هل تتقدم “وسائل التواصل الاجتماعي” بالجنس البشري في اتجاه معاكس؟
AI بالعربي – متابعات
تصل التوقعات حول التغييرات البيولوجية الجسدية للبشر بسبب التطور التقني، وتحديدًا العمل من خلف المكتب أو من خلف الكمبيوتر المحمول أو من خلف مقود السيارة ووسائل النقل الأخرى إلى حدود خيالية. وهذه التوقعات تبدو منطقية ويتم تحليلها وفقًا للتسلسل التطوري للكائن البشري عبر التاريخ، فعلوم التشريح والبيولوجيا البشرية تعتقد أن يدي الإنسان ستطولان مع الوقت وستقصر رجلاه لأننا نستخدم يدينا بشكل كبير منذ الثورة الصناعية، بينما نستخدم أرجلنا بقدر أقل سواء في العمل أو التنقل، وقد ارتفعت نسبة هذه التوقعات مع حلول عصر الإنترنت، الذي اختصر مئات الأنواع من الأعمال عبر الكمبيوتر أو الهاتف، وكلها تتم بالأصابع والأيدي بينما الأرجل لا تتحرك إلا قليلًا، وهذا ما يعني أن شكل الإنسان سيعود شبيهاً بالشمبانزي من حيث امتداد اليدين وضمور الأرجل، فكما يستخدم الأخير يديه للتسلق والتنقل بتنا نستخدم أيادينا للعمل وبشكل كثيف.
توقعات “منحرفة”
بعض التوقعات الأكثر انحرافًا ترى أن الإنسان قد يتحول إلى مجرد دماغ مركب على آلات مختلفة تحل محل أعضائه بعد عشرات الآلاف من السنين، وقد أشار إيلون ماسك أخيرًا، إلى أنه يمكن تحويل ذاكرة أي إنسان إلى “ميموري كارد” ما يبقيه على قيد الحياة إلى الأبد طالما أن الدماغ عبارة عن جامع للصور والأحداث التي تقع. ويمكنه عبر توصيل مجموعة من الخوارزميات المختلفة أن يتوقع ما سيحدث.
وتحول الإنسان إلى مجرد دماغ مركب على شبكة من الآلات وليد فكرة تطوره الجسدي السابقة، أي أن الحاجة إلى الجسد البيولوجي ستقل مع مرور الوقت لصالح عملية التفكير، بل قد يتم إيجاد أنواع من الغذاء لهذا الجسد أو الدماغ تختلف عن نظائرها الحالية، فلا يحتاج إلى دخول المرحاض مراراً وتكراراً ولا التوقف عن العمل من أجل وجبة طعام، وهذه البحوث جارية أساساً من أجل رواد الفضاء الحاليين والمستقبليين الذين سيسافرون بسرعة قريبة من سرعة الضوء بين الكواكب والمجرات.
وما يؤكد مثل هذه المزاعم العلمية هو عالم “الميتافيرس” الذي أطلقته شركة “ميتا” مالكة “فيسبوك”، وما أكدته “غوغل” كذلك، وهو العالم الذي قد يصبح موازياً للعالم الحقيقي، حيث يكون للمستخدم شخصية خاصة في هذا العالم، وشخصيته الحقيقية في العالم الواقعي. وفي حال أمضى وقتاً أطول في عالم الميتافيرس ستصبح شخصيته هناك هي الأساسية بينما تصبح شخصية العالم الواقعي ثانوية.
يقول المتخصصون في “علم اجتماع السوشيال ميديا”، وهو علم جديد أفرز فروعًا من علم النفس والإعلام وعلوم سيكولوجيا الجماهير وعلوم التواصل والاتصال، إن “عالم شبكة الإنترنت يكاد يصبح الآن وقبل أي تطورات متوقعة جزءاً أساسيًا لتعريفنا كأشخاص ولتعريف الحياة من حولنا، فقد بات بإمكان أي شخص صنع شخصيته التي يريد أن يريها للآخرين عبر وسائل التواصل وتطبيقاتها ومواقعها الكثيرة، والتي تكون مختلفة عن شخصيته الحقيقية، سواء بالشكل أو بالمضمون، فبسبب (الفلترات) الجديدة التي تغير شكل الوجه، بات بالإمكان تعديل قسمات الوجه بشكل جذري في الصورة التي يقدمها المرء عن نفسه أمام الآخرين، هذا في الشكل، أما في المضمون فيمكن للشخص أن يظهر نفسه في حالة من السعادة والسرور في الصور والرحلات التي ينشرها على صفحاته، بينما يكون في الواقع يعيش حياة بائسة أو مختلفة، والعكس صحيح”.
إيجابيات وسلبيات متقاطعة
في البداية استخدمنا وسائل التواصل الاجتماعي لمصلحتنا، حين قمنا بجعل الكوكب قرية صغيرة، حيث يمكن الاتصال عبر الفيديو بشخص يبعد عشرات آلاف الكيلو مترات ونتحادث معه كأنه في الغرفة معنا، وبات بإمكاننا نشر أفكارنا بين الآلاف من المستخدمين حتى لو كانت مشوشة أو مغلوطة أو مسروقة أو تحريضية أو تلفيقية، وهذا ما يحدث على قدم وساق عبر شبكة الإنترنت ما يدفع الحكومات ومؤسسات الرقابة الدولية إلى فرض شروط قاسية على شركات التواصل الاجتماعي كي تتمكن من ضبط المعلومات التي يتلقاها مواطنوها، وقدراتهم على التعبير أو الوصول إلى معلومات مضللة تنتشر بشكل مقصود عبر الشبكة العنكبوتية ويكون لها تأثير كبير في المتابعين، كالمزاعم بتدخل روسي في الانتخابات الأميركية التي أوصلت دونالد ترمب إلى سدة الرئاسة، وما زالت التحقيقات جارية حتى اليوم في هذه المسألة، أو من قبيل نشر معلومات حول نتائج الانتخابات الأميركية في الدورة الثانية والتي رسب فيها الرئيس السابق دونالد ترمب، فتمكن من حشد جماعات غير قليلة حوله مدعياً أن النتائج مزورة، وأدى الأمر إلى احتلال مبنى الكابيتول الأميركي في حادثة غير مسبوقة من قبل جماعات تأثرت بهذه الدعاية “الترمبية”، وما زالت التحقيقات أيضاً جارية في هذا الموضوع حتى اليوم.
لكن التأثير الأكبر الذي تمارسه وسائل التواصل فينا هو التأثير المتعلق بالحياة اليومية، أي بالعلاقة بالطبيعة من حولنا والعلاقة بالمحيط الاجتماعي ابتداء من الأسرة النواتية ومنها إلى الأسرة الكبيرة ومنها إلى المجتمع الذي نعمل أو نسكن فيه.