الذكاء الاصطناعي وتنظيم الخدمات

22
د. عصام العمار

لا يزال الذكاء الاصطناعي حديث الإعلام بكل أشكاله وتوجهاته، حيث من المتوقع أن ينمو على نحو متزايد مع تطور التقنيات وإحداث ثورة نوعية في الصناعات. ويكمن الهدف الأساسي للذكاء الاصطناعي في تطوير تقنية من شأنها تمكين أنظمة الحاسب الآلي من العمل بكل ذكاء وبشكل مستقل عن التدخل البشري، لذا يتجه العالم نحو تمكين اللحظات الرقمية من خلال تسخير الذكاء الاصطناعي للتحليلات في الوقت الفعلي.

وتتوقع جارتنر، وهي شركة أمريكية تعمل في مجال الأبحاث والاستشارات التقنية، أنه بحلول 2025 سيتم أكثر من 50 في المائة من جميع تحليلات البيانات بوساطة الشبكات العصبية العميقة. إن عديدا من الأنشطة الاقتصادية، مثل تصفح الإنترنت والتسوق الإلكتروني والتسويق والمساعدين الافتراضيين وبرامج الترجمة والمنازل الذكية والبنى التحتية والصحة والنقل والتصنيع، تستخدم الآن تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومن الملاحظ أن الذكاء الاصطناعي يعمل بكل هدوء في الشركات ومقدمي الخدمة في كل الصناعات مجازا.

لكن ماذا عن منظم الخدمات؟ ماذا يمكن أن يعمل الذكاء الاصطناعي في مجال تنظيم الخدمات أو الصناعات؟ خصوصا أن منظم الخدمات منظمة غير ربحية، ولا تبحث عن المنافسة مع الغير والبقاء في السوق، كما تفعل الشركات. قبل الخوض في الإجابة، دعونا ننظر إلى متسلسلة القطاع التي تبدأ بالمشرع، ثم المنظم، ومقدمي الخدمة، وأخيرا العملاء، فالمشرع يطرح أنظمة وقوانين لصناعة ما، ليقوم المنظم بدور الرقابة والتأكد من انضباط مقدم الخدمة من خلال سن لوائح تنظيمية ورخص ومعايير أداء وحفظا لحقوق المستهلكين ومقدمي الخدمة الآخرين، وبما يخدم المصلحة العامة والصناعة.

وللتذكير، فإن أهم الصناعات التي تشمل الخدمات التنظيمية -على سبيل المثال لا الحصر- هي الكهرباء والماء والصرف الصحي والمخلفات والاتصالات والبريد والبيئة والغاز والغذاء والدواء والنقل والطيران المدني والموانئ والخدمات المصرفية والبنكية وغيرها.

يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفعل منظم الخدمات لكي يقوم بدوره ويمكنه من أداء وظائفه الرقابية والتنظيمية بكل كفاءة واقتدار. يعمل الذكاء الاصطناعي كمساعد افتراضي في الإجابة عن العملاء، خاصة أولئك الذين لديهم حالات في تصعيد الشكاوى ضد مقدمي الخدمة سواء ما يتعلق بسير المعاملة أو النتيجة أو أي ملاحظة قد يطرحها المنظم. بل إن الذكاء الاصطناعي قد يقترح على المنظم بعض الحلول بناء على تجارب سابقة أو قضايا مشابهة.

وقد يستعين المنظم بالذكاء الاصطناعي ليقوم بتحليل البيانات المقدمة من مقدمي الخدمة، حيث إنهم مطالبون بتقديم بيانات دورية حسبما تنص عليه اللوائح التنظيمية والرخص، ما يسهل على المنظم إعداد معايير الأداء ومعرفة أداء الصناعة بصورة عامة. وقد يقوم الذكاء الاصطناعي أيضا بدور جوهري في التأكد من صحة البيانات المقدمة، وكذلك نتائج معايير الأداء، ورفع الراية الحمراء إذا كانت النتيجة غير معقولة.

ولأن المنظم يملك قاعدة من معايير أداء لأعوام سابقة، فبإمكان الذكاء الاصطناعي إعداد توقعات نوعية لعدد من معايير الأداء في الأعوام المقبلة، وعليه يستطيع المنظم التعرف على مواطن الخلل، وهذا يـعد أحد الأدوار بالعمل الاستباقي والحد من المخاطر التي قد تواجه العملاء ومقدمي الخدمة، إلى جانب ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي المساعدة على حساب التعريفة المناسبة ومراجعة التكاليف المقدمة من مقدمي الخدمة، وقد يعمل المنظم على تهيئة آلة لكي تتعلم ذاتيا في جوانب الشؤون الفنية والاقتصادية والقانونية، وقد تسمى هذه الآلة مجازا المنظم الافتراضي أو الذكي.

في الختام، سيسهل الذكاء الاصطناعي عمل المنظم في ضبط العملية التنظيمية وأداء أدواره بكل سهولة، فهل سنرى الذكاء الاصطناعي يلوح في أفق منظمي الخدمات في المملكة؟

المصدر: الاقتصادية

اترك رد

Your email address will not be published.