أعتقد أنه ما من شيء في مستقبلنا المنظور يمكن أن يغير حياتنا أكثر مما سيفعله الذكاء الاصطناعي. وكما كان دخول الكهرباء في حياتنا، أو كما كان مولد الإنترنت، فإن الذكاء الاصطناعي سيجلب هو الآخر معرفة جديدة وفرصا جديدة للنمو الاقتصادي، وسيُحدث تقدما جديدا في القدرات البشرية، وسيهيئ فرصة لحل مشكلات عالمية كنا نحسبها ذات يوم عصيّة على الحل.

فالذكاء الاصطناعي يمكنه أن يساعد في حل مشكلة الجوع في العالم من خلال تجنب فشل المحاصيل الزراعية، وجعل زراعة الغذاء أسهل وأقل تكلفة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تسريع عملية الوصول بالانبعاثات الكربونية إلى الصفر. بل إنه حقق بالفعل اختراقات غير عادية في مجال الصحة والطب، وهو ما يساعدنا في البحث عن علاجات جديدة للزهايمر ولقاحات ضد السرطان.

ولكن، وكما حصل في موجات سابقة من الابتكارات التكنولوجية، يجلب الذكاء الاصطناعي معه أيضا مخاطر جديدة ويثير مخاوف جديدة. وعليه والحالة هذه، إذا أردنا أن يستفيد أبناؤنا وأحفادنا من كل الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، يتعين علينا أن نتحرك -وأن نتحرك الآن- لمنح الناس راحة البال والطمأنينة بشأن مخاطره.

لكن ما هي تلك المخاطر؟ إن الحكومة البريطانية تتخذ – وللمرة الأولى – خطوة غير عادية بنشرها لتحليلنا الذي يتضمن تقييم أجهزة الاستخبارات في المملكة المتحدة. وبصفتي رئيس الوزراء، شعرت أن هذه مساهمة مهمة يمكن للمملكة للمتحدة أن تقدمها لمساعدة العالم في تداول نقاش أكثر استنارة وانفتاحا.

والصحيح أن تقاريرنا تنطوي على تحذير صارخ: حيث يمكن للمجرمين أو الجماعات الإرهابية استخدام الذكاء الاصطناعي لإلحاق الأذى بالغيْر. فالهجمات الإلكترونية أو المعلومات المضللة أو الاحتيال كلها أخطار تشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع. وفي أشد الحالات بعيدة الاحتمال، يعتقد بعض الخبراء بوجود خطر فقدان البشرية للسيطرة على الذكاء الاصطناعي، من خلال نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يشار إليه أحيانا باسم “الذكاء الخارق”. ولكن لا ينبغي لهذا الأمر أن يثير مخاوفنا. فهناك حوار جدي يدور الآن، ويعتقد بعض الخبراء أن مثل هذا الخطر لن يقع أبدا.

لكن، وحتى لو استبعدنا وقوع أسوء المخاطر، فإنها ستظل خطيرة للغاية إذا حدثت. ولهذا يقع على عاتق الزعماء في مختلف أنحاء العالم، بغض النظر عن خلافاتنا بشأن قضايا أخرى، مسؤولية إدراك هذه المخاطر، والتكاتف والعمل معا، خاصة أن العديد من التحذيرات الصاخبة بشأن الذكاء الاصطناعي صدرت عن ذات الأشخاص الذين يطورون هذه التكنولوجيا، ولأن وتيرة التغيير في الذكاء الاصطناعي مذهلة حقا: فكل موجة جديدة سوف تصبح أكثر تقدما، وأفضل تدريبا، وتحتوي رقائق أفضل، وذات قدرة حاسوبية أكبر.

فماذا علينا أن نفعل؟ أولا، للحكومات دور مهم. فقد أعلنت المملكة المتحدة للتو عن إنشاء أول معهد من نوعه لسلامة الذكاء الاصطناعي. سيجمع هذا المعهد بعضا من أكثر الشخصيات احتراما وعلما واطلاعا في العالم، حيث سيعملون بكل عناية على فحص وتقييم واختبار أنواع جديدة من الذكاء الاصطناعي واختبارها حتى نفهم ما يمكنها فعله. وسنُطلع البلدان الأخرى والشركات بهذه الاستنتاجات للمساعدة في الحفاظ على بقاء الذكاء الاصطناعي آمنا للجميع.

لكن الذكاء الاصطناعي لا يعترف بالحدود. ولا يمكن لأي دولة أن تجعل الذكاء الاصطناعي آمنا بالعمل بمفردها. لذا فإن خطوتنا الثانية يجب أن تكون رفع مستوى التعاون الدولي. وهذا التعاون يبدأ هذا الأسبوع بانعقاد أول قمة عالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي، والتي أشعر بالفخر لاستضافتها في المملكة المتحدة.

فما الذي نريد تحقيقه في قمة هذا الأسبوع؟ أريد أن نتفق على أول بيان دولي على الإطلاق حول مخاطر الذكاء الاصطناعي. حيث ليس لدينا حالياً فهم مشترك للمخاطر التي نواجهها. وبدون ذلك، لا يمكننا أن نعمل معا على معالجتها.

وأقترح أيضا تشكيل لجنة خبراء عالمية بكل معنى الكلمة، يشارك الحاضرون في القمة في ترشيح أعضائها، لنشر تقرير عن حالة علوم الذكاء الاصطناعي. وعلى المدى الطويل، تتمثل رؤيتي في اتباع نهج دولي حقيقي لسلامة الذكاء الاصطناعي، حيث نتعاون مع الشركاء لضمان سلامة أنظمة الذكاء الاصطناعي قبل إطلاقها.

لن يكون من السهل تحقيق أي من ذلك، لكن تقع على عاتق القادة مسؤولية فعل الصواب. وأن نكون صادقين بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي. وأن نتخذ القرارات السليمة على المدى الطويل لنكسب ثقة الناس، ونوفر لهم راحة البال، ونطمئنهم بأننا سنحافظ على سلامتهم. فإذا تمكنا من القيام بذلك، وإذا استطعنا فعله بالشكل الصحيح، فإن الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي ستكون هائلة. ويمكننا عندئذ أن نتطلع إلى المستقبل بتفاؤل وأمل.

* رئيس الوزراء البريطاني

المصدر: سكاي نيوز