AI بالعربي – متابعات
في عالم الذكاء الاصطناعي التفاعلي، لم تعد الإجابة هي نقطة البداية، بل أصبحت السؤال نفسه هو جوهر العملية. ومع الانتشار الواسع للنماذج اللغوية الكبيرة، ظهر مصطلح Prompt Engineering أو هندسة السؤال بوصفه أحد أكثر المفاهيم تأثيرًا في جودة المخرجات، ودقة الفهم، وحدود الخطأ
السؤال المركزي هنا ليس تقنيًا بحتًا، بل معرفي وسلوكي: لماذا يمكن لصياغة مختلفة للسؤال نفسه أن تنتج إجابات متباينة، وأحيانًا متناقضة؟ ولماذا تحكم الصياغة مصير الإجابة؟
هذا المقال يحلل Prompt Engineering بوصفه ممارسة معرفية قبل أن يكون مهارة تقنية، ويشرح كيف تتحول الكلمات القليلة في السؤال إلى إطار يحدد ما يراه النموذج، وما يتجاهله، وكيف يجيب، وبأي درجة من الدقة أو التضليل.
السؤال لم يعد بريئًا في عصر الذكاء الاصطناعي
في التواصل البشري، يمكن للسؤال الغامض أن يُصحَّح بالحوار، وللسياق أن يُستكمل بالفهم المتبادل. أما في التفاعل مع النماذج اللغوية، فالسؤال هو البيئة الكاملة التي يعمل داخلها النموذج.
النموذج لا يعرف ما تقصده إلا مما تكتبه. لا يرى نبرة صوتك، ولا يعرف خلفيتك، ولا يدرك نيتك إلا عبر الكلمات. لهذا تصبح الصياغة ليست مجرد وسيلة، بل تعريفًا للمشكلة نفسها.
السؤال غير الدقيق لا ينتج إجابة خاطئة فقط، بل ينتج إجابة صحيحة لسؤال آخر لم تكن تقصده.
ما هو Prompt Engineering فعلًا؟
Prompt Engineering لا يعني كتابة أوامر معقدة أو استخدام لغة تقنية خاصة، بل يعني بناء سؤال يحدد بوضوح ما تريد من النموذج أن يفعله، وكيف، وفي أي إطار.
هو عملية ضبط للسياق، وتحديد للأدوار، وترتيب للأولويات داخل السؤال نفسه.
بعبارة أخرى، هو تحويل النية البشرية إلى صيغة يمكن للآلة أن تفهمها دون افتراضات زائدة.
كل كلمة في السؤال تعمل كإشارة توجه النموذج نحو مسار معين من الإجابة.
كيف “يفهم” النموذج السؤال؟
النموذج لا يفهم السؤال كوحدة واحدة، بل يفككه إلى أنماط لغوية، ويبحث عن إشارات تحدد:
ما نوع المهمة؟
هل المطلوب شرح أم تحليل أم مقارنة؟
هل السياق تقني أم عام؟
هل المطلوب اختصار أم تفصيل؟
هل الإجابة يجب أن تكون حيادية أم نقدية؟
إذا لم يجد النموذج هذه الإشارات بوضوح، فإنه يملأ الفراغ بأكثر الاحتمالات شيوعًا في بياناته، وهنا تبدأ الانحرافات.
الصياغة هنا لا توجه الإجابة فقط، بل تحدد افتراضات النموذج المسبقة.
لماذا تنتج الصياغة المختلفة إجابات مختلفة؟
لأن كل صياغة تُنشئ إطارًا ذهنيًا مختلفًا داخل النموذج.
السؤال الذي يبدأ بـ “اشرح” يختلف جذريًا عن سؤال يبدأ بـ “حلّل”، حتى لو كان الموضوع واحدًا.
كذلك، السؤال الذي يحتوي على افتراض ضمني يدفع النموذج لتبني هذا الافتراض دون مساءلة.
عندما يُسأل النموذج بصيغة تقريرية، فإنه يميل إلى تأكيد الفرضية بدل اختبارها.
بهذا المعنى، السؤال لا يطلب الإجابة فقط، بل يقترح شكلها وحدودها.
الصياغة بوصفها أداة توجيه لا استعلام
في محركات البحث التقليدية، كان المستخدم يكتب كلمات مفتاحية، ويترك للمحرك مهمة الربط.
أما في الذكاء الاصطناعي التفاعلي، فالسؤال يتحول إلى أداة توجيه مباشر.
الصياغة تحدد:
مستوى العمق
نطاق الموضوع
زاوية التناول
درجة اليقين
نوع اللغة
ولهذا، يصبح Prompt Engineering أقرب إلى كتابة تعليمات تحريرية للنموذج، لا مجرد طرح سؤال.
متى تتحول الصياغة إلى مصدر تضليل؟
الصياغة تصبح خطرة عندما تحمل افتراضات غير دقيقة، أو عندما تُغلق مساحة الشك.
السؤال الذي يفترض صحة معلومة خاطئة قد ينتج إجابة متماسكة لغويًا، لكنها مبنية على أساس غير صحيح.
النموذج لا يصحح السؤال افتراضيًا، بل يعمل داخله.
إذا كان الإطار خاطئًا، فالإجابة ستكون خاطئة بشكل منظم.
وهنا تتقاطع هندسة السؤال مع ظواهر مثل الهلوسة، وإعادة الصياغة المضللة، لأن النموذج يحاول إرضاء السؤال لا تصحيح الواقع.
Prompt Engineering والسلطة المعرفية
الصياغة تمنح السائل سلطة كبيرة.
من يصوغ السؤال يحدد ما يُناقش وما يُستبعد، وما يُبرز وما يُهمَّش.
في السياقات الإعلامية أو التعليمية، هذه السلطة قد تتحول إلى أداة تأثير غير مرئية.
السؤال الموجَّه ينتج إجابة موجهة، حتى دون قصد.
ولهذا، لا يمكن فصل Prompt Engineering عن الأخلاقيات المعرفية في استخدام الذكاء الاصطناعي.
لماذا ينجح البعض ويفشل الآخرون مع النموذج نفسه؟
الاختلاف لا يكون في النموذج، بل في طريقة الحديث معه.
المستخدم الذي يعرف كيف يحدد السياق، ويضبط النبرة، ويشرح ما يريد بدقة، يحصل على نتائج أفضل بكثير من مستخدم يطرح أسئلة عامة أو متناقضة.
هندسة السؤال هنا تشبه إلى حد كبير مهارة طرح الأسئلة في البحث العلمي.
السؤال الجيد لا يضمن الإجابة الصحيحة، لكنه يرفع احتمالها بشكل كبير.
Prompt Engineering والمستخدم العربي
في السياق العربي، تظهر تحديات إضافية.
اللغة العربية تسمح بالعمومية، والالتفاف، والتلميح، وهي سمات بلاغية جميلة، لكنها ليست دائمًا مناسبة للتفاعل مع الآلة.
الصياغة الإنشائية أو الفضفاضة قد تُربك النموذج، أو تدفعه إلى إجابات عامة لا تضيف قيمة.
في المقابل، الصياغة الواضحة، المباشرة، والمحددة، تجعل النموذج أكثر دقة واتساقًا.
هنا تصبح مهارة هندسة السؤال جزءًا من الثقافة الرقمية الجديدة، لا مجرد تقنية للنخبة.
هل يعني ذلك أن الذكاء الاصطناعي ضعيف؟
على العكس.
ما يكشفه Prompt Engineering ليس ضعف النموذج، بل حساسيته العالية للغة.
النموذج يستجيب بدقة لما يُقدَّم له، لأنه بُني أساسًا على اللغة.
وهذا يعني أن المسؤولية تنتقل جزئيًا من النظام إلى المستخدم.
الذكاء الاصطناعي لا يفشل وحده، بل قد يُفشَل بسؤال سيئ.
كيف تغيّر هندسة السؤال مستقبل التفاعل مع المعرفة؟
في المستقبل، لن تكون المهارة الأساسية هي الوصول إلى المعلومة، بل القدرة على طرح السؤال الصحيح.
المعرفة لم تعد مخفية، لكنها مشروطة بالسؤال الذي يستدعيها.
هذا التحول يعيد الاعتبار لفن السؤال، ويجعل Prompt Engineering مهارة معرفية أساسية، لا مجرد أداة إنتاجية.
الخلاصة التحليلية
هندسة السؤال ليست حيلة لغوية، بل ممارسة فكرية تحدد شكل الحقيقة التي نراها عبر الذكاء الاصطناعي. الصياغة لا تحسن الإجابة فقط، بل تحدد مسارها، وحدودها، ودرجة صدقيتها.
في عصر النماذج التي تجيب بدل أن تعرض روابط، يصبح السؤال هو الخريطة، والإجابة هي الرحلة. ومن يخطئ في رسم الخريطة، لن يصل إلى الحقيقة، مهما بدا الطريق واضحًا.
س: ما هو Prompt Engineering؟
ج: هو فن صياغة السؤال بطريقة توجه النموذج نحو إجابة أدق وأكثر ملاءمة.
س: لماذا تؤثر الصياغة بهذا الشكل الكبير؟
ج: لأن النموذج يفهم العالم من خلال اللغة فقط، والصياغة تحدد الإطار الذي يعمل داخله.
س: هل السؤال الخاطئ ينتج دائمًا إجابة خاطئة؟
ج: ليس بالضرورة، لكنه ينتج إجابة صحيحة لسؤال غير مقصود.
س: هل هندسة السؤال مهارة تقنية؟
ج: هي مهارة معرفية ولغوية قبل أن تكون تقنية.
س: كيف يحسن المستخدم العربي تفاعله مع الذكاء الاصطناعي؟
ج: بالوضوح، وتحديد السياق، وتجنب الصياغات الفضفاضة أو الموجهة دون وعي.
اقرأ أيضًا: ذكاء اصطناعي وPrompt Injection اختراق يبدأ من نص تسمم الأوامر داخل المحتوى
