مخاوف متزايدة من فقدان الخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي

AI بالعربي – متابعات

يحذر خبراء الخصوصية من أن الذكاء الاصطناعي قد يدمر الخصوصية بطرق أعمق من أي مرحلة تكنولوجية سابقة، إذا لم تُصمم السياسات والبنى التقنية لحماية البيانات سريعًا. وترى الباحثة جين كالترايدر أن الخصوصية يجب أن تُعامل كحق أصيل لا خيارًا إضافيًا، مؤكدة أن المجتمع فشل في بناء حماية متوازنة خلال العقدين الماضيين.

الخصوصية حق أساسي لا تنازل عنه

توضح كالترايدر أنها تعمل على حماية بيانات الأفراد، وترى أن الخصوصية يجب أن تكون تلقائية “حق من حقوق الإنسان”. لكنها تشير إلى أن الشركات أقنعت المستخدمين بأن “البيانات هي الثمن” مقابل الخدمات الإلكترونية، رغم أن البيانات يجب أن تكون أداة بيد الفرد لتحسين حياته، وليست سلعة تتداولها المؤسسات.

الذكاء الاصطناعي يفاقم هشاشة البيانات الشخصية

تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على بيانات شخصية واسعة تشمل ما يفعله الفرد وما يفكر به وما يرغب به. وتزداد قيمة هذه البيانات مع توسع الاستخدام التجاري. تحصد الأجهزة القابلة للارتداء بيانات عاطفية لحظية، وتلتقط النظارات الذكية كل ما يراه المستخدم، بينما تلعب روبوتات الدردشة دور “المعالج” مما يدفع المستخدمين لبوح مشاعرهم الحساسة.

البيانات لم تعد تصفنا فقط بل تُشكل هويتنا

تقول كالترايدر إن البيانات في عصر الذكاء الاصطناعي لا تكتفي بوصف الأشخاص، بل تؤثر على هويتهم وسلوكهم، خاصة مع صعود “أصدقاء الذكاء الاصطناعي” والرفقاء الرقميين. وتصبح المخاطر أعلى حين تسيطر الشركات أو الحكومات على هذه البيانات في ظل تضارب المصالح وبنية قانونية غير كافية.

جذور الخصوصية عبر التاريخ

كان مفهوم الخصوصية شبه غائب في العصور القديمة تحت رقابة دينية ومجتمعية مستمرة. عاش البشر في مساحات مشتركة خلال العصور الوسطى مما جعل الخصوصية مستحيلة عمليًا. سمحت المطبعة للناس بالقراءة منفردين، بينما ساهم عصر التنوير في ترسيخ مفهوم الخصوصية الفكرية والممتلكات الشخصية. وبحلول العصر الصناعي ظهرت حماية قانونية تمنع التشهير والتعدي على الحياة الخاصة، ثم صيغ مصطلح “الحق في الخصوصية” رسميًا عام 1890.

التكنولوجيا الحديثة هدمت خصوصية الفرد

سمحت الهواتف الأولى بالتنصت، ووفرت الكاميرات أدوات مراقبة عامة. رسخت الحروب فكرة التجسس الحكومي. ومع الإنترنت ظهر تتبع المواقع، وتحليل بيانات المستخدم، والإعلانات الدقيقة، ما أدى لانهيار السيطرة على البيانات الشخصية. أصبحت الموافقة مجرد زر مخفي داخل وثائق مطولة غير مقروءة.

القوانين الحالية لم تعد كافية

قدمت تشريعات مثل “GDPR” و”CCPA” حقوقًا في معرفة البيانات وحذفها ومنع بيعها. لكنها لا تستطيع مواكبة نماذج الذكاء الاصطناعي التي تستهلك البيانات على نطاق يفوق إمكانيات التنظيم. فالمستخدمون يتخلون عن الخصوصية مقابل الراحة، ويقبلون بخصائص التعرف على الوجه، وربط الحسابات المالية، والاعتماد على وكلاء رقميين للعلاج والرفقة.

الذكاء الاصطناعي قد يدمر الخصوصية.. أو ينقذها

توضح كالترايدر أن المستخدمين يسلّمون بياناتهم دون فهم كيفية عمل النماذج التي تبني ملفاتهم الشخصية. وتشبه اللحظة الحالية بعالم “كلي المعرفة” يرى كل شيء، لكن هذه المرة ليس بعين إلهية بل بخوارزميات تجارية تهدف للربح والتأثير والتحكم.

عصر جديد يتطلب إعادة صياغة حقوق البيانات

ترى الباحثة أن الحل يكمن في إعادة تصور بنية بيانات شاملة تعطي الأفراد سيطرة كاملة. وتشبّه هذا التحول بالمطبعة التي دمقرت المعرفة. اليوم، نحتاج بنية تقنية تعيد ملكية البيانات للأفراد بدل تخزينها في خوادم الشركات.


قابلية نقل البيانات شرط للحماية

تشكل “قابلية نقل البيانات” أساس هذا النموذج. تمنح الأفراد القدرة على نقل بياناتهم بين الخدمات دون فقد التحكم. لكن الأدوات الحالية تقدم ملفات ضخمة غير قابلة للاستخدام، مما يجعل الانتقال صعبًا ويمنح الشركات احتكار السيطرة.

محفظة بيانات شخصية بدل خوادم الشركات

تقترح كالترايدر نموذجًا تُخزن فيه البيانات محليًا في “محفظة شخصية” يمكن لمساعد ذكاء اصطناعي محلي استخدامها دون إرسالها للشركات. يخدم هذا الذكاء الفرد فقط، وليس نموذجًا تجاريًا.

تذكر مثال تطبيقات الدورة الشهرية التي تجمع بيانات حساسة قد تُباع أو تُسلّم للجهات الحكومية. في النموذج المقترح، تُخزن البيانات على جهاز المستخدم فقط، ويحللها مساعد محلي دون تسريبها.

تطبيقات تمتد إلى الصحة والعمل والمناخ

يُمكن استخدام هذا النموذج في الصحة، والتمويل، واستقرار الوظائف، والتكيف مع المناخ، مع الحفاظ على سيادة البيانات الشخصية ومنع الاستغلال.

بناء البنية التحتية الجديدة لن يكون سهلاً

يتطلب التحول تقنيات جديدة ولوائح مُلزِمة وحوافز اقتصادية، وهي غير موجودة حاليًا. يعمل مبتكرون—including مخترع الويب—على نماذج أولية، لكن القوى المسيطرة قد تعارض التغيير الذي يهدد مصالحها.

تشير كالترايدر إلى أن غياب التحرك سيقود إلى مستقبل بائس “تنقرض فيه الخصوصية”. أما التحرك الجاد فقد يجعل الذكاء الاصطناعي قوة للتمكين بدل المراقبة.

استعادة الخصوصية معركة وجودية

تختتم الباحثة بأن التحكم في البيانات يعني التحكم في المصير. وتصف استعادة الخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي بأنها التحدي الحاسم القادم، مؤكدة أنها خطوة ممكنة وملحّة إن توفرت الإرادة.

  • Related Posts

    “مايكروسوفت” تعلن مستقبل “ويندوز” الجديد القائم على وكلاء الذكاء الاصطناعي

    AI بالعربي – متابعات تتجه مايكروسوفت لإعادة تشكيل تجربة ويندوز عبر ما تسميه “نظام وكيلي Agentic OS”، حيث يدمج وكلاء الذكاء الاصطناعي داخل شريط المهام في ويندوز 11 ليصبح النظام…

    شراكة استراتيجية للذكاء الاصطناعي بين السعودية والولايات المتحدة لتعزيز الابتكار والتقدم التقني

    AI بالعربي – متابعات صدر بيان مشترك بمناسبة توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، فيما يلي نصه: بمناسبة توقيع صاحب السمو الأمير فيصل…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    مقالات

    الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

    • نوفمبر 10, 2025
    • 126 views
    الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

    في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

    • نوفمبر 8, 2025
    • 121 views
    في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    • أكتوبر 30, 2025
    • 146 views
    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    • أكتوبر 12, 2025
    • 299 views
    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

    • أكتوبر 1, 2025
    • 380 views
    حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

    الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

    • سبتمبر 29, 2025
    • 391 views
    الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”