الكتّاب ضد الذكاء الاصطناعي

41

د. زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ

مثلما يُضرِب عمال المصانع وسائقو المواصلات العامة، يشارك آلاف الكتّاب في الولايات المتحدة في إضراب عن العمل منذ بداية السنة، ليس إضراب الكتّاب اليوم هو الأول وإن كان ما يهدد الكتّاب اليوم لن تسعف بحله مظاهرة أو إضراب، ما يهدد الكتّاب اليوم هو الذكاء الاصطناعي الذي يبدو أنه قادر على تقليد الأسلوب الأدبي لمختلف الكتّاب بكفاءة عالية، حتى يتمكن من استبدالهم.

منذ خمسة أشهر، وكتاب السيناريو في الولايات المتحدة مضربون عن العمل، مطالبون بضمانات لحفظ حقوقهم أمام التحولات التي جاء بها الذكاء الاصطناعي. الاعتراض الأول الذي يبدو بدهياً، أن الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يبني على نماذج لغوية كبيرة، تدرب على نصوص الكتاب أنفسهم لبناء قدراته، دون مراعاة حقوق ملكيتهم الفكرية.

ليس الكتاب المعروفون هم من يستفاد من نصوصهم فقط، إنما النصوص التي تملأ مواقع الإنترنت وتستفيد من بياناتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، لها حقوق ملكية لا يبدو أنها روعيت بأي وجه. فقد أعلنت دار بينغوين الشهيرة، إحدى أكبر دور النشر العالمية، أنها ترى في استخدام نصوص كتابها لتدريب النماذج اللغوية تعدياً على حقوق الملكية الفكرية، لذا تتضمن عقود الكتّاب الجديدة اليوم فقرات تنص على حقوق استخدام نصوصهم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.

ومع مطالبة الشركات الكبرى بحفظ حقوق كتابها من سطوة التقنية، فإنها لا تفكر في حرمان نفسها منها أيضاً. فمع ظهور شركات ناشئة تعتمد الذكاء الاصطناعي في خدماتها، بدأت الشركات الكبرى ولو سراً بتجريب عدد من التقنيات في مجالات الكتابة المختلفة، مثل: الخدمات المساعدة في المراجعة وإعادة الصياغة التي يعدها عدد كبير من الموظفين ضمن خدمات دور النشر.

لكن ما يثني دور النشر عن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي استعانة كاملة أن نصوصه المنتجة لا تعود ملكيتها لأحد، حيث لا يمكن وضع قيود الملكية الفكرية عليها. سيتطلب من دور النشر التفكير في نموذج عمل جديد لاستيعاب التحولات الحديثة التي منها نموذج الملكية الفكرية المفتوح، إضافة إلى نماذج أخرى. فإضافة إلى الصعوبات التي تواجه دور النشر في توظيف التقنيات الجديدة، يأتي الضغط من الكتاب في مطالباتهم الأخيرة في الحد من استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال إنتاج نصوص جديدة.

الغموض الذي يصاحب التقنيات الحديثة، يؤخر رد فعل المجتمع حتى تكاد تفرض هذه التقنيات واقعاً جديداً يصعب تغييره. في المقابل، تحدّ حقوق الملكية من توسع الذكاء الاصطناعي في رفع قدراته إذا فشل في إضافة بيانات جديدة إلى قواعده، فكما تواجه التطبيقات تحديات في الملكية الفكرية، فإنها ستواجه مشكلات كبيرة في توفير البيانات إذا عزف الناس عن النشر في المواقع كما هو الحال الآن، الأثر المزدوج للملكية الفكرية والعزوف عن النشر كلاهما قد يؤدي إلى تراجع تطبيقات الذكاء الاصطناعي تراجعاً حقيقياً قد تعيده إلى درجة الصفر.

 

المصدر: الرياض

اترك رد

Your email address will not be published.