لماذا التخوف من الذكاء الاصطناعي؟

29
د. فهد بن عبد الله الحويماني
أعلنت الصين هذا الأسبوع تشريعات جديدة متعلقة بالذكاء الاصطناعي حيث يتعين على جميع الشركات العاملة في الصين التقدم مسبقا بطلب الموافقة على تطوير برامج الذكاء الاصطناعي واستخدامها، حيث يتم التأكد من ملاءمتها للاستخدام وعدم احتوائها على ما يمكن أن يشكل مخاطر إنسانية أو اجتماعية أو أمنية، أو غير ذلك من مخاطر.

في أوروبا اقترح المشرعون إيجاد نظام لتصنيف مخاطر برامج الذكاء الاصطناعي، حيث تعرف درجة المخاطرة في كل برنامج، فهذا برنامج مخاطره عالية، وهذا مخاطره متوسطة، وآخر مخاطره قليلة أو ضئيلة جدا. كما أن وزارة التجارة الأمريكية طرحت وثيقة لمرئيات العموم حول استخدام الذكاء الاصطناعي والمخاطر المتعلقة باستخدامه تجاه عامة الناس وعلى حقوق النشر والملكية، وكذلك عما إذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي متحيزة في نتائجها أو لديها نزعات عنصرية أو إقصائية أو أنها قد تساعد على انتشار المعلومات الكاذبة والمزيفة.
من جانب آخر قام عدد من المختصين والباحثين في عدة جهات تجارية وحكومية وأكاديمية بطرح رسالة مفتوحة للتحذير من مخاطر الذكاء الاصطناعي، يطالبون فيها بالتريث في إطلاق برامج الذكاء الاصطناعي ودراسة المخاطر المحتملة الناتجة عن استخداماته.

بحسب بعض التقارير أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية وظائف بمرتبات عالية لمختصين في مجال البيانات والذكاء الاصطناعي، يقال إن الهدف منها توظيف الذكاء الاصطناعي في المنظومة الحربية، سواء باستخدامه مباشرة في الأسلحة أو برامج التخطيط والقيادة. كما أن كلا من الصين وروسيا لديها اهتمام كبير في الذكاء الاصطناعي، تحديدا في استخدامه للتفوق على أمريكا على عدة أصعدة، أهمها الصعيد العسكري والسياسي.
يمكن اختزال المخاوف التي يشعر بها الناس عموما من انتشار الذكاء الاصطناعي في ثلاثة أمور، هي تلاشي الخصوصية وفقدان الوظائف وتفوق الذكاء الاصطناعي على الإنسان بشكل يفقد معه الإنسان السيطرة على مجريات حياته. هناك من يطرح السؤال الفلسفي التالي، إن استطاع الذكاء الاصطناعي تقديم جميع الحلول وتنفيذ مختلف المهام، بل كذلك القيام بالتفكير بدلا من الإنسان، وبشكل أفضل منه، فماذا سيكون دور الإنسان في الحياة؟ تخيل لو أن الكمبيوتر والروبوتات استطاعت القيام بجميع المهام اليومية التي نمارسها حاليا، فكيف سنقضي وقتنا؟

يتساءل البعض عن الفرق بين الذكاء الاصطناعي والخدمات الإلكترونية المنتشرة منذ أعوام، سواء من خلال تطبيقات الهواتف الذكية أو المنصات الرقمية. ألا يعد ذكاء اصطناعيا ما نقوم به منذ عشرات الأعوام من استخدام الكمبيوتر في معالجة البيانات باستخدام اللغات البرمجية المعروفة والخوارزميات المتقدمة؟
هناك تشابه بين البرامج الذكية التي نستخدمها وبرامج الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه هناك اختلافات مهمة وكبيرة. فالبرامج التقليدية عبارة عن تعليمات مدونة بلغة الكمبيوتر، تقوم بتنفيذ عمليات حسابية أو أي مهام رقمية مطلوبة بشكل محدد وقاطع، حيث إنها تعطي النتيجة ذاتها في كل مرة نستخدمها، وهذه تعد ميزة كبيرة لهذه البرامج لأننا نريدها أن تعمل بهذا الشكل في جميع الأوقات.
في البرامج التقليدية تكون خطوات التنفيذ ثابتة حسب البيانات التي يتلقاها الكمبيوتر، وفي حال استخدام البيانات نفسها فالنتيجة واحدة دائما، بينما البيانات في الحياة عموما ليست دائما ثابتة ومحددة ومطلقة. مثلا عندما يقوم الطبيب بفحص المريض، فهو أولا يعتمد على بيانات محدودة ومتغيرة وبالتالي نتيجة الفحص ليست دائما مطابقة لما قد يتوصل إليه طبيب آخر. كذلك حتى لو أن بيانات المريض كانت محددة ومطلقة، فليس بالضرورة أن يتوصل الطبيب إلى تشخيص واحد مطلق، فهناك اختلافات بين قدرات كل طبيب إلى جانب الحضور الذهني للطبيب.

مثال آخر على المسائل التي من الصعب إعداد برامج حاسوبية مسبقة لها، نتيجة مباراة في كرة القدم تعتمد على بيانات ضخمة ومتغيرة، دور اللاعبين فيها تنفيذ اللعبة، أي إنهم بمنزلة برنامج الكمبيوتر الذي ينفذ المهمة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال خوض مباراة لكرة القدم حيث تكون النتيجة مطابقة لما يتنبأ به أي برنامج إلكتروني تقليدي، ولا حتى أي برنامج ذكاء اصطناعي، على الأقل في المستقبل المنظور.
من المعروف أن أقصى درجات التطور المراد لبرامج الذكاء الاصطناعي الوصول إليها هي مقدرة البرنامج على التمتع بالوعي الذاتي، كالإنسان، حيث يشعر الكمبيوتر بنفسه ويستطيع اتخاذ قرارات خاصة به، خارج سيطرة مطوريه، لكن لا يزال هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي صعب المنال، ويعد مجرد افتراضات نظرية لا يمكن تحقيقها.

السباق محموم بين الشركات التقنية العملاقة في هذا المجال، فشركة جوجل لديها “ألفا جو” وهو نموذج ذكاء اصطناعي برز على الساحة في 2016 بسبب تميزه في ممارسة لعبة رياضية معروفة في اعتمادها على البديهة والحنكة والفراسة، أكثر من اعتمادها على الحسابات الرياضية التي من الممكن تنفيذها بالكمبيوتر بسهولة.
شركة آي بي إم لديها نظام “واتسون” الذي كان الهدف منه إنتاج روبوت للمحادثات، كما يتم في خدمات العملاء لدى الشركات، وذلك بالاعتماد على علوم معالجة اللغات الطبيعية والشبكات العصبية، ثم تطور البرنامج فأصبح يستخدم في عدة مجالات طبية وتجارية وتعليمية. وهناك برنامج الطيار التلقائي المطور من قبل شركة تسلا، الذي يتميز بقدرته على التحكم بمسار المركبات من خلال قراءة بيانات الكاميرا والرادار وبيانات نظام الملاحة والخرائط واستخدامها في تقنيات الرؤية الرقمية والتعلم العميق والحركة.

وهناك الروبوت صوفيا من شركة هانسون للروبوتات تميز في محاكاته للإنسان في الشكل والكلام والحركة، وذلك بتوظيفه للذكاء الاصطناعي في فهم صوت الإنسان واستخدام معالجات اللغات الطبيعية في النطق والتحدث كالإنسان، وهو الروبوت الذي حصل على الجنسية السعودية في 2017.
التخوف العام من الذكاء الاصطناعي مفهوم إلى حد كبير، كما ذكرنا بسبب الخصوصية وفقدان الوظائف وتدني قيمة الإنسان، لكن هناك جهات أخرى تخشى من هذه التطورات لأسباب عديدة، بعضها مخاوف أمنية كما تشعر به الجهات الأمنية عموما، وبعضها مخاوف اقتصادية يمكن أن تحصل في حال سبقت جهة ما لجهة أخرى في سبر أغوار تلك التقنية الحديثة، إلى جانب وجود مخاوف من المجهول أيا كان شكله، وذلك ما دعا البعض إلى طلب التريث في نشر الذكاء الاصطناعي والتوسع في استخداماته.

اترك رد

Your email address will not be published.