التنافس بالذكاء الاصطناعي التوليدي
وفي هذا المقال سأخصص الحديث عن أكثر الأنواع انتشارا اليوم، والتي أخذت في التطور بشكل سريع جدا، ونجدها تستخدم في كثير من المجالات، بل إنها أصبحت تعد من إحدى الطرق الاستثمارية للشركات في مختلف مستوياتها، وهي تقنية “شات جي بي تي“، وسأتحدث عن أهم التطورات التي جرت على هذا النوع من التقنية الابتكارية كأحد أنواع الذكاء الاصطناعي التوليدي، والأنواع المشابهة لها، وأهم الشركات المستثمرة في هذا المجال، وما المخاطر التي تكمن جراء استخداماتها بطرق غير آمنة.
تطورت تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي والمتمثلة في تقنية “شات جي بي تي” بشكل كبير ومتسارع، خصوصا عندما حظيت في بداية انطلاقها بتسجيل أكثر من مليون مستخدم متجاوزة كثيرا من تطبيقات التواصل الاجتماعي الحالية والمتعارف عليها مثل تويتر وإنستجرام وغيرهما، حيث تجاوز عدد مستخدمي هذه التقنية حاليا أكثر من 100 مليون مستخدم على مستوى دول العالم، وتكمن أهمية هذه التقنية في قدرتها على توليد محتوى وإنشاء نصوص وتلخيص محتوى وكتابة أكواد برمجية بنفسها، أو إنتاج صور وحل خوارزميات وتقديم حلول واقتراحات في مختلف القطاعات والمجالات سواء في الصحة والاقتصاد والإعلام وعلوم الحاسب والمعلومات العامة والتعليم وغيرها، كما ذكرت ذلك في مقال سابق، كما تمكنت الشركة الأمريكية “أوبن أيه آي”، المطورة لهذا النظام، من إنتاج نماذج متعددة لهذه التقنية بدأت بـ”شات جي بي تي”، كنموذج يعتمد على المعالجات اللغوية الضخمة، وعلى استخدام الخوارزميات والمحولات للبيانات النصية ولتدريب الآلة عليها مسبقا، ثم طورته بسلسلة من النماذج وصولا إلى النموذج “شات جي بي تي 4” الأكثر تقدما، ثم أنتجت نظام ذكاء اصطناعي يمكنه إنشاء صور وفنون واقعية عن طريق الوصف بمسمى دال أي 2، وأصبح هناك تنافس كبير بين الشركات العالمية والشركات والناشئة للوصول إلى أعداد كبيرة من المستخدمين، وبطريقة أسرع من خلال الاستثمار في مثل هذه الابتكارات النوعية عن طريق إنتاج نوعيات أكثر إبداعا وتفننا وقدرة وإمكانية في هذا المجال، فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة مايكروسوفت المنافسة لشركة جوجل، أرباحها الفصلية وكانت أفضل من المتوقع حيث بلغت 16.43 مليار دولار، وارتفاع أسهمها أخيرا بشكل ملحوظ، وعزت ذلك إلى ازدهار استثماراتها في قطاع الخدمات السحابية الذكية والذكاء الاصطناعي، وصرحت أخيرا بعزمها على زيادة استثمارها في شركة “أوبن أيه آي” بمبلغ وقدره عشرة مليارات دولار.
تقنية “شات جي بي تي” تعد ثورة ابتكارية تكنولوجية يرى استخدامها كأحد البدائل لمحركات البحث، وتعد مصدرا من مصادر استقصاء المعلومات، بأنواعها وأشكالها المتعددة، ويكمن التحدي في استخدامات هذه التقنية في كيفية التغلب على العموميات والشمولية للمعلومات ومدى دقتها وصحتها وجودتها، ويعد الخطر كذلك في استخدامها عموما، لقدرتها على السيطرة على كثير من المعلومات الشخصية والمهمة مثل المالية وغيرها، ما يفقد الخصوصية إلى حد كبير وخطر تسريب المعلومات أو اختراقها في أغلب الأحيان، إضافة إلى فقدان حقوق الملكية الفكرية وعدم المصداقية أو تدني نسبتها. ولعلي أشرت إلى طرق معالجة ذلك في مقالي السابق، وذلك بإعداد قواعد بيانات محلية وطنية خاصة لكل قطاع يتم تدقيقها من قبل المختصين وأصحاب الجهات ذات العلاقة، إضافة إلى ضرورة وضع معايير وأسس لتطوير مثل هذه التقنيات وحوكمة استخدامها، لتحقيق استدامتها من أجل توفير ثقة وأمان وجودة حياة أفضل وأرقى.
والمتابع لمثل هذه التقنيات الابتكارية يرى أن هناك بالفعل تنافسا قويا بدأ بالظهور، وذلك بوجود عدد من التطبيقات والمواقع والروبوتات المماثلة لاستخدامات الذكاء الاصطناعي التوليدي “شات جي بي تي”، من ذلك تطبيق بارد وتطبيق لامدا من شركة جوجل، وتطبيق دايلو من شركة مايكروسوفت، ومحرك البحث من شركة يو كوم، ومواقع مثل موقع جاسبر وبلوم وغيرهما، ودخلت أيضا شركة علي بابا الصينية المنافسة في هذا المجال، وهي تعد من الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا، بإعلانها مخططها لإطلاق منصة دردشة باسم تونغي شيانوين، وهي تعد منصة منافسة لتقنية “شات جي بي تي”، باعتمادها أيضا على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأرى أن الاستثمار في مثل هذه الابتكارات وتطويرها بأفكار ابتكارية إبداعية سيشكل ثورة تكنولوجية ستحول مسار كثير من الشركات الكبرى والدول المتنافسة في ذلك، ليس على المستوى الاقتصادي فقط وإنما سيشمل ذلك المجالات المتعددة الأخرى، وستكون الغلبة والريادة والقيادة لمن يملك تقنية وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وأحدث الشبكات والاتصالات الرقمية والأمن الرقمي، وهو الدور الكبير والمهم المنوط بهيئة الحكومة الرقمية لدينا وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية.
المصدر: أرقام