“البيت الأبيض” يضع خطة شاملة لتصدير الذكاء الاصطناعي الأميركي وتعزيز انتشاره عالميًّا

البيت الأبيض يضع خطة شاملة لتصدير الذكاء الاصطناعي الأميركي وتعزيز انتشاره عالميًّا

AI بالعربي – متابعات

في خطوةٍ استراتيجيةٍ جديدةٍ تعكس تحوُّلًا في سياسات الولايات المتحدة تجاه الذكاء الاصطناعي، كشف البيت الأبيض عن خطةٍ طموحةٍ تهدف إلى تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي الأميركيّة على نطاقٍ عالميٍّ، مع إرساء ضوابطَ محليّةٍ تهدف إلى إعادة تشكيل البيئة التنظيميّة داخل البلاد. وتشير هذه الخطة إلى انتقال الإدارة الأميركيّة من نهج التركيز على التقييد والتنظيم الداخلي إلى تعزيز الهيمنة التكنولوجيّة العالميّة للولايات المتحدة، عبر دعم النماذج مفتوحة المصدر وتوسيع نطاق نشر البنية التحتيّة التقنيّة في الخارج.

مرتكزات الخطة: تصدير التكنولوجيا مقابل التنظيم المحلي

تتضمّن الخطة الجديدة مجموعةً من الإجراءات السياسيّة والتنظيميّة، أبرزها منع التمويل الفيدرالي عن الولايات الأميركيّة التي تفرض قيودًا صارمةً على تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. هذا الإجراء يهدف، وفقًا لمصادر رسميّة، إلى تحفيز بيئةٍ أكثر مرونةً للابتكار داخل الولايات المتحدة، حيث تُعدّ بعض الولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك من بين الأكثر صرامةً في التشريعات المنظّمة للذكاء الاصطناعي، خاصّةً في مجالات الخصوصيّة والحوكمة.

وفي المقابل، تسعى الحكومة الأميركيّة إلى توسيع نطاق تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الأسواق العالميّة من خلال “حزم نشر شاملة”، تشمل تقديم حلول ذكاءٍ اصطناعيٍّ جاهزةٍ للاستخدام، وإقامة مبادراتٍ لمراكز البيانات في دولٍ حليفة. وتشمل هذه الحزم أيضًا أدواتٍ برمجيّةً مفتوحةَ المصدر، تهدف إلى تمكين الدول الأخرى من الاستفادة من الابتكارات الأميركيّة دون الحاجة إلى إعادة اختراع العجلة.

من التقييد إلى الانتشار: تغيير في السياسات الفيدراليّة

تعكس هذه الخطة تحوُّلًا ملحوظًا في سياسة إدارة الرئيس جو بايدن التي اتّسمت، منذ بداية ولايتها، بالحذر في التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا سيّما في ظلّ المخاوف المرتبطة بالخصوصيّة، والتحيّز الخوارزمي، وسوء استخدام التكنولوجيا في مجالات مثل الأمن القومي والمراقبة. إلا أنّ التقدُّم المتسارع في قدرات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب المنافسة المتزايدة من الصين وأوروبا، دفع الإدارة الأميركيّة إلى إعادة النظر في أولويّاتها الاستراتيجيّة.

ويقول محلّلون إنّ الخطة تعكس إدراكًا متزايدًا لدى واشنطن بأنّ الحفاظ على الريادة التكنولوجيّة يتطلّب الانتقال من وضع الدفاع إلى الهجوم، وذلك عبر نشر أدواتها ومنصّاتها عالميًّا وتحديد المعايير الفنيّة التي ستبني عليها دول العالم سياساتها القادمة في مجال الذكاء الاصطناعي.

دعم النماذج مفتوحة المصدر

ضمن بنود الخطة أيضًا، تسعى الإدارة الأميركيّة إلى تعزيز تطوير النماذج مفتوحة المصدر للذكاء الاصطناعي، باعتبارها أداةً فعّالةً لمواجهة الاحتكار في السوق، ومصدرًا لتعزيز الشفافيّة والرقابة المجتمعيّة. وقد بدأت بالفعل بعض المبادرات البحثيّة بتمويلٍ حكوميٍّ في تقديم نماذج قوية من الذكاء الاصطناعي قابلةٍ للاستخدام المجتمعي، دون قيود الملكيّة الفكريّة المطبّقة على نماذج الشركات الكبرى مثل OpenAI وAnthropic وJoogle DeepMind.

ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها جزءًا من استراتيجية “الهيمنة الناعمة”، حيث تتيح الولايات المتحدة تقنيّاتها للعالم، مقابل بناء تبعيّةٍ تقنيّةٍ وثقافيّةٍ لمنصّاتها البرمجيّة وبنيتها التحتيّة.

تصدير البنية التحتيّة والمعايير الأميركيّة

بالإضافة إلى تصدير البرمجيّات والنماذج، تشمل الخطة إقامة شراكاتٍ مع دولٍ ناميةٍ ومتقدّمةٍ لإنشاء مراكز بياناتٍ أميركيّةِ الهويّة، ما يضمن استمرار تدفُّق البيانات عبر شبكاتٍ تخضع للمعايير الأميركيّة في الحوكمة والتشغيل. وتهدف هذه المراكز إلى أن تكون “نقاط ارتكاز” لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأميركيّة في الخارج، ضمن ما يُعرف بـ”الدبلوماسيّة التقنيّة”.

الموازنة بين التوسّع والحماية

ورغم أنّ الخطة تركّز على الانتشار، إلا أنّ البيت الأبيض لم يغفل جوانب السلامة والرقابة الأخلاقيّة، حيث أكّد المتحدث الرسمي باسم الإدارة أنّ نشر التكنولوجيا الأميركيّة لا يعني غياب الرقابة، بل على العكس، فإنّ وجود الولايات المتحدة كلاعبٍ مركزيٍّ في خريطة الذكاء الاصطناعي العالميّة يمنحها القدرة على صياغة المعايير الدوليّة للسلامة والشفافيّة.

وتتضمّن الخطة أيضًا أدواتٍ لتعقُّب استخدام التكنولوجيا في الخارج، وضمان عدم وقوعها في أيدي جهاتٍ غير موثوقة، عبر ما يُعرف بـ”بروتوكولات الاستخدام المسؤول”.

مستقبل الذكاء الاصطناعي الأميركي عالميًّا

من المتوقّع أن تؤدّي هذه الخطة إلى تحوّلاتٍ هيكليّةٍ في سوق الذكاء الاصطناعي العالمي، خاصّةً في ظلّ التباين في المواقف بين أوروبا التي تتبنّى نهجًا تنظيميًّا صارمًا، والصين التي تركّز على الابتكار السريع والدعم الحكومي المكثّف. أمّا الولايات المتحدة، فباتت تسعى إلى الموازنة بين الابتكار المفتوح والتحكُّم الاستراتيجي في نشر التكنولوجيا.

ويحذّر خبراء من أنّ منع التمويل عن الولايات ذات القوانين الصارمة قد يُثير جدلًا داخليًّا ويُعيد إشعال نقاشاتٍ حول التوازن بين الابتكار والخصوصيّة، إلا أنّ البيت الأبيض يبدو مصرًّا على دفع عجلة التفوّق التكنولوجي الأميركي، حتى وإن اقتضى الأمر إعادة رسم الخريطة التنظيميّة بالكامل.

في ظلّ هذه التحرّكات، تترقّب الأوساط التكنولوجيّة والاقتصاديّة نتائج الخطة على المديين القريب والبعيد، وسط تساؤلاتٍ عن مدى قدرتها على تحقيق التوازن بين السيطرة، والنفوذ، والاستدامة في عصرٍ يتسارع فيه الذكاء الاصطناعي كقوّةٍ كونيّةٍ جديدة.