الذكاء الاصطناعي يعيد صياغة بيئات العمل

الذكاء الاصطناعي يعيد صياغة بيئات العمل

AI بالعربي – متابعات

طوال عقود، رُوّج لفكرة أن التكنولوجيا ستُحرر الإنسان من الأعمال الروتينية، لكنها جعلته أكثر التصاقاً بمكتبه. غير أن بحثاً حديثًا أجرته شركة GoTo يكشف أن الذكاء الاصطناعي يفتح الباب لنقطة تحول جديدة، حيث لا يَعِد فقط بتحرير الموظف بل يحقق ذلك عمليًا.
الهدف لم يعد زيادة الأداء فقط، بل تأسيس بيئة تُعطي الأولوية للتنمية البشرية على حساب هاجس الإنتاجية البحتة.

التحرير من قيود المكاتب التقليدية

تُظهر النتائج أن 51% من الموظفين يتوقعون تراجع أهمية المكاتب التقليدية بفضل الذكاء الاصطناعي، بينما يفضل 62% العمل عن بُعد المدعوم بهذه التقنيات. هذا التحول لا يعني رفض التفاعل البشري، بل استعادة حرية اختيار متى وأين وكيف يتم العمل.
وبالنسبة لـ71% من العاملين، فإن الذكاء الاصطناعي يوفّر توازناً أفضل بين الحياة والعمل، عبر إتاحة وقت للتفكير العميق، ومساحة للحركة، وفرصة للراحة الذهنية والجسدية.

من الاستخراج إلى التكامل

النموذج التقليدي للإنتاجية كان يطالب الموظف بأن يكون “آلة إنتاج”، أما الذكاء الاصطناعي فيتيح دمج كامل التجربة الإنسانية في بيئة العمل. نحو 66% من الموظفين يؤكدون أن التقنية تمنحهم مرونة في العمل من أي مكان من دون فقدان الإنتاجية، وهو ما يترجم عملياً إلى مواءمة إيقاع العمل مع إيقاع الحياة الشخصية.
هذه المرونة تسمح بممارسات جديدة مثل عقد اجتماعات أثناء المشي أو تخصيص بيئات طبيعية تُحفّز التفكير والإبداع.

فجوة التعلّم داخل المؤسسات

مع ذلك، يظل التحدي الأكبر في الفجوة بين الرؤية الإدارية والتجربة اليومية للعاملين. فبينما يرى 91% من قادة تكنولوجيا المعلومات أن شركاتهم تستفيد بفاعلية من الذكاء الاصطناعي لدعم الفرق الموزعة، فإن 53% فقط من الموظفين يؤيدون هذا الرأي.
الفارق يكمن في أن بعض المؤسسات تستخدم الذكاء الاصطناعي لتكرار نماذج الإنتاجية القديمة، بينما يُفترض أن يُستثمر لدعم ازدهار الإنسان عبر المرونة، والتفكير العميق، والراحة. الشركات القادرة على سد هذه الفجوة هي التي تُعيد صياغة سؤالها من “كيف نزيد الإنتاجية؟” إلى “كيف نُمكّن الناس من الازدهار؟”.

جيل بعد جيل… التكنولوجيا للجميع

يكسر البحث أيضاً الصورة النمطية حول صعوبة تبني كبار السن للتكنولوجيا. إذ أظهر أن الاستفادة من العمل عن بُعد المعزز بالذكاء الاصطناعي تشمل جميع الأجيال، بدءاً من 90% من الشباب وحتى 74% من جيل طفرة المواليد.
هذا يوضح أن التكنولوجيا عندما تراعي الاحتياجات البشرية وتتكيف مع أنماط حياة مختلفة، فإنها تصبح وسيلة جامعة تُعزز التكامل بين الفئات العمرية.

الاستثمار الذكي أولاً

الأكثر دلالة أن 61% من الموظفين يفضلون استثمار المؤسسات في الذكاء الاصطناعي بدلاً من إنفاق الأموال على تحسينات شكلية في المكاتب. التجربة الإنسانية في العمل لم تعد مرتبطة بالمكان فقط، بل بالقدرة على امتلاك أدوات مرنة تمكّن الموظف من أداء عمل هادف يحترم طاقاته الإنسانية الكاملة.

الطريق إلى الأمام

الذكاء الاصطناعي يُغيّر شكل العمل بالفعل، لكن أمام المؤسسات خياران: إما استغلاله لتعزيز أنماط مراقبة وإنتاجية أكثر صرامة، أو توظيفه كأداة لتحقيق الوعد الأساسي للتكنولوجيا في خدمة الإنسان.
المؤسسات التي ستتبنّى الخيار الثاني ستحقق ميزة تنافسية حقيقية، لأنها ستعتمد على موظفين أكثر إبداعاً، تفاعلاً، وابتكاراً، قادرين على صياغة حلول جديدة.