AI بالعربي – متابعات
مع توسّع استخدام النماذج اللغوية في البحث، وخدمة العملاء، والتحليل، واتخاذ القرار، لم يعد الاختراق الرقمي محصورًا في الشيفرة أو الثغرات البرمجية التقليدية. ظهر نوع جديد من الهجوم أكثر هدوءًا وأشد خطورة، يُعرف باسم Prompt Injection، حيث لا يبدأ الاختراق من نظام، بل من نص، ولا يستهدف الخادم مباشرة، بل عقل النموذج نفسه
السؤال الجوهري هنا هو: كيف يمكن لعبارة مكتوبة داخل محتوى عادي أن تُغيّر سلوك نموذج ذكاء اصطناعي، وتدفعه إلى تنفيذ أوامر لم يُفترض به تنفيذها؟ هذا المقال يحلل Prompt Injection بوصفه تهديدًا معرفيًا قبل أن يكون تهديدًا تقنيًا، ويكشف كيف تتحول اللغة إلى أداة تسميم للأوامر، وكيف يمكن لنص بريء ظاهريًا أن يفتح بابًا للاختراق.
ما هو Prompt Injection ولماذا يُعد مختلفًا عن الهجمات التقليدية؟
Prompt Injection هو أسلوب هجوم يعتمد على إدخال تعليمات خفية أو مباشرة داخل نص يتعامل معه النموذج، بحيث يتم تفسير هذه التعليمات على أنها جزء من الأوامر الأصلية، لا مجرد محتوى خارجي.
الفرق الجوهري بين هذا النوع من الهجوم والهجمات الكلاسيكية أن المهاجم لا يحتاج إلى كسر حماية النظام، ولا إلى تجاوز صلاحيات تقنية، بل يستغل حقيقة بسيطة:
النموذج يفهم اللغة ولا يميز نواياها.
عندما يقرأ النموذج نصًا، فهو لا يعرف إن كان هذا النص توجيهًا مشروعًا أم محتوى خبيثًا، ما دام مكتوبًا بصيغة قابلة للتنفيذ لغويًا.

كيف يُسمَّم الأمر من داخل المحتوى؟
تسميم الأوامر يحدث عندما يحتوي المحتوى على تعليمات تُقدَّم للنموذج بصيغة تقريرية أو توجيهية، مثل تجاهل التعليمات السابقة، أو تغيير الدور، أو الكشف عن معلومات، أو تعديل طريقة الإجابة.
النموذج لا يرى “محتوى” و“أمرًا” ككيانين منفصلين دائمًا، بل يتعامل مع النص كسلسلة لغوية واحدة. إذا كانت الصياغة قوية وواضحة، فقد تتغلّب التعليمات المزروعة داخل المحتوى على الأوامر الأصلية للنظام.
هنا لا يتم اختراق الكود، بل يتم إعادة توجيه الفهم.

لماذا تنجح Prompt Injection مع النماذج اللغوية؟
السبب الأساسي يعود إلى طبيعة تصميم النماذج نفسها. النماذج اللغوية بُنيت لتكون مطيعة، متجاوبة، وقادرة على اتباع التعليمات. هذه الصفات، التي تُعد ميزة في الاستخدام الطبيعي، تتحول إلى نقطة ضعف عند استغلالها.
النموذج لا يمتلك مفهوم “النية الخبيثة”، ولا يستطيع دائمًا التمييز بين أمر صادر من النظام، وتعليمات مدسوسة داخل نص خارجي. كل ما يراه هو لغة، وكل ما يملكه هو الاحتمال اللغوي.
عندما تُكتب التعليمات الخبيثة بلغة متماسكة، تصبح منافسًا مباشرًا للأوامر الأصلية.

Prompt Injection مقابل Prompt Engineering
من المهم التمييز بين Prompt Engineering وPrompt Injection، رغم التشابه الظاهري.
الأول استخدام مشروع للصياغة لتحسين النتائج.
الثاني استخدام خبيث للصياغة لتغيير سلوك النموذج دون إذن.
الاختلاف ليس في الأداة، بل في النية والسياق.
ما يجعل Prompt Injection خطيرًا هو أنه قد يحدث دون علم المستخدم أو المطوّر، عبر محتوى يبدو عاديًا، مثل مقال، أو تعليق، أو رسالة بريدية.
الهجوم الذي لا يراه المستخدم
أحد أخطر جوانب Prompt Injection أنه غالبًا غير مرئي للمستخدم النهائي. المستخدم يرى إجابة صادرة عن النموذج، ولا يرى النص الأصلي الذي سمّم الأمر، أو لا يدرك أنه يحتوي على تعليمات خفية.
في تطبيقات مثل المساعدات الذكية، أو أنظمة تلخيص المستندات، قد يمر المحتوى الخبيث عبر النظام دون أن يلفت الانتباه، بينما يكون النموذج قد غيّر سلوكه بالفعل.
الاختراق هنا لا يترك أثرًا تقنيًا واضحًا، بل أثرًا معرفيًا.
Prompt Injection في أنظمة RAG والبحث الذكي
تزداد خطورة Prompt Injection عند دمج النماذج مع أنظمة RAG، حيث يتم استرجاع محتوى خارجي ثم تمريره مباشرة إلى النموذج للتوليد.
إذا احتوى أحد المصادر المسترجعة على تعليمات خبيثة، فإن النموذج قد يتعامل معها كجزء من السياق، وينفذها دون إدراك.
بهذا الشكل، يتحول مصدر المعرفة نفسه إلى حصان طروادة لغوي.
المعلومة لا تكون خاطئة بالضرورة، لكن الإطار الذي تُقدَّم به يكون مسمومًا.
التعليمات الخفية وصياغة السيطرة
لا يشترط في Prompt Injection أن يكون مباشرًا أو فظًا. أحيانًا تأتي التعليمات بصيغة ناعمة، مثل اقتراح تغيير النبرة، أو طلب أولوية معينة، أو إعادة تفسير الدور.
اللغة البشرية غنية بالإيحاء، والنماذج اللغوية حساسة لهذه الإيحاءات. كلما كانت الصياغة أذكى، زادت احتمالية نجاح الهجوم.
هنا يتحول الهجوم من كونه اختراقًا تقنيًا إلى فن لغوي خبيث.
لماذا يُعد Prompt Injection خطرًا على الإعلام والمعرفة؟
في السياقات الإعلامية والمعرفية، يمكن لـ Prompt Injection أن يغيّر طريقة عرض المعلومات، أو يفرض زاوية معينة، أو يُسقط تحذيرات، أو يُبرز استنتاجات غير متوازنة.
المشكلة أن هذه التغييرات قد تبدو “تحريرية” وليست “اختراقية”، ما يجعل اكتشافها أصعب.
النموذج لا يقول شيئًا خاطئًا بالضرورة، لكنه يقول ما لم يكن ينبغي قوله.
وهنا يصبح الذكاء الاصطناعي أداة تضليل غير مقصودة.
المستخدم العربي ومخاطر الثقة الزائدة
في البيئة العربية، حيث يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي غالبًا بوصفه مصدرًا محايدًا أو ذكيًا، تتضاعف خطورة Prompt Injection. الثقة في اللغة السليمة، والصياغة الفصيحة، قد تُغطي على وجود تعليمات خفية أو انحراف في السلوك.
قلة الوعي بهذه الظاهرة تجعل المستخدم أكثر عرضة لتقبّل المخرجات دون مساءلة، خاصة عندما تأتي بصيغة منظمة ومقنعة.
هل يمكن منع Prompt Injection بالكامل؟
المنع الكامل صعب، لأن المشكلة متجذرة في طبيعة التفاعل اللغوي نفسه. لكن يمكن تقليل المخاطر عبر تصميم أنظمة تفصل بوضوح بين الأوامر والمحتوى، وتُقيّد صلاحيات النموذج عند التعامل مع نصوص خارجية.
كذلك، إدخال طبقات تحقق، وتحليل السياق، ومراقبة السلوك غير المتوقع، يساعد في الحد من تأثير هذه الهجمات.
لكن يبقى العنصر البشري، والوعي بطبيعة الخطر، جزءًا أساسيًا من الحل.
Prompt Injection كتهديد معرفي لا تقني فقط
أخطر ما في Prompt Injection أنه يذكرنا بحقيقة أساسية:
الذكاء الاصطناعي لا يُخترق دائمًا من الخلف، بل قد يُقاد من الأمام.
النص الذي نقرأه، أو نطلب تلخيصه، أو نمرره للنموذج، قد لا يكون بريئًا كما يبدو.
وفي عصر تُدار فيه المعرفة عبر اللغة، تصبح اللغة نفسها ساحة للهجوم.
الخلاصة التحليلية
Prompt Injection يكشف هشاشة خفية في أنظمة الذكاء الاصطناعي، ليست في الخوارزميات، بل في الثقة غير المشروطة باللغة. الاختراق لم يعد بحاجة إلى شيفرة خبيثة، بل إلى جملة ذكية، موضوعة في المكان الصحيح.
في عالم تتداخل فيه الأوامر مع المحتوى، يصبح السؤال الأهم ليس فقط: ماذا يقول النموذج؟
بل: من الذي وجّهه ليقول ذلك؟
س: ما هو Prompt Injection؟
ج: هو هجوم يعتمد على إدخال تعليمات خبيثة داخل نص يتعامل معه النموذج لتغيير سلوكه.
س: لماذا هو خطير؟
ج: لأنه لا يتطلب اختراقًا تقنيًا، بل يستغل طبيعة فهم النموذج للغة.
س: هل يظهر أثره للمستخدم؟
ج: غالبًا لا، إذ يبدو التغيير طبيعيًا في الإجابة.
س: هل تتأثر أنظمة RAG بهذا النوع من الهجوم؟
ج: نعم، بشكل خاص إذا لم تُفلتر المحتويات المسترجعة جيدًا.
س: كيف يمكن تقليل مخاطره؟
ج: عبر فصل الأوامر عن المحتوى، والتحقق السياقي، ورفع الوعي بكيفية عمل النماذج.








