“محتوى يولد من لا شيء”.. واقع إعلامي تحت الاستفهام

“محتوى يولد من لا شيء”.. واقع إعلامي تحت الاستفهام

AI بالعربي – متابعات

مقدمة

في زمنٍ لا يحتاج فيه إنتاج المحتوى إلى قلمٍ أو فكرةٍ أو حتى كاتب، أصبح السؤال مشروعًا:
هل ما نقرؤه اليوم هو إبداع إنساني أم نتاج خوارزمية؟
لقد دخلنا عصرًا يُولَد فيه المحتوى من لا شيء، بضغطة زرّ واحدة، حيث تصيغ الآلة النصوص وتنتج الصور وتُحرّك الفيديوهات، بينما يقف الإعلام التقليدي أمام مرآةٍ تُعيد طرح سؤال وجوده.

بينما كانت غرف الأخبار يومًا تعج بالمحررين والباحثين والمصورين، أصبحت اليوم تعتمد على الذكاء الاصطناعي (AI) في إنتاج القصص، إعادة الصياغة، وحتى اختيار العناوين.
فهل نحن أمام ثورة إعلامية جديدة، أم أمام فقاعة محتوى بلا روح؟


الإعلام بين الإنسان والآلة

لم يعد الفرق واضحًا بين الصحفي والمحرّك الآلي للنصوص.
الذكاء الاصطناعي يستطيع اليوم كتابة مقال كامل خلال ثوانٍ، وتحليل الترندات وتوقع العناوين الجاذبة.
لكن الخطير في الأمر أن هذا المحتوى لا يمر عبر تجربة إنسانية، بل ينبع من بيانات مبرمجة مسبقًا.

المواقع الإخبارية الكبرى بدأت تستخدم أدوات مثل ChatGPT وGemini وClaude لتوليد المقالات، في حين يتراجع دور الصحفي إلى مرحلة “التحقق والمراجعة”.
لكن إلى أي مدى يمكن للآلة أن تكون مسؤولة عن الحقيقة؟


المحتوى المولّد… بين الكفاءة والمصداقية

من الناحية التقنية، المحتوى المولّد بالذكاء الاصطناعي يتمتع بكفاءة وسرعة مذهلتين:

  • يمكن إنتاج آلاف المقالات في اليوم.
  • تحليل اتجاهات الجمهور لحظيًا.
  • تحسين محركات البحث تلقائيًا عبر كلمات مفتاحية ذكية.

لكن في المقابل، يفتقد هذا المحتوى الجوهر الإنساني، أي التجربة والملاحظة والنية.
الآلة لا تشعر ولا تملك ضميرًا صحفيًا، بل تعيد إنتاج أنماط لغوية مأخوذة من ملايين النصوص الأخرى.
بالتالي، يظهر سؤال أخلاقي:
هل يمكن الوثوق بمحتوى لا يُعرف مصدره، ولا يُعرف إن كان إنسانيًا أم آليًا؟


تضخم المحتوى وفقدان المعنى

الإنترنت اليوم يغرق بملايين المقالات يوميًا، معظمها لا يضيف جديدًا.
الذكاء الاصطناعي سهّل عملية الكتابة لدرجة أن المحتوى أصبح سلعة رخيصة، لكن في المقابل تراجعت القيمة.
عناوين براقة، أخبار مكررة، ومقالات معادة بصياغات مختلفة — كلها مظاهر لعصر “المحتوى من لا شيء”.

هذا التضخم الرقمي جعل القارئ يعيش حالة تشبع معرفي دون فائدة حقيقية، وأفقد المؤسسات الإعلامية قدرتها على التميّز.


الواقع الإعلامي تحت الاستفهام

مع صعود أدوات مثل Sora لإنشاء الفيديوهات من النصوص، وMidjourney وDALL·E لإنشاء الصور من الأوامر، أصبح الإعلام متعدد الطبقات:

  • محتوى مكتوب بخوارزمية.
  • صور مرسومة بخيال رقمي.
  • فيديوهات دون ممثلين أو مصورين.

هذه الأدوات خلقت واقعًا جديدًا يُعيد تعريف مفهوم “الخبر” نفسه.
فلم يعد السؤال “من كتب الخبر؟” بل “هل ما قرأته حقيقي؟”.


التأثير على المصداقية الإعلامية

المؤسسات الإعلامية العربية تواجه الآن تحديًا مزدوجًا:

  • تحدي السرعة: الجمهور يريد الأخبار فورًا.
  • وتحدي الموثوقية: الجمهور لا يصدق بسهولة.

الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون عونًا في تحليل البيانات والتحقق من المصادر، لكنه في الوقت نفسه قد يكون سببًا في التضليل إذا استُخدم بلا رقابة مهنية.
ولهذا، باتت الحاجة ماسة إلى مدوّنات سلوك إعلامي رقمي تضع حدودًا فاصلة بين الإبداع البشري والتوليد الآلي.


كيف يمكن إنقاذ الإعلام من “المحتوى الفارغ”؟

  • التحقق البشري الإلزامي: كل مادة مولّدة يجب أن تمر عبر محرر حقيقي.
  • الشفافية: الإعلان بوضوح إذا كان النص أو الصورة من إنتاج الذكاء الاصطناعي.
  • المساءلة: تحميل المؤسسات الإعلامية مسؤولية ما يُنشر حتى لو أنتجته الآلة.
  • التدريب: تأهيل الصحفيين على التعامل الأخلاقي مع أدوات التوليد.

اندماج الذكاء الاصطناعي في الوعي اللغوي الإنساني

الكلمات تتحول إلى بيانات داخل الذاكرة الرقمية

تداخل الوعي الإنساني مع النظام الخوارزمي للغة


س: هل سينتهي دور الصحفي البشري؟
ج: لا، لكنه سيتحوّل من كاتب إلى محرّر ومحقق للحقائق، يضبط ما تنتجه الخوارزميات ويمنح النص روحه الإنسانية.

س: هل المحتوى المولّد خطر على الإعلام؟
ج: إذا استُخدم بلا ضوابط، نعم. لأنه قد يُنتج أخبارًا مضللة أو مقالات بلا مصادر حقيقية.

س: كيف يمكن التمييز بين محتوى بشري وآلي؟
ج: عبر تحليل الأسلوب، وتكرار العبارات، وغياب الرأي أو التحليل العميق، وهي علامات شائعة في النصوص الآلية.

س: هل سيتوقف القارئ عن الثقة بالإعلام؟
ج: الثقة لن تختفي، لكنها ستُعاد بناؤها على أساس جديد: الشفافية والمصداقية الرقمية.


الخلاصة

نعيش اليوم مفارقة مثيرة:
لم يكن إنتاج المحتوى أسهل مما هو عليه الآن، لكنه في الوقت نفسه أقل صدقًا مما كان.
إن ما نواجهه ليس موت الإعلام، بل تحوّله إلى نظام هجين يجمع بين الذكاء البشري والخوارزمي.
وحتى لا نصبح أسرى “المحتوى من لا شيء”، علينا أن نعيد الاعتبار للفكر والإنسان والنية، قبل أن يصبح الإعلام مجرد شاشة صامتة تكرر ما تمليه عليها الأكواد.


اقرأ أيضًا: “اللغة لا تموت”.. لكنها تُصاغ من جديد داخل الآلة

  • Related Posts

    “اللغة لا تموت”.. لكنها تُصاغ من جديد داخل الآلة

    “اللغة لا تموت”.. لكنها تُصاغ من جديد داخل الآلة AI بالعربي – متابعات منذ فجر التاريخ، كانت اللغة أكثر من مجرد وسيلة للتواصل؛ إنها الوعاء الذي يحتضن الفكر والهوية والذاكرة…

    “نهاية الفرد”.. الذكاء الاصطناعي يختصر الإنسان في أنماطٍ

    “نهاية الفرد”.. الذكاء الاصطناعي يختصر الإنسان في أنماطٍ AI بالعربي – متابعات لطالما اعتُبر “الفرد” جوهر الفلسفة الحديثة، مركز الإرادة والاختيار والوعي. الإنسان الذي يُفكر ويختار ويُعبّر عن ذاته، كان…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    مقالات

    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    • أكتوبر 12, 2025
    • 157 views
    الذكاء الاصطناعي في الحياة المعاصرة.. ثورة علمية بين الأمل والمخاطر

    حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

    • أكتوبر 1, 2025
    • 248 views
    حول نظرية القانون المشتغل بالكود “الرمز” Code-driven law

    الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

    • سبتمبر 29, 2025
    • 261 views
    الإعلام.. و”حُثالة الذكاء الاصطناعي”

    تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

    • سبتمبر 26, 2025
    • 198 views
    تطبيقات الذكاء الاصطناعي.. وتساؤلات البشر

    كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

    • سبتمبر 24, 2025
    • 221 views
    كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي «العمليات الأمنية»؟

    الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف

    • سبتمبر 18, 2025
    • 152 views
    الذكاء الاصطناعي في قاعة التشريفات: ضيف لا مضيف