
من السحابة إلى وكلاء الذكاء الاصطناعي.. الأمن السيبراني في الشرق الأوسط يواجه مرحلة جديدة
AI بالعربي – متابعات
تشهد منطقة الخليج تحوّلًا نوعيًا في مشهد الأمن السيبراني، مع الانتقال من عصر الحوسبة السحابية إلى ما يُعرف بـ”مساحة العمل الوكيلة” (Agentic AI Workspace)، حيث يعمل البشر جنبًا إلى جنب مع وكلاء الذكاء الاصطناعي. هذا التطور يفتح آفاقًا واسعة لكنه يرفع في الوقت نفسه مستوى المخاطر السيبرانية التي تواجه المؤسسات والحكومات.
التحول الرقمي يفتح الباب أمام “الوكلاء”
على مدى السنوات الماضية، ركزت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، على تسريع التحول الرقمي عبر بناء مراكز بيانات سيادية، ونقل الخدمات إلى السحابة، وأتمتة قطاعات حيوية. واليوم، يشهد المشهد نقلة أبعد من ذلك مع بروز بيئات عمل يقودها الذكاء الاصطناعي الوكيلي، وهو ما ظهر جليًا خلال قمة “Proofpoint Protect 2025” في مدينة ناشفيل الأميركية. الشركة عرضت حلولًا متقدمة لحماية هذه البيئات، مؤكدة أن التحول لا يقتصر على تحديث تقني، بل يعكس دخول مرحلة جديدة من التعاون بين الإنسان والآلة.
تهديدات متسارعة في بيئة أكثر تعقيدًا
الشرق الأوسط يواصل تحقيق قفزات في الابتكار، لكنه في الوقت نفسه يواجه تهديدات سيبرانية متزايدة. تقرير “IBM X-Force” كشف أن المنطقة جاءت رابعة عالميًا في عدد الهجمات لعام 2024 بنسبة 10 في المئة، مقارنة بـ7 في المئة في 2023. وتركزت هذه الهجمات على القطاعات المالية والتأمين بنسبة 61 في المئة، تليها الطاقة بـ17 في المئة، وهي القطاعات ذاتها التي تشهد أسرع معدلات اعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
في “GISEC 2025″، وضع مجلس الأمن السيبراني الإماراتي هجمات “حقن الأوامر” في مقدمة أولوياته، بينما أصدرت هيئة “سدايا” في السعودية إرشادات دقيقة لضمان الاستخدام المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، محددة متطلبات خاصة بالأنظمة الوكيلة. هذه المؤشرات تؤكد أن تهديدات الذكاء الاصطناعي لم تعد مستقبلية بل أصبحت واقعًا حاضرًا.
وكلاء يشبهون البشر… ومخاطر مماثلة
في حين اكتفت الحوسبة السحابية برقمنة البنية التحتية، فإن “مساحة العمل الوكيلة” تضيف عنصر الفعل الذاتي؛ حيث ينفذ وكلاء الذكاء الاصطناعي المهام بدلًا من الاكتفاء بالاقتراحات. مسؤولو “بروف بوينت” وصفوا هؤلاء الوكلاء بأنهم “مصممون للتصرف كبشر”، ما يجعلهم عرضة للخداع والاختراق تمامًا كما يُخدع الإنسان. التحدي يكمن في أن بريدًا إلكترونيًا واحدًا قد يتضمن أوامر خفية قادرة على اختراق أدوات مثل “Microsoft Copilot” أو “Google Gemini”، ما يضاعف حجم المخاطر مع توسع المؤسسات في تطوير وكلائها الخاصة.
منظومة دفاع بأربع ركائز
للحد من هذه المخاطر، كشفت “بروف بوينت” عن منظومة دفاعية متكاملة مبنية على أربع ركائز مترابطة. تبدأ المنظومة بقدرات جديدة في منصة “Prime Threat Protection” لاكتشاف استغلالات الذكاء الاصطناعي في البريد والتصدي للأوامر الخبيثة. تليها منصة “Data Security Complete” التي تعنى بحوكمة بيانات الذكاء الاصطناعي عبر اكتشاف البيانات الحساسة وتصنيفها وتطبيق سياسات منع التسرب. ثم تأتي بوابة “Secure Agent Gateway” المبنية على بروتوكول “Model Context” للتحكم في وصول الوكلاء إلى المعلومات الحساسة. وأخيرًا، وكلاء “Satori™” الذين يؤتمتون مهام الأمن مثل محاكاة هجمات التصيّد وفرز التنبيهات، ما يعزز قدرات مراكز العمليات الأمنية بسرعة مضاعفة مقارنة بالعمل البشري.
السعودية في صدارة الجاهزية
تتقدم السعودية بخطوات متسارعة لتبني هذه البيئات، إذ دخلت ضمن قائمة أعلى 20 دولة عالميًا في مواهب الذكاء الاصطناعي لعام 2025. كما تعكس مبادرات كبرى مثل مشروع “HUMAIN ALLAM” للنماذج اللغوية الضخمة التوجه نحو الاستثمار في البنية التحتية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. وأعلنت “بروف بوينت” عن مركز بيانات محلي يوفر حلولها الأمنية المتوافقة مع متطلبات الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، ما يعزز استقلالية المملكة الرقمية.
الإنسان والآلة في جبهة واحدة
أصبح واضحًا أن الثقة تشكّل سطح الهجوم الجديد. تقنيات التوليد الذكية تتيح إنشاء رسائل تصيّد وصفحات دخول مزيفة بدقة عالية، فيما يمكّن “حقن الأوامر” من تمرير تعليمات خفية إلى المساعدات الذكية. في هذا السياق، طرحت “بروف بوينت” أداة “Threat Interaction Map” لتصوير هذه الهجمات متعددة القنوات، بالإضافة إلى “SSO Password Guard” لمنع إدخال بيانات الاعتماد في تطبيقات غير مصرّح بها. هذه الحلول تملأ فجوات يصعب على الدفاعات البشرية وحدها سدها.
ما بعد الموضة… تحول جوهري
بحسب الرئيس التنفيذي سوميت دواهان، فإن “مساحة العمل الوكيلة” ليست موجة عابرة بل تحول جوهري يغير طبيعة عمل البشر والآلة معًا. دواهان أكد أن هذا التغيير يوسع مهمة الأمن من حماية الأفراد فقط إلى حماية الإنسان ووكلائه الذكيين في آن واحد. ومع انفتاح الحدود الرقمية بفضل تقنيات التوليد والعملات الرقمية، لم تعد اللغة أو الجغرافيا أو العملة عائقًا أمام المهاجمين. الهجمات اليوم أكثر شمولًا وعالمية، وهو ما يفرض على المؤسسات في الشرق الأوسط تبني استراتيجيات دفاعية متقدمة.
الخليج يدخل مرحلة جديدة من الأمن السيبراني
كما كانت الحوسبة السحابية قبل عقد نقطة تحول كبرى، فإن “مساحة العمل الوكيلة” تمثل اليوم انطلاقة نحو مرحلة جديدة. بدعم من سياسات صارمة لحماية البيانات، واستثمارات ضخمة في البنية التحتية الذكية، وقوى عاملة شابة متبنية للتقنيات، تبدو بيئة الخليج عامة والسعودية خاصة مثالية لاختبار هذا المستقبل الرقمي الطموح ضمن رؤية 2030.