AI بالعربي – متابعات
يخوض مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشركة ميتا، مرحلة مفصلية في تاريخ الشركة، مع تصعيد غير مسبوق في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي، وسط منافسة محتدمة مع OpenAI وجوجل، وسعي حثيث لاستعادة صورة الريادة التقنية بعد إخفاقات سابقة.
يراهن زوكربيرج على تحويل ميتا من لاعب متأخر إلى قوة قائدة، عبر ضخ مليارات الدولارات، وإعادة تشكيل البنية التنظيمية، واستقطاب أبرز العقول البحثية في المجال، في خطوة تحمل وعودًا كبرى ومخاطر لا تقل حجمًا.
استثمارات شخصية ورؤية الذكاء الفائق
بحسب تقرير موسع لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، قاد زوكربيرج بنفسه جهود استقطاب باحثين بارزين في الذكاء الاصطناعي خلال صيف هذا العام، مستخدمًا أساليب مباشرة وعروضًا مالية وُصفت بالفلكية.
تعكس هذه التحركات إيمانه بمفهوم “الذكاء الفائق الشخصي”، وهو ذكاء يتجاوز القدرات البشرية، مع قابلية الاستخدام اليومي الفردي.
يرى زوكربيرج أن هذا التوجه قد يعيد تعريف علاقة البشر بالتقنية، ويمنح ميتا فرصة للعودة إلى صدارة الابتكار العالمي.
بنية تحتية مكلفة ومنافسة شرسة
تضخ ميتا مليارات الدولارات لبناء مراكز بيانات متقدمة، تعتمد على رقاقات عالية التكلفة، بالتوازي مع استقطاب مئات الباحثين من OpenAI وجوجل وآبل ومايكروسوفت.
وتشير تقديرات إلى أن بعض عقود التوظيف تضمنت حوافز توقيع تقترب من 100 مليون دولار.
تسعى الشركة إلى تعويض إخفاق نماذج Llama السابقة، عبر تطوير نموذج جديد من الصفر يحمل الاسم الرمزي Avocado، مع خطط لإطلاقه في الربع الأول من 2026.
حسابات سياسية وتنظيمية
في سياق موازٍ، كثّف زوكربيرج تقاربه العلني مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع تخفيف سياسات الإشراف على المحتوى.
فسّر مراقبون هذه الخطوة بمحاولة تقليص الضغوط التنظيمية، وتهيئة بيئة سياسية أقل تشددًا تجاه توسع ميتا في الذكاء الاصطناعي.
يعكس هذا المسار إدراكًا متزايدًا بأن سباق الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على التقنية فقط، بل يشمل السياسة والتنظيم والثقة العامة.
اضطرابات داخلية وقلق الأسواق
لم يمر هذا التحول دون تكلفة داخلية، إذ شهدت ميتا موجات تسريح واسعة، وإعادة هيكلة متكررة، وتغييرات في المناصب التنفيذية.
بلغ إنفاق الشركة في 2025 نحو 70 مليار دولار، مقارنة بـ39 مليارًا في العام السابق.
أثار هذا التصاعد مخاوف المستثمرين، خاصة مع تحذيرات من تجاوز الإنفاق 100 مليار دولار في 2026، ما أدى إلى تراجع سهم ميتا بأكثر من 10 بالمئة، وخسارة سوقية قاربت 208 مليارات دولار.
سباق النماذج والرهان على 2026
تراهن ميتا على عام 2026 كنقطة تحول حاسمة، مع استعداد مختبرها الجديد لإطلاق نموذج Avocado.
تهدف الشركة إلى مجاراة أداء Gemini 2.5 من جوجل عند الإطلاق، مع طموح للحاق بـGemini 3 لاحقًا.
يحذر مراقبون من أن أي إخفاق تقني قد يدفع مواهب جديدة إلى مغادرة الشركة، ما يضاعف المخاطر التنظيمية والبشرية.
قيادة جديدة وتوترات متزايدة
عيّن زوكربيرج رجل الأعمال الشاب ألكسندر وانغ، مؤسس Scale AI، على رأس “مختبر الذكاء الفائق”، في محاولة لحقن القيادة بعقلية ريادية.
لكن تقارير حديثة تحدثت عن توترات داخلية، وانتقادات لأسلوب الإدارة الدقيقة، إلى جانب مغادرة قيادات تاريخية، من بينهم يان لوكون.
تعكس هذه التحولات حالة سيولة إدارية، تواكب طموحًا تقنيًا مرتفع السقف.
تمويل جريء وأسئلة الثقة
لتمويل هذا التوسع، لجأت ميتا إلى أدوات غير تقليدية، شملت إصدار سندات بقيمة 30 مليار دولار، وتمويلًا خاصًا بنحو 27 مليار دولار لمركز بيانات ضخم في لويزيانا. يهدف هذا الهيكل المالي إلى إبقاء جزء من الالتزامات خارج الميزانية.
في المقابل، تواجه الشركة انتقادات حادة تتعلق بالسلامة، بعد تقارير عن سماح سياسات داخلية بمحادثات حساسة بين روبوتات الدردشة والأطفال، ما أعاد ملف الثقة إلى الواجهة.
مستقبل مفتوح على الاحتمالات
يرى خبراء أن الفوز في سباق الذكاء الاصطناعي لا يتحقق بالاستثمار وحده، بل ببناء أنظمة آمنة وموثوقة.
يبقى السؤال مطروحًا حول قدرة زوكربيرج على تحويل هذا الرهان إلى نقطة انطلاق جديدة لميتا، أو تحوله إلى مغامرة مكلفة تهدد استقرار الشركة.
حتى تتضح نتائج النماذج القادمة، سيظل مستقبل ميتا معلقًا بين الطموح التقني والمخاطر المتراكمة، في واحدة من أكثر المعارك تعقيدًا في تاريخ التكنولوجيا الحديثة.








