المدير روبوت بن شات الاصطناعي

21

علي المطوع

إذا كانت الثورة الصناعية في أول إصداراتها تقوم على المكننة؛ بمعنى وضع الآلة مكان العامل لزيادة سرعة الإنتاج وتقليل الأخطاء وراحة الإنسان؛ فإن الذكاء الاصطناعي اليوم يقوم بحوسبة الحياة وأتمتتها، وربما يكون ذلك على حساب الإنسان عقلا وجسدا.

ربما وفي المستقبل القريب تكون هذه الثورة الصناعية ومع تنامي مساحة تأثيرها وأثرها على الحياة، محكومة ومصحوبة بلحظة فارقة، تُطالب فيه هذه الشركات العملاقة بأنسنة هذه الوحوش الالكترونية، لا لتتواءم مع الإنسان وإنسانيته فحسب، بل لتعود طوع أمره ونهيه وفي خدمته.

هذه المقدمة كنت قد شاركت بها في استطلاع للرأي حول قضايا تتعلق بهذا النوع من الطفرة الصناعية، واليوم سأستبق بكم ومعكم مراحل تطورات هذا الذكاء الاصطناعي وما يمكن أن تصل إليه، وآخذكم في رحلة خيالية وخالية من واقعية ما نعيشه اليوم، لنصل إلى مرحلة متقدمة من هذه الصناعة، لذلك دعونا نتخيل أن ثورة الذكاء الاصطناعي وصلت إلى مستوى خيالي من التمكن والتمكين، يتمثل ذلك في صناعة أجيال من المديرين النافذين التنفيذيين، مديرين محوسبين صناعيا ومحسوبين فقط على ذكائه المفترض أن يكون.

تخيلوا أن مديرا إقليميا لمؤسسات خدمية أراد أن يعين مديرا لإحدى مؤسساته الطرفية، الجهات ذات العلاقة رفعت عددا من السير الذاتية لعديد من المديرين، وكان من بينهم ذلك الروبوت (المقرطس) الذي لم يجرب من قبل، وقع اختيار المدير الإقليمي على هذا الروبوت ليكون قائدا لتلك المؤسسة، صدر القرار ممهورا بتوقيع سعادة المدير الإقليمي ونصه كالتالي؛ (بناء على الصلاحيات الممنوحة لنا فإننا نقرر تعيين السيد روبوت بن شات الاصطناعي، مديرا للمؤسسة ويمارس كافة الصلاحيات الممنوحة له، يبلغ هذا القرار للجهات ذات العلاقة).

وكالعادة يتداول نشطاء الغيبة والنميمة هذا القرار واتسابيا، ويتعاملون معه كسبق مهني يبقيهم أسيادا للقيل والقال في هذه المؤسسة وكل مؤسسة محكومة بوجودهم وجودهم المعروف!

في اليوم المنتظر يستعد سدنة المدير لاستقبال مديرهم الجديد، مدير المكتب يتطيب بأجود أنواع الطيب والحاجب والخدم الذين معه يمارسون نفس الطقوس علهم يحظون بثقة المدير الجديد، رؤساء بعض الأقسام والبساس المحسوبون على النميمة يتساءلون في نهم متى يصل سعادته؟

يصل سعادة المدير الجديد وكانت المفاجأة التي عقدت ألسنة الجميع، فالمدير الجديد ليس بشرا، بل هو آلة محكمة التصنيع ومحكومة بأوامر إنسانية محددة وطرق معدة سلفا بعيدة عن ما أثر عن أصحاب السعادة البشر السابقين.

يتجاسر الجميع على المفاجأة التي عقدت ألسنتهم ويبدؤون الترحيب بالمدير الجديد، الذي لم تعكس تصرفاته حالة شعورية معينة يستطيعون فهمها والتعامل معها، كل ما طلبه أن يبدا الجميع بالعمل ولا شيء سوى العمل.

اجتمع حزب (البساس) وأخذوا يتدارسون الوضع للبحث عن طريقة تضمن لهم ممارسة أدوارهم العفنة مع هذا المدير الروبوت، الذي يبدو من هيئته أنه بلا آذان يسمع بها، وهذا تحد كبير يحد من تدفق الوشايات التي نشؤوا وترعرعوا عليها. بسة راسخة في الغيبة والنميمة اقترح التواصل مع هذا المدير عن طريق الإيميل، كونها من أدوات الذكاء الاصطناعي القديمة علهم يحظون بمكانة مميزة عنده.

آخر اقترح تركيب أذنين لهذا المدير ليسمع من خلالها ما يراد له سماعه أسوة بأسلافه البشر السابقين، أما أكثرهم وشاية فقد كان اقتراحه أكثر وجاهة فقد رأى أن يتم التواصل مع الجهة المصنعة ليتم اعتمادهم كوشاة لهذه الإدارة وكأدوات للقيل والقال تستطيع التواصل مع هذا المدير الذي يسمع بلا أذنين ويرى بلا عينين.

أصحاب (الترزز) والعاطلون عن العمل في تلك الإدارات بدؤوا يحسون بالخطر، فهذا المدير صارم ولا ينفع معه المدح ولا الهدايا العينية ولا الخدمات اللوجستية، كونه بلا عمق مجتمعي ولا أسرة تستدعي تفرغ البعض للقيام بمتطلباتها اليومية!

حزب (الكيوت) ممن يعشقن الظرف والظهور أمام أصحاب السعادة وقعن في معضلة صعبة، فسعادة المدير المعين حديثا بلا مشاعر ولا شعور؛ تميل به ذات اليمين وذات اليسار كسابقيه، فهو قفل في هذه الأمور حد النخاع المستطيل وربما المستطير، كونه لا يحس بما كان يحس به أسلافه السابقون، الذين (خرفنتهم) المرحلة بعد أن طغت الرجال والحوائل على المشهد وشهوده.

أما الإنتاجية فقد زادت ومؤشرات الأداء تحسنت، ولم تعد كما كانت مجرد أرقام لا تعكس إلا رضا سعادة المدير، بل أصبحت أرقاما تعكس واقعا إنتاجيا جديدا رفع من مستوى المؤسسة وخدماتها المختلفة بين المستفيدين الذين أصبحوا يختصون سعادة المدير روبوت بدعوة بظهر الغيب، كونه غير الوقع القديم لتلك المؤسسة وأصبحت بالفعل تقدم الخدمة التي يراد منها.

المدير روبوت واصل عمله في هذه الإدارة ولم تسجل عليه ملاحظة واحدة وأكد من جديد أنه الروبورت المناسب في المكان المناسب وخاصة أنه يطور نفسه بنفسه ويعيد اكتشاف عثراته وإصلاحها دون تدخل من أحد ودون ضمير حي يقول له: افعل ولا تفعل!

 

المصدر: مكة

اترك رد

Your email address will not be published.