التصريح عن كل عميل أجنبي يستغل قوتها الحاسوبية لتغذية تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وقالت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو إن بلادها تريد من مقدمي الخدمات السحابية الأميركيين، تحديد العملاء الأجانب الذين يقومون بتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي على منصاتهم، والتحقيق معهم بشكل نشط، وذلك بهدف معالجة المخاطر الناتجة عن الاحتيال والسرقة وتسهيل الإرهاب وغيرها من الأنشطة التي تتعارض مع مصالح الأمن القومي الأميركي. وأشارت الوزيرة إلى أن فريقها يركز على القضاء على تهديدات الأمن القومي، التي يشكلها تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث أن وقوع هذه النماذج في أيدي جهات فاعلة غير حكومية، أو أشخاص ليسوا من حلفاء لأميركا، أمر خطير للغاية.

وهذا الاقتراح الذي أصدرته إدارة بايدن في نهاية شهر يناير 2024، سيمنح مقدمي الخدمات السحابية الأميركيين مهلة تنتهي في 29 أبريل 2024 للتعليق عليه، قبل وضع اللمسات النهائية على بنوده وإصداره بشكل نهائي، كونه يتطلب من الشركات الكشف عن أسماء العملاء الأجانب، وعناوين الـ IP الخاصة بهم إضافة إلى معلومات أخرى، مما سيضع حملا على هذه الشركات، وهو عبء لا يختلف عن قواعد “إعرف عميلك” الصارمة التي تحكم الصناعة المالية.

وما يثير قلق واشنطن هو أن تقوم الشركات الصينية بالوصول والاستفادة من القوة الحاسوبية لرقائق الذكاء الاصطناعي، التي تم منعها سابقًا من شرائها، من خلال مقدمي الخدمات السحابية مثل Amazon Web Services، وAzure من مايكروسوفت، وGoogle Cloud من ألفابت. وتريد أميركا التأكد من أنها أغلقت كل السبل التي يمكن أن يستخدمها الصينيون للوصول إلى نماذجها لتدريب الذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي يشكل مصدر قلق كبير لإدارة بايدن، التي تعتبر بكين منافسها الاستراتيجي العالمي الأساسي.

ورغم أن الاقتراح الجديد الذي تقدمت به إدارة بايدن لم يسمي أي دولة أو شركة، إلا أن هدفه معروف بالنسبة للجميع، وهو منع الشركات الصينية من استخدام قوة الحوسبة الأميركية.

إصرار على خنق الذكاء الاصطناعي الصيني

ويقول رئيس شركة تكنولوجيا مازن الدكاش في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن أميركا ومنذ نهاية 2022، منعت الصين من الوصول إلى الرقائق المتطورة التي تشغّل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي. إذ توفر هذه الرقائق قوة حاسوبية عالية تحتاجها الشركات في عملية تشغيل هذه التكنولوجيا. وما تخشاه أميركا الآن هو أن تقوم الشركات الصينية بالتلاعب بهذه الإجراءات، عبر التعامل مع شركات السحابة الأميركية التي تقدم خدمات تدريب واستضافة الذكاء الاصطناعي، مما يتيح للشركات الصينية الوصول إلى القوة الحاسوبية اللازمة لتشغيل هذه التكنولوجيا.

بالفعل، تمتلك شركات السحابية الأميركية مراكز بيانات وخوادم ضخمة لتدريب واستضافة الذكاء الاصطناعي، مما يتيح للشركات الصينية الوصول إلى القوة الحاسوبية التي تحتاجها لتشغيل هذه التكنولوجيا. والشركات السحابية الأميركية تمتلك مراكز بيانات وخوادمًا ضخمة لتدريب واستضافة الذكاء الاصطناعي، مدعومة بالرقائق المتطورة الممنوعة من الوصول إلى الصين. وبحسب الدكاش، فإن الاقتراح الأميركي الجديد يشير إلى انطلاق المرحلة التالية من الحرب التكنولوجية بين واشنطن وبكين. ويؤكد إصرار واشنطن على خنق الذكاء الاصطناعي الصيني.

فهدف أميركا من الخطوة الجديدة واضح، وهو إغلاق جميع الثغرات التي يمكن أن تستغلها الصين للوصول إلى هذه التكنولوجيا المتطورة.

ويرى أن أميركا سبق وأعلنت مرارًا أن موضوع الذكاء الاصطناعي التوليدي يرتبط بالأمن القومي للبلاد. وهي لن تدخر جهدًا في اتخاذ أي قرار يضمن عدم وصول الصين لهذه التقنية، في الوقت الذي تدعو فيه الصين أميركا إلى التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، بدلاً من بناء الأسوار.

الذكاء الاصطناعي والأمن القومي
وبات من المعروف أن أميركا تشدد على ضرورة حرمان الصين من الذكاء الاصطناعي المتطور، الذي قد تستفيد منه بكين، لتحقيق تقدم من الناحية الاقتصادية وحتى العسكرية، فجميع الصناعات الأساسية في العالم ستصبح داعمة لهذه التكنولوجيا، انطلاقاً من الأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة والسيارات والطائرات وشبكات الاتصالات، ومراكز البيانات والحواسيب وأجهزة الإنتاج في المعامل، وأنظمة التسلح والطائرات وصولاً حتى الصواريخ والأسلحة النووية، ولذلك تعتبر أميركا أن هذا الموضوع يرتبط بأمنها القومي ومن غير المسموح للصين تخطيه.

بدوره يقول مهندس الاتصالات محمد شامي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن ما تقترحه السلطات الأميركية على شركات السحابة الأميركية، هو أن تقوم بإخبارها في كل مرة يستخدم فيها كيان غير أميركي، منصات هذه الشركات لتطوير تطبيقات كبيرة للذكاء الاصطناعي، والإبلاغ عن أي نشاط مشبوه بهذا الشأن، كاشفاً أن هذا الإجراء يتطلب من شركات مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت، اتخاذ تدابير لجمع معلومات عن الأطراف التي تتعامل معها، وجمع معلومات مفصلة عن العملاء أمر صعب ومكلف من الناحية المالية، وسيتسبب بارتفاع تكاليف الخدمات، وهو ما قد يضع شركات السحابة الأميركية في وضع غير مؤات من الناحية التنافسية، مقارنة بأسعار الخدمات التي تقدمها شركات السحابة الأجنبية غير الأميركية.

وشدد شامي على أن الاقتراح الأميركي الجديد لا يزال مسودة، ما يعني أنه سيخضع لتعديلات كبيرة بناءً على توصيات شركات السحابة الأميركية، متوقعاً أن تلجأ أميركا لتطبيق بنوده، عند إقراره رسمياً على جميع شركات السحابة الأجنبية، وليس فقط الأميركية، تماماً مثلما حدث عند إقرار قانون منع وصول الرقائق الأميركية المتطورة إلى الصين، حيث رأينا أن الشركات اليابانية والهولندية والتايوانية والكورية امتثلت للقانون الأميركي، وبالتالي فإن إخضاع جميع شركات السحابة في العالم، ما عدا الصينية للقواعد الأميركية الجديدة، سيمنع إلحاق الضرر بأعمال شركات السحابة الأميركية، التي تتمتع بقدرات أكبر من الناحية التقنية مقارنة بمنافسيها.

وبحسب شامي فإن نظام “إعرف عميلك” الذي قد يطبق على شركات السحابة الأميركية، هو نظام مشابه للذي تطبقه المصارف، عندما يتعلق الأمر بالعقوبات، وقوائم المراقبة لمكافحة غسيل الأموال، ويشير إلى مجموعة من الإجراءات والسياسات التي تنفذها الشركات للتحقق من هوية عملائها وملاءمتهم ونزاهتهم، للتخفيف من مخاطر الجرائم التي قد ترتكبها الجهات الفاعلة الأجنبية، التي قد تستخدم الذكاء الاصطناعي لإطلاق الأنشطة الضارة عبر الإنترنت.