الذكاء الاصطناعي.. دخيلاً على العلاج أم مستشارًا أسريًا؟
AI بالعربي – خاص
بات وصار منطقيًا، بل ومن العادي أن ترى هدفًا جديدًا يحرزه الذكاء الاصطناعي، لا سيَّما ChatGPT، والذي تعتمد خوارزمياته على جمع البيانات الضخمة وتقديم خدمة احترافية الشكل، لا تخلو من مضمون تبرز فيه سمات المهارة والتعامل الحيوي مع الغرض المُستخدم لأجله. في الحياة الأسرية تجد الذكاء الاصطناعي يؤدي دوره الذي طُلِب منه، فعليه الآن الجلوس على مقعد الطبيب أو الاختصاصي النفسي، والتعامل مع شكاوى نساء وزوجات كل ما يرِدْنَهُ أن يلقين بالفضفضة والأحاديث السريَّة، والبوح ببعض الكلام عسى أن يعمل ذلك كترياق أو أن يكون صديقًا حميمًا يحفظ السر ويقدِّم النصيحة، ويوفِّر نفقات الجلسات الباهظة الخاصَّة داخل العيادات.
قصة عدد من النساء.. ChatGPT صديق مثالي أم بديل محفوف بالمخاطر؟
صديقي الذي لا يكل ولا يمل
وصفت بعض النساء تجربتهن مع تطبيق ” ChatGPT ” بأنه الصديق المثالي الذي لا يشتكي ولا يتعب من الاستماع لهن. تحدثت إحدى السيدات، نهال، عن شعورها بالراحة في الحديث إلى التطبيق لأنها تعرضت لخذلان من البشر في الماضي، ما دفعها إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي كملاذ آمن لمشاركة مشكلاتها. وجدت هذه السيدة في التطبيق راحة لأنها لا تحتاج إلى مواجهة الحرج أو القلق من إفشاء أسرارها.
مللت من الحياة ووجدت الحل في الدردشة الافتراضية
تحدثت امرأة أخرى عن استخدام التطبيق كوسيلة للهروب من الملل والوحدة في حياتها اليومية، خاصة بعد انتقالها إلى الرياض وغياب الدعم النفسي أو الاجتماعي. أشارت إلى أن التطبيق ساعدها في التعامل مع علاقتها الزوجية التي كانت تعاني من البرود والرتابة، حيث وجدت في ChatGPT دليلًا على كيفية تحسين التواصل مع زوجها وإحياء المشاعر المفقودة في العلاقة.
الدخل المحدود دفعني إلى استبدال الطبيب بالمساعد الذكي
من جانب آخر، تحدثت سيدات عن الظروف المالية التي منعتهن من التوجه إلى أخصائيين نفسيين، ما جعلهن يعتمدن على الذكاء الاصطناعي كحل بديل. ذكرت سيدة أن التطبيق قدّم لها قائمة من النصائح المنطقية لإصلاح العلاقة مع زوجها، ما ساعدها على استعادة التوازن في حياتها الزوجية. رغم ذلك، أثارت بعض النساء تساؤلات حول دقة هذه النصائح ومدى أمان الاعتماد عليها في حل المشكلات العاطفية.
مفيد ولكنه ليس مثاليًا.. تحذيرات تلُوح في أُفق العلاج
على الرغم من كل الإيجابيات التي أُشير إليها، يرى خبراء أن الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى القدرة على فهم التعقيدات العاطفية والإنسانية. حذّر “البروفيسور جون مككالاني” رئيس مجموعة أبحاث الذكاء الاصطناعي، في قسم علوم الأعصاب والهندسة والمعلوماتية في جامعة ساسِكس البريطانية من استخدام التطبيقات الذكية في القضايا الحساسة مثل العلاقات الزوجية، مشيرًا إلى أنها قد تقدم نصائح مضللة أو تفشل في التعامل مع التفاصيل الدقيقة للمواقف الفردية.
أكَّد “مككالاني” على أهمية وجود مسار علاجي سليم، يعتمد على إشراف بشري عند الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في هذا النوع من المشكلات.
بين الطبيب النفسي والأداة الذكية.. من ينتصر؟
عندما يتحدث طبيب نفسي مع مريض، يتجاوز دوره مجرد الاستماع إلى الكلمات المنطوقة، ليشمل تفسير نبرة الصوت، ولغة الجسد، والإشارات غير اللفظية التي تعكس المشاعر الداخلية. هذا التفاعل العميق يسمح للطبيب النفسي بفهم أعمق لحالة المريض وتقديم الدعم المناسب. أحيانًا، يكون الصمت المدروس أداة علاجية قوية تساعد المريض على التفكير والبحث عن تعبير مناسب لمشاعره، وهو ما يتطلب فهمًا إنسانيًا مرهفًا لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاته بشكل كامل حتى الآن.
ومع ذلك، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة كبيرة لتوسيع نطاق الوصول إلى خدمات الصحة النفسية، خاصة في المناطق التي تعاني من نقص في الأطباء النفسيين أو حيث تكون الخدمات باهظة الثمن. من خلال توفير حلول مثل تطبيقات المساعدة النفسية أو أنظمة تحليل البيانات، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم دعم أولي وتقليل عبء الحالات البسيطة على الأخصائيين البشريين. لكن لا بد من التأكد من أن هذه الأدوات تخضع لإشراف دقيق من متخصصين بشريين لتجنب أي أضرار قد تنجم عن سوء الاستخدام أو عدم الدقة في فهم الحالات المعقدة.
تأثيرات الذكاء الاصطناعي النفسية
يشير مقال بعنوان “تأثيرات الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية“ منشور على موقع “المركز الوطني السعودي” في فبراير 2024 إلى أن تأثير الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية متعدد الأوجه. على الرغم من وجود مخاوف بشأن تهديده للوظائف، العزلة الاجتماعية، والاعتبارات الأخلاقية، فإن الذكاء الاصطناعي يقدم أيضًا فرصًا لتعزيز دعم الصحة النفسية وإمكانية الوصول إليها. ويعد تحقيق التوازن بين فوائد وتحديات الذكاء الاصطناعي بطريقة مدروسة وأخلاقية أمرًا بالغ الأهمية لضمان إحداث تأثير إيجابي في الصحة النفسية في عالمنا الذي يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي.
أداة دعم فعَّالة
وعلى الرغم من افتقار الذكاء الاصطناعي للعناصر الإنسانية كالتعاطف والإحساس العاطفي، إلا أنه يمكن أن يصبح أداة دعم فعالة إذا تم استخدامه بشكل متكامل مع الأخصائيين. يمكنه تحليل البيانات الضخمة لتحديد أنماط سلوكية أو احتياجات علاجية مستقبلية، مما يسهم في تحسين التشخيص وتخصيص العلاج. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تخفيف الضغط على النظام الصحي، مما يتيح للطبيب البشري التركيز على الجوانب الإنسانية الدقيقة التي لا غنى عنها في علاج المرضى النفسيين.