الذكاء الاصطناعي التوليدي يعيد حرب الهيمنة على البحث
معارك البحث على الإنترنت عادت..
أدى بزوغ أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على توليد إجابات نصية مباشرة على الأسئلة، أبرزها روبوت الدردشة شات جي بي تي الذي ابتكرته أوبن إيه آي ـ مقرها في سان فرانسيسكو – إلى فتح أول جبهة جديدة في المعركة من أجل الهيمنة على البحث منذ أن تصدت جوجل لمواجهة منسقة من “بينج” التابعة لمايكروسوفت قبل أكثر من عقد.
تقترب كل من جوجل ومايكروسوفت من الإعلان عن تجديدات لمحركي البحث التابعين لهما، تتضمن إدراج إجابات مباشرة يقدمها الذكاء الاصطناعي. من جهة أخرى، سبق لشركات ناشئة عدة في مجال البحث تضمين الذكاء الاصطناعي في خدماتها، الأمر الذي يعطي لمحة أولى عن الكيفية التي قد تحول بها تكنولوجيا “شات جي بي تي” أحد أكبر أسواق الإنترنت.
لقد طال انتظار الطفرة المفاجئة في التجريب، حسب قول جريج ستيرلنج، محلل يتابع سوق البحث منذ 1999. أضاف أن المستخدمين الأصغر سنا يرون صفحات نتائج بحث جوجل فوضوية ومليئة بالإعلانات. “يرغب الناس في شيء أبسط وأكثر مصداقية ظاهريا ولا يحتوي على أطنان من الإعلانات المحشوة فيها”.
أنظمة مثل “شات جي بي تي”، تعتمد على ما يسمى نماذج لغوية ضخمة يمكنها “فهم” الاستعلامات المعقدة وإنشاء ردود نصية، لا تمثل بديلا مباشرا لمحرك البحث وحدها. يبلغ عمر المعلومات المستخدمة لتدريب “شات جي بي تي” عاما واحدا على الأقل، وتقتصر الإجابات التي تقدمها على المعلومات الموجودة بالفعل في “ذاكرتها”، بدلا من مواد أكثر تحديدا مأخوذة من الويب ردا على استفسارات محددة.
أدى ذلك إلى بدء سباق لتطوير مزيج جديد من البحث القائم على الذكاء الاصطناعي والتقليدي. تعرف هذه التكنولوجيا باسم “التوليد المعزز بالاسترجاع”، وتتضمن أولا تطبيق أدوات البحث لتحديد الصفحات التي تحتوي على أكثر المواد صلة، ثم استخدام معالجة اللغة الطبيعية “لقراءتها”. يتم إدخال النتائج في نموذج لغوي ضخم مثل جي بي تي-3، من “أوبن إيه آي”، الذي يلفظ بعد ذلك إجابة أكثر دقة.
يقول منافسو جوجل إنه أتاح فرصة نادرة لابتكار خدمات بحث جديدة ومميزة، بدلا من محاولة التغلب على عملاق البحث في ملعبه الخاص.
قال سريدهار راماسوامي، المدير التنفيذي السابق لشركة جوجل والمؤسس المشارك لشركة البحث الناشئة، نيفا، “لقد أفلتت جوجل من الخسارة لأن الجميع، بمن فيهم نحن، حاول حتى الآن التغلب عليهم بمجموعة أفضل من الروابط”.
بدأت شركة نيفا بالفعل في إدراج إجابات نصية قصيرة في صفحات نتائج البحث. في محاولة للتغلب على نقطة ضعف ملازمة في النماذج اللغوية الضخمة – أنها تنتج أحيانا نتائج غير صحيحة – كانت “نيفا” أيضا أول من أضاف اقتباسات إلى إجاباتها النصية، تظهر المصادر وراء أقوالها.
من ناحية أخرى، فضلت بعض الشركات اتباع النهج الأكثر جذرية المتمثل في تقديم واجهة دردشة فقط للمستخدمين تشبه “شات جي بي تي”، والاستغناء عن صفحات نتائج البحث تماما.
تخطط مايكروسوفت لإتاحة خيار “التبديل” بين واجهة الدردشة وصفحة نتائج البحث التقليدية لمستخدميها، وفقا لعدد من الذين شاهدوا ما بدا أنه إصدار أولي من خدمة “بينج” المجددة أواخر الأسبوع الماضي. رفضت شركة البرمجيات تأكيد أن لقطات الشاشة للتسريب الواضح عبر الإنترنت كانت حقيقة. اتبعت “يو دوت كوم”، شركة بحث ناشئة أخرى، هذا النهج بالفعل، مضيفة زر “دردشة” للمستخدمين للتبديل من البحث العادي.
وبحسب أنجيلا هوفر، المؤسس المشارك لشركة أندي، شركة بحث ناشئة أخرى، فإن خدمة الدردشة الخالصة أكثر جاذبية لجيل شاب يرغب في تجربة مختلفة تماما.
قالت، “يتحول الجيل زد إلى تيك توك لأنهم متعطشون جدا لشيء جديد. فهم يريدون إجابات دقيقة واقعية يمكن تقديمها لهم بطرائق مرئية وحوارية”.
بحسب أرافيند سرينيفاس، المؤسس المشارك لشركة بربلكسيتي إيه آي، التوجه الكامل المنصب على تطبيق واجهة المحادثة سيسهم في تقديم خدمة أكثر تميزا وفائدة. قال، “هي في الأساس مثل ويكيبيديا تتناول المنشطات، ستتفوق على مفاهيم محركات البحث”.
لكن ربما تجد الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز نتائج البحث أن المزايا قصيرة الأجل. قالت “جوجل” الأسبوع الماضي إنها ستبدأ في إدراج نتائج من أنظمتها للذكاء الاصطناعي اللغوية في نتائجها “قريبا جدا”، وستتيح للمستخدمين التفاعل مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الجديدة مباشرة.
قال ستيرلينج إن ذلك قد يجعل من الصعب على المنافسين التوصل إلى أي شيء مميز بما يكفي لكسر قبضة “جوجل” على السوق. أضاف، “إذا دمجت بينج الذكاء الاصطناعي في البحث بطريقة جوجل نفسها، فقد لا نشهد أي تغيير”.
لكن حتى لو تبين أن تأثيرها في المنافسة ضئيل، تظل التداعيات الاقتصادية الأوسع على الشبكة العنكبوتية وخيمة. فالناشرون الذين يعتمدون على حركة الويب الناتجة عن عمليات بحث المحركات، مثلا، يواجهون تبعة أن يجد مستخدمو الإنترنت إجابات دون الحاجة إلى النقر للوصول إلى الصفحات الأساسية.
قال سرينيفاس، من “بربلكسيتي”، “ستنخفض زيارات الإحالة بالتأكيد. أمر ليس رائعا للناشرين”.
توقع أن يجبر هذا الناشرين على إعادة التفكير في علاقاتهم بمحركات البحث، الأمر الذي قد يسفر عنه إغلاق مواقعهم أو محاولة التفاوض على رسوم للسماح بتتبع ارتباطات صفحات معلوماتهم ومعالجتها.
أما بالنسبة لمحركات البحث، فإن التكلفة المرتفعة لتوليد إجابات نصية بالكامل تهدد ما كان حتى الآن نشاطا تجاريا عالي الربح. قدر سرينيفاس أن البحث الذي يتضمن الذكاء الاصطناعي قد يكلف سبعة أو ثمانية أضعاف البحث التقليدي على الإنترنت. قال، “لا يمكن أن تنجح هذه الأمور إلا إذا كانت القيمة لكل سؤال أعلى بكثير”.
بالنسبة لمايكروسوفت التي أنفقت مليارات الدولارات في أيام “بينج” الأولى في محاولة للتنافس مع جوجل، ربما تكون هوامش الربح المنخفضة تكلفة مقبولة لتسنح لها فرصة للفوز أخيرا بحصة سوقية كبيرة. خفض هوامش الربح للجميع قد يخدم أيضا غرضا استراتيجيا أوسع إذا ساعد مايكروسوفت على إضعاف الركيزة الأساسية لأعمال منافستها.
في الوقت نفسه، تقول معظم الشركات الناشئة في مجال البحث إنها تأمل في تجنب الاعتماد على الإعلانات، ولو فقط لتميز نفسها عن جوجل.
قال هوفر إن شركة أندي تخطط لاستخدام نموذج أعمال “فريميوم” الذي يتضمن فرض رسوم على بعض مستخدميه مقابل مستوى أرقى من الخدمة. “لا نريد إعلانات أبدا. نعتقد أن الإعلانات أحد الأشياء التي أفسدت بحث جوجل”.
لكن لم تختبر أي من الشركات التي تجرب توظيف الذكاء الاصطناعي في البحث إذا كان المستهلكون على استعداد للدفع مقابل شيء يتلقونه حاليا مجانا. قال سرينيفاس إن مؤسسي جوجل أنفسهم كتبوا ذات مرة أن الاعتماد على الإعلانات قد يكون نموذج العمل الخاطئ ليتبناه محرك بحث. أضاف أن من الأفضل في هذه المرحلة ترك جميع الخيارات مطروحة على الطاولة.