الاندماج والاستحواذ في ظل تطوّر الذكاء الاصطناعي
ريتشارد ووترز
شراء، شراكة، أم بناء؟ هذا هو السؤال الأبدي الذي يطرح عندما تظهر تكنولوجيا جديدة مهمة – وهذا هو السؤال الذي تتصارع معه كل شركة تقريبا في صناعة التكنولوجيا عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي التوليدي.تحول التركيز الأسبوع الماضي إلى الاستحواذ. دفعت داتابريكس، شركة خاصة تخزن كميات كبيرة من البيانات لعملائها وتديرها، 1.3 مليار دولار لشركة موزايك إم إل الناشئة للذكاء الاصطناعي التوليدي. إلى جانب تطوير إصدارات مفتوحة المصدر من نوع نماذج اللغة الكبيرة التي اشتهرت بها شركة أوبن إيه آي، توفر “موزايك” الأدوات للشركات لتوظيف التكنولوجيا داخل أعمالها الخاصة، وبناء النماذج وتحسينها باستخدام البيانات الداخلية.
أفادت أخبار الأسبوع الماضي أيضا بأن “تومسون رويترز” ستدفع 650 مليون دولار لـ”كيس تيكست”، شركة ذكاء اصطناعي عمرها عشرة أعوام متخصصة في الخدمات القانونية التي تشعبت إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي هذا العام. سلط هذا الضوء على الأهمية المفاجئة لمعرفة كيفية استخدام نماذج اللغة الكبيرة التي تشغل الذكاء الاصطناعي. يمكن لأي شركة الاستفادة من النماذج الأساسية لـ”أوبن إيه آي”، لكن “كيس تيكست” تفوقت في المنافسة من خلال إقامة علاقة مع شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة في وقت مبكر من تطوير أحدث نظام لها، جي بي تي-4. وفقا للمسؤولين التنفيذيين في “تومسون رويترز”، فإن تعلم كيفية توجيه جي بي تي-4 لحل المشكلات ذات القيمة الخاصة للمحامين، ومعرفة أفضل الأوامر للحصول على نتائج جيدة من النظام، كانت كافية لتبرير الاستحواذ.
تظهر سلسلة عمليات الاستحواذ هذه أيضا مدى سرعة توسع الفرص في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. في الأشهر التي تلت إطلاق شات جي بي تي العام الماضي، كان التركيز على الشركات التي تبني نماذج لغات كبيرة. بقيادة “أوبن إيه آي”، تضمنت هذه الأسماء شركات مثل أنثروبيك وكوهير وإنفليكشن إيه أي “التي أعلنت للتو آخر جولة تمويل لها بقيمة 1.3 مليار دولار”. يتحول الاهتمام الآن إلى المجموعة الكاملة من التكنولوجيات – والمهارات اللازمة للاستفادة منها. مع عمليات الاستحواذ هذه، ارتفعت قيمة أي شركة قادرة على إنشاء نماذج مبنية لغرض محدد عند الطلب أو تطبيق نماذج توليدية واسعة النطاق على صناعات محددة ارتفاعا هائلا.
لكن في حين أن التحول إلى الاستحواذ يسلط الضوء على المركزية التي تعتقد كثير من شركات التكنولوجيا أن هذه التكنولوجيا ستلعبها قريبا في منتجاتها، فإن التركيز الرئيس لمعظمها كان على الشراكات، التي تستند في بعض الحالات إلى الاستثمار في الأسهم. في وقت سابق من هذا الشهر، ضاعفت “سيلزفورس” الأموال التي خصصتها للاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة إلى 500 مليون دولار، حيث وضعت خططا طموحة لبناء الذكاء الاصطناعي التوليدي في كثير من منتجاتها. جاءت هذه الأخبار في أعقاب مشاركتها في استثمار بقيمة 450 مليون دولار في “أنثروبيك” مباشرة.
كذلك شاركت “أوراكل” في جولة استثمارية بقيمة 270 مليون دولار في شركة كوهير للنماذج الكبيرة في وقت سابق من هذا الشهر. تابعت “أوراكل” ذلك بإعلان دخولها في شراكة وثيقة مع الشركة الناشئة لتضمين التكنولوجيا في خدمات أخرى لعملائها. يبدو أن استخدام الشراكات المبرمة بحصص الأسهم خطوة أولى منطقية، فهي توفر الوصول الفوري إلى تكنولوجيا مهمة. بينما جذبت المنافسات الكبرى في الصناعة دائما أكبر قدر من الاهتمام، فقد توجه عالم التكنولوجيا منذ فترة طويلة إلى شراكات وثيقة مثل هذه لاستخدام تكنولوجيات جديدة مهمة.
لكن إذا أصبحت نماذج اللغة الكبيرة محورية في مستقبل التكنولوجيا كما يعتقد كثيرون في الصناعة، فهل ستكون أكبر شركات التكنولوجيا راضية بالاستعانة بمصادر خارجية في تطويرها؟هذا السؤال له أهمية خاصة بالنسبة إلى “مايكروسوفت”، حيث إن استثمارها بأكثر من عشرة مليارات دولار في حصة أقلية كبيرة في “أوبن إيه آي” يطغى على موجة عمليات الاستحواذ والاستثمارات الأخرى في الأسابيع القليلة الماضية. في حديثه مع “فاينانشيال تايمز” في وقت سابق من هذا العام، وصف الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، العلاقة بأنها شكل من أشكال “الاعتماد المشترك”، حيث تعتمد “أوبن إيه آي” على “مايكروسوفت” بقدر ما تعتمد مايكروسوفت عليها. كما قال إن شركة الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى الحاسوب فائق الأداء الذي صنعته “مايكروسوفت” وضبطته لتدريب نماذجها.
ما إذا كانت هذه معادلة لاستقرار طويل الأمد في شراكة تكنولوجية مهمة، كما يدعي ناديلا، فهذا سؤال آخر. إنه يترك “مايكروسوفت” تعتمد على شركة أخرى للحصول على تكنولوجيا أساسية. ليس هناك ما يضمن أن “أوبن إيه آي” ستشعر بالحاجة إلى ربط نفسها بخدمة أزور السحابية من “مايكروسوفت” بعد فترة الاتفاقية الأولية للشركة. كما أنه ليس من الواضح حتى الآن بالضبط كيف ستتطور طموحات “أوبن إيه آي” الخاصة، وإلى أي مدى ستكون منافسة مباشرة ربما لـ”مايكروسوفت” يوما ما.
لكن مع تحليق صناعة التكنولوجيا عاليا بعد سوق جديدة جذابة، من السهل تأجيل مثل هذه الاعتبارات إلى يوم آخر.