لوجستيات رقمية
د. محمد الشريف
بفضل التطور التقني المتسارع والهائل الذي زادت من وتيرته جائحة كوفيد – 19 خلال العام الماضي، باتت الخدمات اللوجستية أقرب من أي وقت مضى للاستفادة من منافع التحول الرقمي. حيث سيسهم نضج عديد من التقنيات الناشئة كتقنية إنترنت الأشياء وسلاسل الكتل أو الذكاء الاصطناعي، جنبا إلى جنب مع نشر شبكات الاتصال الحديثة كشبكة الجيل الخامس وما توفره من سرعات إنترنت عالية، سيسهم ذلك كله في رقمنة قطاع الخدمات اللوجستية. لكن قبل أن أستعرض كيف ستتحول الخدمات اللوجستية رقميا، أشير إلى أبرز التحديات التي تواجه القطاع.
تشير الأبحاث إلى أن تكلفة التوصيل للميل الأخير تمثل ما يقارب 50 في المائة من تكاليف الإنفاق على سلاسل الإمداد.
وهذا يقود إلى مسائل مترابطة مع بعضها بعضا مثل انخفاض كفاءة النقل التي تزيد من استهلاك الطاقة المستخدمة في مركبات التوصيل، وكذلك الوقت المستغرق لإيصال الشحنات، وتسلمها في حالتها الأصلية وعدم تأثرها بالمسافة المقطوعة أثناء رحلة الشحن، ولا يقل أهمية عن ذلك مدى رضا المستفيد النهائي. على الجانب الآخر من سلسلة الإمداد، تبرز تحديات التخليص والفسح الجمركي والمرونة في المناولة والفحص وإنجاز تلك العمليات في وقت قياسي، والقائمة في ذلك تطول. وبالنظر إلى حجم صناعة هذا القطاع عالميا التي تقدر ما بين ثمانية و12 تريليون دولار، فإن أي تطوير في كفاءة التشغيل والإنفاق أو أتمتة العمليات اللوجستية سيكون له أثر كبير من المنفعة الاقتصادية.
من الوسائل التي ستلعب دورا كبيرا في تحول الخدمات اللوجستية رقميا أنظمة تتبع أساطيل الشحن وربطها مع المنصات الرقمية لتحديد الرحلة والتوقيت المثاليين – على سبيل المثال – بتفعيل برامج الذكاء الاصطناعي لإيصال الشحنات ما يرفع من كفاءة التشغيل ويقلل من استهلاك الوقود ويسهم بدوره في تقليل الانبعاثات الكربونية. كما أن تمرير البيانات ومشاركتها بين الشاحنات ومراكز التوزيع باستخدام سجلات سلاسل الكتل سيضمن ذلك تدفقا آمنا ودقيقا لبيانات الشحنات. وبتوظيف تقنيات إنترنت الأشياء سيتمكن صاحب الشحنة من معرفة الظروف التي انتقلت فيها حمولته كدرجة الحرارة أو الرطوبة، خصوصا للبضائع الغذائية أو تلك التي تتأثر شديدا بظروف النقل والتخزين. وفي مراحل متقدمة، ستتمكن الطائرات دون طيار أو المركبات ذاتية القيادة من إيصال حمولات البضائع في أوقات قياسية سالكة أقصر الطرق بفضل تقنيات عدة أبرزها الذكاء الاصطناعي والاتصال اللاسلكي والمستشعرات تحت الحمراء. ولتستطيع التقنيات المذكورة آنفا من تأدية مهامها على أكمل وجه لا بد لها من العمل في ظل شبكات اتصال عالية التغطية وذات استجابة زمنية سريعة. فوجود شبكة من الجيل الخامس وحواسيب سحابية تربط بين مزود الخدمة عبر منصاته الرقمية وبين أسطول الشحن ثم انتهاء بالعميل وأنظمة الدفع والتسلم الإلكترونية ستجعل من تلك التجربة تجربة رقمية.
إن إطلاق المملكة لاستراتيجيتها الوطنية الطموحة للنقل والخدمات اللوجستية التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي، وستوظف فيها المملكة التقنيات الحديثة سواء للنقل أو للخدمات اللوجستية، يأتي ذلك في وقت ذهبي. هذا الوقت المثالي الذي حققت فيه المملكة مستوى عاليا من النضج الرقمي ليمهد لتحول رقمي شامل للخدمات الحيوية في المملكة، ومن أهمها قطاع الخدمات اللوجستية.