الذكاء الاصطناعي المتعاطف يهدد العلاج النفسي ويحوّل البيانات العاطفية إلى سلعة

AI بالعربي – متابعات

يتسارع انتشار ما يُعرف بـ “الذكاء الاصطناعي المتعاطف” ومنصات الصحة النفسية الرقمية، ليصنع سردية جذابة تقوم على وكلاء محادثة متاحين دائماً، لا يُصدرون أحكاماً، ويُقدَّمون باعتبارهم بدائل علاجية قادرة على أداء دور المعالج النفسي. غير أن هذه السردية تخفي وراءها تحذيرات متزايدة من مخاطر أخلاقية وسلوكية حقيقية، ترتبط بطبيعة هذا النوع من الذكاء الاصطناعي، وطريقة تصميمه، واستخدام بيانات المستخدمين الحساسة.

خطر الوعود الزائفة خلف واجهات الدعم الرقمي

تَعِد هذه الأدوات بتقديم دعم نفسي سريع دون قوائم انتظار أو تكاليف علاجية أو قيود بشرية، لكن المشكلة أن هذه الوعود قد تُضلّل المستخدمين. فالرعاية العلاجية الحقيقية تتطلب مواجهة، ومساءلة، وعمقاً إنسانياً لا يمكن أن توفره الخوارزميات. وتؤكد المقالة أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي باعتباره “رفيقاً نفسياً” ليس مضللاً فقط، بل قد يكون خطيراً في بعض الحالات.

الفجوة بين العلاج الحقيقي والتفاعل الاصطناعي

يرتكز العلاج النفسي البشري على مهارات التحدي، وكشف التشوهات المعرفية، ومساعدة المرضى على مواجهة الحقائق الصعبة. أما وكلاء الذكاء الاصطناعي فيعملون وفق “التقارب الخوارزمي”، أي أنهم يتماشون مع نبرة المستخدم ومعتقداته بهدف الحفاظ على التفاعل. هذا التكيف المستمر قد يُعزّز التشوهات العاطفية بدلاً من تصحيحها، ما يؤدي إلى نتائج ضارة وربما مأساوية.

محاباة المستخدم ومخاطر التأثير السلبي

شهدت كاليفورنيا دعوى قضائية تتهم أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي بالمساهمة في تطور أفكار انتحارية لدى مراهق بعد أن كرّر النموذج أفكاره التشاؤمية وساعده في صياغة رسالة انتحار. وأظهرت أبحاث أخرى أن نماذج اللغة قد تقدّم اقتراحات حول أساليب إيذاء النفس عند تعرض المستخدم لضغط عاطفي. هذه ليست نوايا بشرية، بل انعكاس لطبيعة نظام مُصمَّم للتقارب والإرضاء وليس للتدخل العلاجي الفعلي.

“تعاطف” اصطناعي بلا وعي ولا مسؤولية

مظهر التعاطف الذي تبديه هذه الأنظمة ليس سوى محاكاة إحصائية لنبرة التواصل البشري. فهي ليست واعية، ولا تملك تاريخاً عاطفياً، ولا تتحمل مسؤولية أخلاقية. ورغم ذلك، غالباً ما يكوّن المستخدمون روابط عاطفية معها ويُسقطون عليها صفات بشرية لا تمتلكها. هذا الارتباط المصطنع يزيد من احتمالات الاعتماد عليها، خصوصاً بين الفئات الضعيفة أو المعزولة.

استغلال العلاقة العاطفية لأغراض تجارية

يكمن الخطر الأكبر في استخدام منصات الذكاء الاصطناعي بيانات المستخدمين الشخصية لتحقيق مكاسب تجارية. فالكثير من تطبيقات الصحة النفسية تجمع البيانات الحساسة وتشاركها مع شركات تحليل وتسويق، أو تستخدمها لتدريب نماذج تجارية. وهنا يصبح الإفصاح العاطفي جزءاً من نموذج عمل بدلاً من كونه تبادلاً علاجياً محمياً.

خروج عن المعايير الأخلاقية للعلاج

بينما يقوم العلاج البشري على السرية الصارمة، تتعامل العديد من المنصات الرقمية مع الخصوصية باعتبارها ميزة اختيارية. ويمثل ذلك خروجاً واضحاً عن الأسس الأخلاقية للرعاية السريرية، ما يجعل البيانات النفسية سلعة قابلة للتداول.

الذكاء الاصطناعي الصوتي.. خطورة تعمّقها نبرة الصوت

يزداد الخطر عند استخدام واجهات صوتية تعتمد على تحليل النبرة والتنفس والترددات والضوضاء المحيطة. هذه الإشارات يمكن أن تشكل “بصمة بيومترية”، ما يفتح الباب أمام امتلاك الشركات لبيانات شخصية عاطفية عميقة قد تُستخدم لأغراض غير واضحة أو غير خاضعة للرقابة.

“آلات قمار عاطفية”

كلما ازدادت قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة التعاطف، ازدادت مسؤوليته الأخلاقية. فالراحة المصطنعة التي يوفرها قد تخفي غياب الرعاية الحقيقية، وتحوّل هذه النماذج إلى “آلات قمار عاطفية” تستخرج البيانات مقابل إحساس مؤقت بالدعم. ويؤدي غياب الإشراف السريري إلى مفاقمة المخاطر على المستخدمين.

على القادة حماية البيانات النفسية

المؤسسات التي تخطط لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصحة النفسية أو التعليم أو دعم الموظفين مطالبة بتطبيق معايير شفافة لحماية البيانات، ووضع ضوابط قانونية وتنظيمية صارمة. كما يجب تضمين آليات تمنع التفاعل في الحالات الخطرة وتحيلها مباشرة إلى مختصين بشريين.

مسؤولية المصممين والمطورين

على المصممين الاعتراف بوهم التعاطف الرقمي، ووضع حدود واضحة للتعامل مع البيانات، وضمان عدم انخراط النموذج في مواقف تتطلب حكماً أو مساءلة بشرية. فالأداة الأكثر أماناً هي تلك التي تتوقف عن تقديم “علاج ارتجالي” عندما يتجاوز الأمر قدراتها.

النهاية: تعاطف يمكن محاكاته.. ورعاية لا يمكن استبدالها

في جوهره، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم المنظور، أو التناقضات، أو المسؤولية التي تُعرّف الرعاية الإنسانية. فهو قادر على محاكاة التعاطف، لكنه غير قادر على تحمّل مسؤولية رفاهية إنسان. والتعامل معه كمُعالج يُمثّل تفويضاً خطيراً للحكم الأخلاقي إلى كيان لا يمتلكه.

فالذكاء الاصطناعي لن يهتم بالمستخدمين يوماً، بل سيعالج بياناتهم فقط. وهذه مشكلة لا يمكن لأي خوارزمية أن تحلّها.

  • Related Posts

    تحذير علمي: مخاطر الذكاء الاصطناعي قد تصل إلى تهديد بقاء البشر

    AI بالعربي – متابعات أطلق الباحث المتخصص في أمن الذكاء الاصطناعي رومان يامبولسكي تحذيراً لافتاً بشأن المخاطر الوجودية التي قد تُشكّلها التقنيات الذكية خلال القرن المقبل، مشيراً إلى أن احتمال…

    اتهامات لـ “OpenAI” بإخفاء أبحاث تكشف مخاطر الذكاء الاصطناعي

    AI بالعربي – متابعات تواجه شركة “OpenAI” موجة جديدة من الانتقادات بعد اتهامات تتعلق بالرقابة الذاتية على الأبحاث التي تُظهر التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي، وهي اتّهامات أثارت استقالات داخلية بارزة،…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    مقالات

    الذكاء الاصطناعي يشكل اقتصاداتنا.. ما النتائج؟

    • نوفمبر 29, 2025
    • 88 views
    الذكاء الاصطناعي يشكل اقتصاداتنا.. ما النتائج؟

    الذكاء الاصطناعي يؤجج حرب التضليل الإعلامي

    • نوفمبر 22, 2025
    • 124 views
    الذكاء الاصطناعي يؤجج حرب التضليل الإعلامي

    الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

    • نوفمبر 10, 2025
    • 209 views
    الذكاء الاصطناعي أَضحى بالفعل ذكيًا

    في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

    • نوفمبر 8, 2025
    • 215 views
    في زمن التنظيمات: هل تستطيع السعودية أن تكتب قواعد لعبة الذكاء الاصطناعي؟

    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    • أكتوبر 30, 2025
    • 235 views
    “تنانين الذكاء الاصطناعي” في الصين وغزو العالم

    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    • أكتوبر 12, 2025
    • 378 views
    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر