الاستثمار في “الذكاء الاصطناعي” كلمة السر لفتح مغارة كنوز علي بابا ..

4 قطاعات تقود الإنفاق

33

AI بالعربي – متابعات

عندما يتعلق الأمر بالدور الذي يمكن أن يسهم به الذكاء الاصطناعي في مجال الاقتصاد، فإن الأرقام تبدو مثيرة للانتباه بشكل كبير.

المساهمة المحتملة له في الاقتصاد العالمي بحلول 2030 ستبلغ 15.7 تريليون دولار، أي أكثر من الناتج المحلي للصين والهند. ومن المرجح أن يكون 6.6 تريليون دولار من تلك الزيادة مصدره زيادة في الإنتاجية نتيجة الاستخدام المكثف لتقنيات الذكاء الاصطناعي، و9.1 تريليون دولار من الآثار الجانبية للاستهلاك.

أما نسبة الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المحلية بفضل الذكاء الاصطناعي فستصل إلى 26 في المائة بعد سبعة أعوام من الآن، وأكبر المكاسب الاقتصادية المحققة من استخدامه فستكون في الصين بنسبة 26 في المائة يليها أمريكا الشمالية بنسبة 14.5 في المائة.

لا شك أن تلك الأرقام مذهلة، وتشير إلى أننا نقف أمام البوابة الرئيسة لمغارة علي بابا وما تحتويه من كنوز. لكن السؤال هو ما هي كلمة السر لتفتح لنا مغارة الأحلام أبوابها؟ كلمة السر باختصار الاستثمار ثم الاستثمار ثم مزيد من الاستثمار، تلك هي كلمة السر التي لم تعد خافية على أحد، التي بات كل من المستثمرين والشركات والحكومات التي تخطط أن يكون لها كلمة في صنع المستقبل، مدركين أنها المفتاح الذي سيسمح لهم بالولوج إلى عالم المستقبل.. عالم الذكاء الاصطناعي.

شركة البيانات الدولية IDC هي المزود الأول عالميا لمعلومات السوق والخدمات الاستشارية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأسواق تكنولوجيا المواصلات، وفي آذار (مارس) الماضي قدرت أن الإنفاق العالمي على الأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي ستصل إلى 154 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 26.9 في المائة عن العام الماضي، وسيؤدي الدمج المستمر للذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من المنتجات إلى تحقيق معدل نمو سنوي مركب يبلغ 27 في المائة بين عامي 2022 – 2026، وبحلول 2026 يتوقع أن يتجاوز الإنفاق على الأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي 300 مليار دولار.

من جهته، يقول لـ”الاقتصادية”، المهندس جيفن توماس خبير مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي واستشاري في شركة البيانات الدولية، “القطاعان اللذان سيقدمان أكبر استثمارات في الذكاء الاصطناعي هذا العام هما القطاع المصرفي وقطاع تجارة التجزئة، ثم الخدمات ويأتي لاحقا قطاع التصنيع. تلك القطاعات الأربعة معا تتضمن أكثر من نصف إجمالي الإنفاق على الأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي”.

ويضيف “من منظور جغرافي ستكون الولايات المتحدة أكبر سوق للأنظمة التي تركز على الذكاء الاصطناعي، حيث ستمثل أكثر من 50 في المائة من إجمالي الإنفاق في جميع أنحاء العالم، وأوروبا الغربية ستمثل 20 في المائة من الإنفاق العالمي على تكنولوجيا المعلومات بمعدل نمو سنوي مركب لمدة خمسة أعوام بنسبة 30 في المائة، وستحتل الصين المرتبة الثالثة كأكبر سوق للذكاء الاصطناعي”.

ويتابع “ارتفع مستوى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي دوليا جنبا إلى جنب مع زيادة الاعتماد عليه، فقبل خمسة أعوام أفاد 40 في المائة من رؤساء مجالس إدارات الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي أن 5 في المائة من ميزانياتهم الرقمية ذهبت إلى الذكاء الاصطناعي. العام الماضي أفاد أكثر من 50 في المائة من المديرين التنفيذيين أن أكثر من 5 في المائة من ميزانياتهم الرقمية يذهب الآن للاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بينما قال 63 في المائة منهم إنهم يتوقعون زيادة استثمار مؤسساتهم في هذا المجال في الأعوام الثلاثة المقبلة”.

تبدو الجاذبية الاستثمارية لقطاع الذكاء الاصطناعي أكثر وضوحا عند تقدير التدفقات المالية التي تضخ في الشركات الناشئة التي تعمل في هذا المجال. فارتفاع معدلات التضخم العالمية والزيادة المتواصلة في أسعار الفائدة، توجد أجواء غير مشجعة لرؤوس الأموال الراغبة في الاستثمار، وتمتد تلك الأجواء السلبية بطبيعة الحال إلى الاستثمار في المجالات المختلفة للذكاء الاصطناعي، وبالفعل فقد تراجعت وتيرة الاستثمارات المتدفقة إلى مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي العام الماضي، ومع ذلك لا تزال الشركات الناشئة في هذا المجال نطاقا استثماريا ذا جاذبية خاصة.

وتسارعت طفرة الاستثمار بعد إطلاق شركة open AI في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لتطبيق “جي بي تشات”، وقد أعلنت شركة جلوبال داتا أن شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة أفلحت في جمع أكثر من 50 مليار دولار من تمويل رأس المال الاستثماري العام الماضي.

ويقول لـ”الاقتصادية”، إيفإن ماكس الاستشاري في مجال الاستثمار “استحوذ التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي على اهتمام مستثمري رأس المال الاستثماري على مستوى العالم، وحصلت 3198 شركة ناشئة على تمويل بقيمة 52.1 مليار دولار عبر 3396 صفقة تمويل رأسمالية خلال 2022”.

مع هذا يشير إيفان ماكس إلى أن 2022 شهد نشاطا تمويليا ضعيفا لرأس المال الاستثماري عبر مختلف القطاعات الاقتصادية ومن بينهم قطاع الذكاء الاصطناعي، مضيفا “انخفض عدد صفقات تمويل رأس المال في مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم بنسبة 4 في المائة 2022 مقارنة بالعام السابق، وقد شهد حجم صفقات الذكاء الاصطناعي اتجاها متذبذبا على أساس ربع سنوي طوال عامي 2021 و2022، فقد انخفضت قيمة الصفقات حتى الربع الثالث من العام الماضي، لكن يلاحظ وجود انتعاش في حجم وقيمة صفقات تمويل رأس المال في الربع الأخير من 2022”.

لهذا يخلص إلى أن نشاط تمويل رأس المال في مجال الذكاء الاصطناعي قد يكون متذبذبا في الأمد القصير، بينما من المرجح أن تكون الآفاق طويلة الأجل واعدة، ويمكن اعتبار الانتعاش في كل من حجم وقيمة الصفقات في الربع الرابع من العام الماضي مؤشرا على ذلك.

وسط تلك التطورات يرصد عدد من الخبراء مجموعة متنوعة من الملاحظات تتعلق بالنهج الاستثماري الراهن في صناعة الذكاء الاصطناعي، وربما تعد أبرز تلك الملاحظات ان القطاع الخاص يبدو حتى الآن المسؤول الأول عن الاستثمار في هذا المجال، ففي جميع أنحاء العالم تعتمد الحكومات والدول على الشركات الخاصة لبناء برامج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، وإنتاج وتطوير الذكاء الاصطناعي الذي يدعم التنافسية العسكرية أو الاقتصادية.

من هذا المنطلق يبدو أن للقطاع العام حتى الآن دورا ضئيلا يقوم به في هذا المجال الاستراتيجي، لكن هذا لا ينفي أن السياسات الحكومية سواء تعلقت بالبحث والتطوير، أو بتوزيع ميزانية التعليم على الفروع التعليمية المختلفة، أو مواجهة الاحتكار خاصة لدى شركات التكنولوجيا العملاقة، وكذلك التعاقدات الحكومية، كل تلك السياسات تصنع فارقا كبيرا بين النمو والركود في صناعة الذكاء الاصطناعي.

في هذا السياق، يؤكد لـ”الاقتصادية” البروفيسور كوبر كارسن أستاذ النظم الاستثمارية في جامعة لندن “السياسية الناجحة تتطلب الوعي التام بالظروف، وهذا يتطلب فهم أبعاد النشاط التجاري لشركات الذكاء الاصطناعي ومن يمول الصناعة وما هي المشكلات الحقيقية التي تحاول الشركات حلها، ومن ثم دور الحكومات هنا يجب أن ينصب على تسهيل الطريق أمام القطاع الخاص لضخ مزيد من الاستثمارات في الصناعة”.

ويضيف “هذا هو المدخل الأساسي والفارق بين منطق التفكير عند الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة من جانب والصين من جانب آخر، فالولايات المتحدة لديها أكبر سوق استثماري في العالم في شركات الذكاء الاصطناعي المملوكة للقطاع الخاص سواء الشركات الناشئة أو الشركات الكبيرة، وخارج الصين فقد نما الاستثمار في الذكاء الاصطناعي في السوق الخاص بشكل كبير من 2015 حتى الآن، لكن هذا لا يعني أن الوضع مثالي في الولايات المتحدة، فربما تكون شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية في المقدمة من حيث القيمة الإجمالية للمعاملات الاستثمارية، لكنها تمثل نسبة متقلصة بشكل مطرد من المعاملات العالمية، فالاستثمارات خارج الولايات المتحدة والصين تتوسع بسرعة، حيث تنمو في الهند واليابان وسنغافورة وعديد من الدول الأوروبية بشكل أسرع من كبار منافسيها”.

هذا النمط الاستثماري المختلف بين الولايات المتحدة والصين في صناعة الذكاء الاصطناعي لديه انعكاسات عندما يتعلق الأمر بالتطبيقات المنتجة، فمعظم شركات الذكاء الاصطناعي الصينية تركز أنشطتها في مجالات النقل والأمن والقياسات الحيوية مثل التعرف على الوجه، إضافة إلى الفنون الترفيهية، بينما تركز الشركات في الولايات المتحدة ودول أخرى على الاستخدامات التجارية والتطبيقات ذات الأغراض العامة والطب وعلوم الحياة التي تجذب مزيدا من رأس المال الخاص.

وفي الواقع فإن دور كل من القطاع الخاص والاستثمارات الخاصة المتدفقة على صناعة الذكاء الاصطناعي يعدان من الركائز الأساسية لتطوير الصناعة، مع هذا ستظل هناك حاجة دائمة إلى توجيه وإرشاد لهذا المجال الاستراتيجي، فقيادة القطاع الخاص للذكاء الاصطناعي قد تعني أن الربحية قد تعلو على ما عداها من احتياجات وقيم عامة في أغلب الأحيان، وقد يصعب قبول المجتمعات والحكومات بذلك في ظل الأهمية المستقبلية للذكاء الاصطناعي ليس فقط في المجال الاقتصادي، وإنما في تعزيز قدرة البشر على الابتكار والتقدم.

المصدر: الاقتصادية

 

اترك رد

Your email address will not be published.